23 ديسمبر، 2024 5:07 ص

بغداد ستبقى مدنية بتاريخها وعمقها الحضاري والثقافي ومنبع لروافد الموسيقى والغناء والفنون الجميلة

بغداد ستبقى مدنية بتاريخها وعمقها الحضاري والثقافي ومنبع لروافد الموسيقى والغناء والفنون الجميلة

الموسيقى والغناء لهما دور كبير في تنمية القدرات العقلية والإبداعات والفكرية والتعبيرية عند الإنسان ويوسع أفاق الروح والعقل لأنه يعرف الأخر عن تجارب الشعوب والحضارات الإنسانية ويخلد تاريخها.

 

الموسيقى في الحضارة الاشورية

 

فالموسيقى عرفت منذ فجر التاريخ وكان لها دورا في بناء الحضارات ومنها حضارة (بلاد ما بين النهرين السومرية والاكدية والاشورية)، وقد حظيت الموسيقى في المعابد والبلاطات الملوك في الحضارة (الاشورية ) بمكانة رفيعة؛ وقد ابتكر (الاشوريين) منذ فجر حضارتهم الآلات الوترية.. والإيقاعية.. والهوائية (النفخية)؛ واستخدموا عدة أنواع من الآلات الموسيقية منها ما تكون مصنوعة من معدن (النحاس) وقد وجدت في مدينة أور (القرن25ق.م)، ومنا أيضا ما تكون مصنوعة من (الخشب) أو (العاج)، ومنها) المصلصلة) ذات الحلقات المعدنية المربوطة بسلك يضرب بعضها ببعض عند هزها وقد يعلق عليها أجراس أيضا؛ أما) الصنوج) فهي صحون معدنية ذات أحجام مختلفة مفردة تضرب بعصا خشبية أو مزدوجة يضرب بعضها البعض وقد وجد هذا نوع مقلدا في بلاد (الصين) ليتبين حجم تأثير الموسيقى (الأشورية) على الموسيقى في (الحضارة الصينية)، وكذلك أبدع (الاشوريين) صناعة (الآلات الإيقاعية – الرقية) كـ(الدف) الذي في العادة يكون مصنوع من الخشب أو المعدن أو من الجلد، وأما) الآلات الهوائية) فقد كانت معظمها تصنع من الخشب وبعضها كانت تصنع من العظام أو المعادن المعروفة آنذاك .

وقد استخدم (الاشوريون) الكثير من (الآلات الوترية) وهي ذات شأن مميز في الموسيقى؛ ومن أهم هذه الآلات هي تلك التي تنتمي إلى صنف (القيثارة) بأنواعها المختلفة، واشتهرت آلة (القيثارة) في بلادهم كثيرا وكانوا يعزفون عليها أثناء مراسم استقبال الملوك؛ وأيضا كانت تعزف في دواوينهم ومعابدهم وأمسياتهم الليلية آنذاك؛ وقد اكتشفت (القيثارة) في أثارهم وكتب عنها وعن قوانين وطرق العزف عليها في الرقم الحجرية التي اكتشفت في مكتبة (أشور بنيبال) العظيمة؛ حيث تبين مدى معرفة (الاشوريين) تقسيم (السلم الموسيقي) إلى أجزاء صغيرة أقل من الصوت الواحد؛ وان جل الأبحاث حول (الموسيقى) أخذت من المكتشفات الأثرية ومن نقوش واللوحات الحجرية والطينية؛ والكثير من هذه الآلات الموسيقية محفوظة في مختلف متاحف العالم وأشهرها آلة (القيثارة)، ليتبين حجم ومكانة (القيثارة) المرموقة في المجتمع (الاشوري) آنذاك؛ وقد وجدناه مجسدة في أثار لا حصر لها في بلاد ما بين النهرين (العراق الحالي) .

