حدث ما حدث في باريس ، وتضامنت معها كل دول العالم ، قنوات فضائية بتغطية كاملة ، رموز سياسية كبرى تعاطفت مع باريس في محنتها ،عواصم تلوّنت بألوان العلم الفرنسي ، أشخاص وشّحوا صورهم بالأزرق والأبيض والأحمر على مواقع التواصل الأجتماعي ، عناق وشموع ودموع ، حداد وتأبين ورثاء ، ها هي كارثة أخرى تحدث ، لتدمير ما تبقى من سمعتنا وأرثنا وتراثنا ، ستجر الويلات على الأقليات وعلى المهاجرين واللاجئين ، فمن المسؤول ؟ ومن المستفيد ؟
نعلم جيدا ، أن داعش هو الخطر الأكبر الذي يهدد الأنسانية اينما كانت ، ولكن هذه الظاهرة لم تكن وليدة ساعتها ، ولم تأتِ من فراغ ، ونعلم جيدا ، ان هذا الورم السرطاني ، لم يكن سوى (ضررٌ جانبي) لتصرفات أمريكا بعد أن نصّبت نفسها شرطي على العالم ، ولكن هذا وحده لا يكفي لنشوء هذا السرطان ، فهنالك ما هو أهم ، فيجب توفّر الفكر والأيديولوجية المتطرّفة المتمثل بالفكر الوهّابي السلفي ، الذي نشأ وترعرع وتقوّى بمباركة ودعم القوى الكبرى لضمان تدفّق البترول ، ولا أدري ، هل هذه الحقيقة غائبة عن ذهن السيّد (أولاند) ؟ ، وأنا أراه يشارك في قمة مجلس التعاون (على الأثم والعدوان) الخليجي منذ أشهر ، وقبيل العدوان على اليمن ، وهو الشخص الأجنبي الوحيد ، للترويج لطائرات (رافال) وأسلحة أخرى، وكأنه وكيل تجاري وليس رئيسا لدولة كبرى !، وتكوّن ما يسمى التحالف العربي لأول مرة في تاريخ العرب ، ولكن هذه المرة ، لضرب الحوثيين في اليمن ، في الوقت الذي كان (داعش) ، يسرح ويمرح ويحتل ثلث مساحة العراق ونصف مساحة سوريا !، وانهمكت السعودية لأبادة الحوثيين بلا هوادة ، وتركت (هولاكو) يعيث فسادا تقتيلا وتشريدا وأغتصابا وأمتد خطره وأرهابه ليشمل شمال أفريقيا والعالم كله ، لا أجد عذرا لجرائم الحرب السعودية بحق اليمن ، سوى الغرض الطائفي ، فخطر الحوثيين لا يقارن بخطر داعش .
لن ننس تصرفات الغرب أبان الحرب العراقية – الأيرانية ، بعد أن لعب دور المتفرّج ، وكان دوره صبّ الزيت على النار ، حتى أطلق عليها (الحرب المنسيّة) ! ، ولن ننس الجريمة الأنسانية الكبرى التي ترقى للأبادة بفرضه الحصار ، ولن ننس تدمير بلادنا بحجة اسلحة الدمار الشامل ، ليقدّموا بعد ذلك أعتذارهم من أنهم كانوا على خطأ !، هكذا وبكل سهولة ، وها هو يلعب دور المتفرّج الأن في موقفه من داعش ، وجلّ همه تصدير السلاح ! ، حتى ظهرت روسيا فسببت لهم الأحراج ، وقلبت طاولة مؤامراتهم ، وعرّتهم أمام العالم ، روسيا التي لم تطالب (بأجورها) بعد رغم نشاطها الذي فاق نشاط ما يسمى بالتحالف الدولي بأضعاف ، في الوقت الذي بينت أمريكا ، ان كلفة الحرب (المزعومة والخجولة) على داعش تبلغ 11 مليون دولار اسبوعيا !.
وأنت يا بغداد مَنْ لَكِ ؟، يتساقط فيكِ ما يقارب من سقط في باريس ولكن في اليوم الواحد منذ اثنا عشر عاما! هل رأيت أحدٍ ما ، وقد توشّح بألوان العلم العراقي ؟!، هل شاهدتِ عاصمة كبرى ، وقد تلونت بعلمك ؟ هل تضامن الغرب والعالم معك ؟، هل أوقدوا لك الشموع ؟ هل ذرفوا لك دمعة ؟ منذ عشرات السنين ، وأنتِ تلبسين الحداد الرث وقد مزّقته الشظايا الرعناء ، ومن تحته جراحا تنزف أنهارا من الدم ، يا بغداد لك الله ، فلطالما تلفعّت بالعلم العراقي ، فلم يحمِكِ من سهام الغدر ، فكيف بالعلم الفرنسي ؟ ، يا بغداد ، لن يُعاتبك أحد ، على عدم توشحك به !..