18 ديسمبر، 2024 7:43 م

بغداد … سحر الدنيا … ومدينة المبدعين وعشاق الحضارة والفكر : بغداد .. عربية الوجه .. اسلامية القلب .. انسانية الروح

بغداد … سحر الدنيا … ومدينة المبدعين وعشاق الحضارة والفكر : بغداد .. عربية الوجه .. اسلامية القلب .. انسانية الروح

// تسارع دار ثقافة الاطفال ودوائر وزارة الثقافة  الاخرى الخطى الحثيثة لانهاء استعداداتها الكاملة الخاصة بفعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 التي ستستمر طوال العام الحالي.
// وستبدأ الدار فعالياتها في الخامس من الشهر المقبل بافتتاح فعاليات مهرجان ربيع الطفولة الثقافي السنوي الخامس الذي تزامنت فعالياته مع تلك الاستعدادات وستقدم خلاله وعلى مدى شهر عدداً من المسرحيات الفنية المشوقة الخاصة بالاطفال والنشىء الجديد .
في وقت ازيل فيه الستار عن ثلاثة تماثيل وضعتها امانة بغداد للفنان محمد غني حكمت توسطت ميادين وساحات العاصمة المهمة اولها باسم /بغداد/ يمثل فتاة جميلة تجلس على كرسي في ساحة الاندلس والاخر / انقاذ العراق/ وهو عمل نحتي يمثل الختم السومري يستند على سواعد عراقية تمثل صمود العراقيين في مواجهة التحديات وبارتفاع عشرة امتار وضع في الساحة المقابلة لمعرض بغداد الدولي والثالث /اشعار بغداد/ يمثل بيتاً شعرياً تغنى به الشاعر الخالد مصطفى جمال الدين عن بغداد وضع قرب مقهى البيروتي في جانب الكرخ .
// وكل هذه الاستعدادات والتماثيل وضعت للتواصل مع البدايات لوضع للخليفة العباسي اللبنات الاولى لبناء عاصمته التي سحرت الدنيا والهبت حماس واحاسيس الشعراء والعشاق  والمبدعين الذين تغزلوا بها عبر الف ومئتين وخمسين عاماً ولتحكي للاجيال الحاضرة قصة السفر الثقافي والابداعي المجيد لبغداد قلب الحضارة النابض فيها حينما ابتدأ ابو جعفر المنصور البحث عن مكان يتخذه عاصمته لخلافته تتميز بخصوبة تربتها واستواء ارضها وتعدد انهارها وترعها بارسال وفود من قادته وخواصته الى اماكن متعددة من العراق لتفخص المواقع الجغرافية وقام بنفسه بجولات ميدانية بحثاً عن ضالته ولم يخرج بحثه وتفكيره عن المناطق التي تتوسط بلاد مابين النهرين التي كانت موقعاً اتخذت منها دول حضارات العراق القديم مقراً لحكمها.
// وقد وقع اختيار المنصور بعد ان اطلع على اماكن متعددة على موقع أرض تقع على نهر دجلة الخالد من الناحية الغربية وهي ارض سهلة زراعية يمكن الوصول اليها براً وبحراً بسهولة متناهية تتميز بمناخ جيد وحاصنة عسكرية راقية … وقرر ان يشيد عاصمته الجديدة على تلك الارض التي تفحصها بشكل ميداني ولمرات متعددة .
// وتؤكد المصادر التاريخية ان الخليفة العباسي قد وضع التخطيط الاساس لعاصمته التي تمتد الى مساحات فسيحة يمكن استغلالها لبناء الاحياء ومناطق السكن المتعددة تتوافر فيها المواصلات التي تربطها ببقية مدن العراق الاخرى ومدن الحضارات الاخرى المتاخمه بالرغم من ان بعض تلك المصادر تذهب الى القول ان المهندس الحجاج بن ارطاة هو الذي قام بتصميم المدينة الجديدة مستنداً الى تشابه بين تصميمها وتصميم مدن اخرى وضعها ذلك المهندس البارع الذي يمثل قمة ماوصل اليه فن تخطيط المدن في العالم العربي والاسلامي.