وقد كانت (الموسيقى) منذ بدايات ابتكارها وعزفها عند (الاشوريين) مخصصة تحديدا في خدمة طقوس التي كانت تقام في المعابد أو عند ترقية الكهنة أو الملوك أو عند الاحتفاء بالقادة المحاربين أثناء تكريمهم عن بطولاتهم؛ ومن هذه الطقوس الموسيقية عند (الاشوريين) أخذت عنها كل شعوب شرق أسيا وغربها وتحديدا (اليونان) و(روما)؛ كما كانت بمثابة جسر التواصل بين الشعوب القديمة؛ وكان يرافق عزف (الموسيقى) في اغلب الأحيان الغناء والرقص، وكذلك كانت لأدوات الوترية والهوائية مكانة في (الحضارة الاشورية) ومنها آلة (الناي) حيث كان (الناي) أحب آلات النفخ عندهم؛ واستعملوا منها أنواع مختلفة كـ(المزمار ذو البوق) و (ذو البوقين) المتلاصقين تلاصقا يمكن النافخ فيه من وضعهما معا في فمه؛ واستعماله بسهولة وتتكون تلك الآلة دائما من مزمارين يتلاقيان عند الفم، ويفترقان كلما ابتعدا عنه، كما كانت تلك (المزامير الاشورية) تتركب من عدة قطع يوصل بعضها ببعض ويمكن فصلها عن بعض وفق الاستعمال ورغبة العازف .

 

الموسيقى في الحضارة الفرعونية

 

وكانت لـ(الموسيقى) أيضا مكانة في (الحضارة الفرعونية) وقد جسدت في الكثير من منحوتاتهم؛ وهذا إن دل على شيء دل على مدى اهتمام الملوك في العصر (الأشوري) و(الفرعوني) بالموسيقى؛ لأنها لعبت دورا كبيرا في تهذيب وبناء كيان الإنسان وأحاسيسه ويجعلها أكثر رفعة.. ورقيا.. وإحساسا بمشاعر الآخرين؛ ومن خلال جداريات واللوحات (الفرعونية) المكتشفة والموجودة في معبد (الأقصر) في عصر (توت عنخ آمون – الأسرة 18 في الدولة الحديثة) سنجد لوحة لـ(أم) ترضع طفلها وعلى مقربة منها مغني وعازف لآلة (هارب) وآلة (هارب) تشبه القيثارة بأوتارها الطويلة، فقد كانوا يعتبرون أن الموسيقى وسيلة لإدرار الحليب؛ فهي توفر الهدوء للطفل وللأم أيضا، وفي العديد من اللوحات لـ(جداريات فرعونية) تبرز الآلات الموسيقية وهي منقوشة على جدران المقابر والمعابد مع العازفين وهم يمسكون آلاتهم الموسيقية؛ مما توضح لنا كيفية إمساك العازف للآلة التي يعزف عليها، وقد عرفت (الحضارة المصرية القديمة) كل فصائل الآلات الموسيقية التي نعرفها اليوم سواء كانت آلات (وترية) أو (هوائية) أو (إيقاعية) باستثناء (الآلات الوترية ذات القوس) أي التي تصدر الصوت بمرور القوس على الأوتار، فلم تعرفها الحضارة المصرية القديمة .

وكل هذه الأدلة التاريخية تثبت أن (الغناء) و(الموسيقي) و(الرقص) تعد جزءا أساسيا من الثقافة (العراقية) و(المصرية)، فكانت وظيفة حياتية وقيمة دينية خاصة؛ وأن خصائص الفنون هي انعكاس لطبائع الشعوب؛ فـ(الاشوريون) و(الفراعنه) القدماء هم أول من غنوا للأزهار بكل أنواعها وللحدائق.. وللغزل بالجنس الأخر.. والحب.. وفي المعابد والقصور والبيوت.. وأثناء العمل إلى جانب الأغاني الدينية والدنيوية، أي بمعنى إن (الموسيقى) كانت هي مغذية للعقل والروح والفكر وتنمي حواس الإنسان وقدراته .

