لا احد من “البغادة” الاصليين حكم على مدى العقود الماضية بغداد. وعلى امتداد تاريخها تعرضت هذه المدينة التي اختزلت في الكثير من الحقب التاريخية الدولة لانماط شتى من الغزو الاجنبي والوطني معا. الاتراك والفرس تناوبوا على غزوها بصرف النظر عن تسمياتهم عثمانيين كانوا ام صفويين ام قاجاريين. وعقب ولادة العراق الحديث عام 1921 توالى على ادارتها متصرفون “محافظون” فيما بعد من قرى وبلدات خارج حدود تصميمها الاساس بدء من “تيل تاوة” حتى “طويريج” مرورا بـ “العوجة”.اصحاب “السدارة” من اهالي بغداد ممن تبغدد الجميع براسهم كان نصيبهم ولايزال كبيرا من الاقصاء والتهميش والمظلومية. ولم يتركوا لهم من خيار سوى الانزواء بين باجة “الحاتي” و”ابن طوبان” الى حانب قوزي ابن سمينة وشربت الحاج زبالة. والاخير شرب منه عبد الكريم قاسم “من اهالي الصويرة” وعبد السلام عارف “من الفلوجة” وصدام حسين من “تكريت” ولم يتسع دكان زبالة لاحد من مشاهير بغداد.
الغالبية العظمى من متصرفي بغداد ومحافظيها طوال تسعة عقود من الزمن هم من الوافدين من اهالي القرى والارياف البعيدة. يستوي في ذلك راكبو الدبابات الوطنية باتجاه الصالحية حيث مقر الاذاعة والتلفزيون لاذاعة البيان رقم واحد,وراكبو الدبابات الاميركية باتجاه ما تبقى من خراب فضحته اول امطار الشتاء. واذا كان البيان الوطني رقم واحد يرفع في العادة ضباطا او حزبيين صغارا الى سدة الحكم حيث السلطة والصولجان , فان الدبابات الاميركية جاءت بمتعددي الجنسيات ليتولوا صبغ ارصفة بغداد وشوارعها بعيدا عن بناها التحتية. ولان مكافاة الزعيم الوطني او الوافد لاصدقاء طفولته ممن كان يلعب معهم “دعبل” او “طم خريزة” ليست اقل من سفير او محافظ او امين لـ “بغداد” او غيرها من المحافظات والهيئات المستقلة والوزارات وقيادات الجيش والشرطة والحرس الوطني فان الخراب عم الجميع حتى اعلنت محافظات كاملة في الوطن بانها منكوبة ولم تنفع بدلات زرقاء او صفراء بعد اجتثاث اللون الزيتوني.
وفي بغداد وفي ظل موسم “الهزاهز والامطار” فان الصخرة التي اغلقت مجاري العاصمة والتي تزن 150 كيلوغراما باتت مرشحة للدخول في كتاب غينيس للارقام القياسية. بغداد وطوال تاريخا البعيد او القريب لم تحصد من امنائها الغرباء من اولاد الوافدين من القرى والبلدات ممن لم يشبعوا حتى من “الخميعة” سابقا قبل ان يجدوا امامهم اصناف البيتزا والكنتاكي والسباكيتي ويتنفسون ملايين الدولارات الخضراء غير الخراب والتدمير المبرمج والممنهج معا. في التسعينات ظل البغداديون يتندرون على احد امنائهم ممن اطلقوا عليه لقب “قاسم نافورة” لانه حول مدينة بغداد الى نافورات يتدفق منها الماء قبل ان تبتلعه نفسه مياه بحيرة الثرثار في حادثة ماساوية. واليوم يتندر نفس البغداديين اصلاء ومتبغددين ولكن هذه المرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الصخرة التي تحدث عنها في اجتماع عالي المستوى “مجلس الوزراء” من اصبح بعد يومين امينا لبغداد وهو الحاج المهندس الزراعي نعيم عبعوب. وطبقا لهذا التاريخ فاننا في حال اختصرنا تاريخ بغداد الخدمي فهو لايعدو ان يكون وعلى مدى عقود سوى .. نافورات وعباعيب.