// ولم يكتف المنصور بوضعه لذلك التصمميم بل اراد ان يرى شكل المدينة الجديدة على الارض قبل ان يبدأ ببنائها فأمر ان يعلم تخطيطها على الارض  وتملأ اسسها بمواد قابلة للاشتعال كبذور القطن والكتان والمواد الزيتية ثم اشعل فيها النيران ليلاً ووقف متأملاً مع حاشيته ووزرائه ليراها على حقيقتها كما ارادها لتكون موئلاً للدنيا بكل تفاصيلها .
// وتحدد المصادر الموثقة ان العمل في بناء المدينة قد ابتدأ عام 145هجرية واستخدم  عددا كبيرا من المهندسين وجلب عدداً كبيراً من البنائين والصناع يقال ان عددهم قد تجاوز المئة الف عامل وضعت لهم كامل اجورهم لانجاز تشييد المدينة بوقت قياسي قدر بعامين في حين ان البعض يقول بانه امتد لخمس سنوات .
// واتخذت المدينة شكلاً مدوراً احاط بها خندق وسورات بينها فسحة واسعة كان سورها الداخلي اعرض سمكاً واعلى ارتفاعاً واحكم بناءً تسيطر عليه ابراج وشرفات وجعل لها اربعةابواب ضخمة سمي كل باب باسم الاقليم الذي يواجهه وهي ابواب الشام والكوفة والبصرة وخراسان وفوق كل باب قبة وحصن يفضي مدخله لباب حديدي ضخم يمكن اقفاله والسيطرة عليه.
// وتروي مراجع تخطيط وبناء المدن ان الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور الذي اطلق على عاصمته الجديدة مدينة السلام بالرغم من ان سكانها اطلقوا عليها وعلى مااستملته من ابنية اسم مدينة بغداد وهو الاسم الذي كان يطلق على هذه المنطقة منذ ايام البابليين قد شيد قصراً كبيراً في قلب المدينة اتخذه مقراً لعمله مربع الشكل طول كل ذراع فيه /250/ متراً وبنى في كل طرف ايواناً فخماً تعلوه قبة عالية عالية الارتفاع بحدود/40/ متراً عن مستوى  سطح الارض تقوم فوق ايوان على رأسها تمثال لفارس يمسك برمحه يدور مع الريح ليؤشر اتجاهها غلف ستفها بالخشب المزخرف بالذهب اضافة الى انشاء جامع كبير ملاصق للقصر اتخذه للصلاة الجامعة ومكاناً لالقاء المحاضرات والمواعظ الدينية.
// ولجأ الى اسكان جيشه وقادته حول المدينة وخارجها التي لم تستوعب بسبب صغر حجمها الاولي هذه الاعداد من الجند والسكان .. وتطلب الأمر انشاء قصور خارج المدينة اسكن فيها الخليفة اولاده واقاربه منها قصر الخلد في الطرف الشرقي من المدينة واسكن كبار رجالات العرب في المناطق والاطراف الغربية وجعل من جنوبي المدينة مكاناً لسكن حاشيته والمقربين اليه ..
// الا ان ازدياد حاشيته وحرسه التي لم تعد المدينة تستوعبهم جعله يأمر عام 151 هجرية في بناء الرصافة على الجانب الشرقي من دجلة وربطها بجسر شيد على النهر يسر لها التواصل والمواصلات مع الجانب الغربي التي بدأ جانبها بالتوسع الكبير في السنوات اللاحقة .
// وقد شعر المنصور بعد سنوات من بناء مدينته التي ازدهرت وتقاطر عليها الناس وتطورت الحياة الاقتصادية والتجارية فيها واستيعاب المهاجرين اليها من المدن المتاخمة والذي احس بالشك من ولائهم وعدم انضباطهم للطابع العسكري والاداري الذي غلب على المدينة بالحاجة الى توسيعها فأمر عام 157 هجرية بنقل الاسواق واهلها الى جانب الكرخ التي سرعام ما نمت وتصاعد عدد سكانها واسواقها حتى اصبحت من اغنى اسواق بغداد .
// والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الان وبغداد تستعد للاحتفال ببدء فعالياتها الثقافية باعتبارها عاصمة للثقافة العربية عام 2013 والتي تستدعي تضافر الجهود للاجابة عليه اين كانت مدينة السلام التي اندثرت واختفت معالمها التاريخية ولم يبق من اثارها الا اطلال صغيرة ظاهرة باستيحاء كي نقول للاجيال شأننا شأن مدن الدنيا التي لم ترق في العطاء واغناء البشرية الى مصاف عاصمتنا الحبيبة التي سحرت الدنيا في كل شيء …
// كل الذي نستطيع الوقوف عليه في رؤية لعدد من الباحثين ان مدينة بغداد دار السلام هي البقعة المحصورة بين المحطة العالمية جنوباً والكاظمية شمالاً ونهر دجلة شرقاً ومجرى نهر الداودي /نهر الخير/ غرباً .. وعثور البعثة الفنية لقسم الاثار في كلية الاداب بجامعة بغداد بداية السبعينات اثناء تحريها في منطقة العطيفية في محاولة لايجاد مدلولات من مدينة السلام على بقايا جدران ضخمة مشيدة باللبن ومغطاة بزخارف جصية مع عدد من اللقى تشير الى عصر انشاء المدينة وبدايته الاولى … واشار البعض من الباحثين الاخرين الى ان الاثار البنائية الكثيرة التي تظهر صيفاً وقف انحسار مياه على شاطيء نهر دجلة الغربي في محطة العطيفية الثانية تؤشر بوضوح هوية وحدود المدينة المدورة .
ومن هنا اقول وادعو كل المخلصين والمهتمين في وزارات الدولة والاثار والسياحة والجامعات واساتذة الثقافة والفكر الاضطلاع بمسؤولياتهم التاريخية بتشكيل فرق علمية وبحثية للعثور على اسوار واطلال بغداد وحمايتها من العبث اذ ليس من الحكمة لهذه العاصمة الحبيبة التي سحرت الدنيا في كل شيء ان لا ترى معالمها وشواخصها من بين الانقاض والركام لتتحدث عن عصر النهضة الممتد حتى الوقت الحاضر بشكل يليق ويلتقي مع كل الجهود المخلصة التي يضعها صناع القرار في وزارة الثقافة بدءاً من الوزير الدكتور سعدون الدليمي والقائمين والمشرفين على فعاليات وبرامج بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013 ويترجمها المبدعون وعاشاق العمل الواعد في مؤسساتها المختلفة التي تفاصيل عمل شاق ومضني بفعاليات ثقافية في مطبوعات وقصص ونشريات الاطفال والفيلم السينمائي والروائي والموسيقى والرسم بكل اشكاله والكتاب المطبوع وكل الجوانب الاخرى .
// ولابد لي ان اترحم على كل اديب وشاعر وقاص وروائي وصحفي واعلامي غيبه الموت ان يرى بغداد وهي التي تستعد لاحتضان اخوتها وابناء عمومتها … والاخرين الذين امدهم الله بالصحة والعافية الذين استلهموا من روح بغداد يراعاً ومهمزاً للابداع … ورحمة الله لشاعر العراق الكبير الدكتور مصطفى جمال الدين الذي استوحى من عصر بغداد وعزتها منطلقاً في رائيته الرائعة .
بغداد مااشتبكت عليك الاعصر الا ذوت ووريق عمرك اخضر
مرت بك الدنيا وصبحك مشمس ودجت عليك ووجه ليلك مقمر
من عصرك الذهبي ماطال المدى الا وناصع وجهه المتصدر
وستفخر الاجيال بعدك  انها كانت على بقايا بساطك تسمر