 

الموسيقى في العصر الجاهلي

 

واستمر (الموسيقى) متداولا في المجتمعات القديمة القاطنة في عموم الشرق الأوسط؛ بل وتناقلته الأجيال ألاحقة من جيل إلى جيل لنجد قبيل ظهور (الإسلام) وتحديدا في (العصر الجاهلية)، و(العصر الجاهلي) لا يعنى أن العرب كانت تجهل المعرفة العلمية والحضارية في ذلك العصر لان التسمية لها علاقة بانتشار العنف والعصبيات وعبادة الأوثان فحسب؛ لأننا إذ تحرينا في هذه الفترة التي تقدر بثلاثمائة سنة عن المعرفة العلمية سنجد حجم وسعة المعرفة لدرجة التي كان لها منتديات وسواق علمية وأدبية كـ(سوق عكاظ)، وهذه التجمعات كان لها الأثر ألأعظم في نهضة العرب العلمية والفكرية؛ وكانت مدن (الجزيرة العربية) ومنها (اليمن) و(السبأ) و(حضرموت) مراكز مهمة للعلوم.. والآداب.. والفنون الموسيقية، ويذكر بان (ملوك سبأ) كانوا يعطفون على المغنيين والموسيقيين ويشجعونهم ويمنحونهم الهدايا الثمينة والأموال؛ وقد ازدهرت في عهدهم هذه الفنون لحجم الرعاية لهم؛ لان نظرة البداوة هي التي كانت سادت والتي تعتمد على ملذات الحب.. والخمر.. والغناء.. والشعر؛ ولأهمية (الشعر) في حياتهم البدوية؛ فقد ربط إيقاعاته بالموسيقى مترجما تلك الكلمات بـ(لغة الموسيقى)، وقد عرف في هذا العصر على الآلات الموسيقية النفخية والوترية ومنها آلة (العود) وكان له عدة أنواع ومنها (المزهر) وهو على شكل تجويف جلد و(البربط) و(الجنك) و(المعزفة) وهما يشبهان آلة (القانون)؛ و(المربع) وهو آلة تشبه (القيثار)، إما الآلات (النفخية) ومنها (المزمار) و(القصابة) وهى آلة (الناي) و(الديانى) وهي آلة (الناي) المزدج، إما (الآلات الإيقاعية) فكانت تشمل (الطبل) و(الدف) و(الجلاجل) و(الكاسات) وآلة (الصنوج) وهي آلة سميت بـ (صناجة العرب) ووفق نوع (الشعر) الذي ينشد وبما يصور من مشاعر وما يختلج من عواطف وأحاسيس .

 

الموسيقى في العصر الخلفاء الراشدين

 

عندما تولى ( أبو بكر الصديق) الخلافة حفاظ على العادات الإسلامية العربية التي سادت في عهد الرسول؛ بل انه حرم الغناء في أيامه، وحينما جاء (عمر بن الخطاب) فانه اظهر التشدد في أمر السماع الموسيقى بصورة واضحة، وعندما تولى (عثمان بن عفان) الخلافة؛ وهو الخليفة الذي أنهى الحروب التي شنها (عمر بن الخطاب) على أعداء المسلمين في بلاد (الفرس) و(اليونان) وجاء المسلمون بالأسرى ومعهم العديد ممن كان مولعا بالفنون والآداب والموسيقى؛ مما آثر على الآداب والفنون والحياة العربية العامة؛ فدخلت هذه الفنون بيوت الأمراء والأشراف، وعندما جاء (على بن أبى طالب) أخر (الخلفاء الراشدين) أبدى رعايته المطلقة للآداب والفنون؛ لدرجة الذي سمح بتدريس الغناء مع العلوم والآداب؛ كما ظهر في عهده نوع من الغناء يعرف باسم (الغناء المتقن)؛ وفى عهدة كان محترفي الموسيقى من الطبقة الرقيق والخدم الذين أطلق عليهم اسم (الموالى)، وبصورة عامه فان الفنون في عهد (عثمان بن عفان) و(على بن أبى طالب) تغيرت نظرة المجتمع على الفنون؛ لان الحياة الاجتماعية في عهدهما تغيرت بشكل واضح لذلك فان نظرت المجتمع للموسيقى والغناء أيضا تغيرت وأصبح ينظر إليهما باعتبارهما جزء من حياة الرفاهية .

 

الموسيقى في العصر الأموي

 

وعندما انتقلت الخلافة إلى (الأمويين) فان (الأمويون) قاموا بإنشاء قصور ضخمة في (دمشق) عاصمة الخلافة؛ وكان لتوسع ولامتداد الإمبراطورية العربية في عموم منطقة الشرق الأوسط اثر كبير باختلاط العرب بالمجتمعات التي تم دخولها؛ فاقتبسوا منهم وادخلوا إلى المجتمع العربي الكثير من العادات.. والتقاليد.. والعلوم.. والآداب.. والفنون.. من هذه الشعوب؛ فتأثروا واثروا؛ وبقيت هذه الآثار ظاهرة على كل مفاصل الحياة في المجتمعات العربية ومنها الموسيقى والغناء العربي، وحين كان (الخلفاء) يدخلون هذه القصور يدخلونها برفق الغناء والموسيقى؛ فأقاموا أمسيات وحفلات باذخة؛ وقد رافق ذلك الرقص والغناء؛ ليتحول عمل الرقيق من مجرد عمل للموالي إلى عمل ذوي المراكز الاجتماعية العالية؛ لذلك فأنهم دخلوا قصور الخلافة من أبوابها الواسعة وأجزل لهم الهدايا والكنوز والعطايا، لذلك فان الموسيقى والغناء في فترة (الخلافة الأموية 661 – 750 م)؛ أخذت بالازدهار ولم يعد (الموسيقى) و(الغناء) يقلد على ما كان في (عصر الجاهلة) بل تم استحداثه بما يتلاءم والتقدم المادي والمعنوي والاجتماعي الذي حصل في عهد (الأمويين)؛ لذلك تطور الغناء في (العصر الأموي) بعد أن وضع الموسيقار (يونس الكاتب) أول المؤلفات في الموسيقى وفي سيرة أهل الفن؛ وقد ألف كتب مهمة مثل كتابي (النغم) و(القيان) وتعتبر مؤلفاته نواة لما تم تأليفه فيما بعد ومن أهم المراجع الموسيقية .

 

الموسيقى في العصر العباسي

 

وعندما تحول موطن الغناء والموسيقى من (الحجاز) إلى (العراق) وأصبحت (بغداد) عاصمة (الخلافة العباسية)، اخذ الفن إبعاد متطورة ليس فحسب في الفن الغنائي العربي بل اعتبر أساس التطور الفني للمنطقة برمتها .

وفي عصر (الخلافة العباسية 750 – 1258م) أولى الخلفاء أهمية ومكانة مرموقة لفن (الغناء) و(الموسيقى)؛ وقد ذكر ذلك في كتاب (الأغاني) لـ(أبي الفرج الأصفهاني)، وجاء ذكرها أيضا في كتب (الفارابي المتوفي سنة 950 م)؛ كما ذكر في كتب عدة تم تأليفها في هذه الفترة الذهبية؛ حيث في هذا العصر تميز بدخول الجواري والإماء في دواوين الموسيقى.. والغناء.. والرقص؛ واخذ ينتشر في أرجاء المدينة المدورة (بغداد)، وابرز من اشتهر في زمن الخليفة (هارون الرشيد) هو (إبراهيم الموصلي 741 – 804 م) حيث طلب منه الخليفة تلحين لحن من شعر(ذي الرمة) بعد إن اقر انه لا يجيز لأحد من المغنين أن يغني (شعر ذي الرمة) لأنه أصبح وقفا على (إبراهيم الموصلي) الذي كان متأثرا بالحان القديمة التي كان يؤلفها الموسيقار(يونس الكاتب) وغيره من أعلام الموسيقى في (العصر العباسي)؛ لذلك كان في صراع دائم مع طرق الغناء الحديثة التي كان يبشر بها (إبراهيم بن المهدي) و(إبراهيم الموصلي) وبذلك أصبح لـ(الموصلي) ثمانون جارية لتعليمهن الغناء وهي أول فرقة موسيقية نسويه منظمة في تاريخ الموسيقى العربية والتي تعتبر أول مدرسة غناء في عموم المنطقة؛ ويذكر بان ألحانه تجاوزت عن تسعمائة لحن، وقد جاء ابنه (إسحاق بن إبراهيم الموصلي التميمي – 767 م ) ليكمل مشوار والده في تلحين والغناء؛ فقد سافر مع أبيه إلى (بغداد) وتلقى تعليمه على يد أساتذة أكفاء منهم (هيثم بن بشير الكسائي) تتلمذ على يد أحد تلامذة والده وهو (منصور زلزل) فتعلّم منه الضرب على آلة (العود) وتعلّم الغناء من (عاتكة بنت شذا) وتعلم التاريخ والأدب من (الأصمعي)، وقد كان (إسحاق الموصلي) يسير على نهج والده؛ فهو من مؤيدي المدرسة القديمة في الغناء وكان في صراع دائم مع طرق الغناء الحديثة، فاشتهر بالغناء والموسيقى حتى أصبح من أشهر وأمهر المغنين والموسيقيين في (العصر العباسي) وبلغ أعظم منزلة عند ستة من (الخلفاء الراشدين) حيث تفرد بالغناء وصناعته، وكان عالما باللغة.. والموسيقى.. والتاريخ.. وعلوم الدين.. وعلم الكلام.. وراويا للشعر.. وحافظا للأخبار؛ وقد قام بتلحين أبيات شعر لا يجرؤ أحد من معاصريه على تلحينها مرة أخرى؛ مع أن هذا كان مألوفا في ذلك العصر؛ وقد كان (إسحاق الموصلي) على معرفة بأصول الموسيقى وأسرارها ودقائقها؛ ويستطيع أن يختار ألوان الألحان والإيقاعات التي يصوغها لتتناسب مع الشعر وصوت المغني؛ وقد قيل أنه أول من ضبط الأوزان التي تبنى عليها المقامات الموسيقى العربية؛ وميز بينها تمييزا لم يقدر عليها أحد من قبله .

وفي هذا العصر كان (طويس.. ت 92هـ) أول من غنى في مدينة (طويس) في عهد الخليفة (هارون الراشد) و( عثمان بن عفان) كما جاء في كتاب (الأغاني – لأبي الفرج الأصفهاني) ويذكر عن (طويس) بأنه كان طويل القامة ظريفا عالما بأمر المدينة وأنساب أهلها، وكان أحول يكنى (أبا المنعم مولى بني مخزوم)؛ وكان لا يضرب بالة (العود) إنما كان ينقر بـ(الدف)، أما الآلات الوترية فان (الفارابي) يذكر عن وجود (الطنبور) ألميزاني المشهور في عصره وكان ذا دستتين وهو يوافق دساتين الجاهلية؛ ويبدو أن آلة (العود) كان شائعا جدا في هذا العصر؛ وكان يعرف بأسماء مختلفة مثل (المزهر) و(الكران) و(البربط) و(الموتر).

 

تأثير الموسيقى العربية على الحضارة الأوربية

 

التأثير بالموسيقى؛ بقى حاضرا منذ قدم الحضارات والى يومنا هذا بين الشعوب والمجتمعات وعلى مر العصور؛ ولهذا نجد بان اغلب (الفلاسفة المسلمين والعرب) اعتبروا (الموسيقى) جزءا من النظام الكون والعلاج الروحي وفي تنمية ملكة الخلق والابتكار؛ وعلى نحوهم أكدوا على ذلك فلاسفة (الحضارة الأوربية)؛ في كل عصورهم التاريخية، فمنذ (العصور الوسطى) بقى تأثير الموسيقى العربية على (اليوناني) واضح بكل معالمه الشرقية؛ ومن ثم انتقل التأثير (اليوناني) في الموسيقى لدى كل (الأمم الأوربية)؛ بل إننا نجد (الكنيسة الغربية) جعلت من الموسيقى ضمن الحكمة الرباعية إلى جانب الحساب.. والهندسة.. والفلك؛ وكما كان في عصر (الخلافة العباسية)، ولكن ما يجب ذكره هنا بان (الموسيقى) في بلدان (الشرق الأوسط) لم يستطع التطور والرقي إلى مراكز فنية عالية بسبب دخول المنطقة في صراعات نتيجة كثرة الغزوات عليها من قبل الأقوام الأخرى؛ وهذا ما أدى إلى تراجع (الموسيقى) ولم يعطى لها أهمية كما كان في عصر (الخلافة العباسية)؛ واستمر هذا التراجع قائما إلى يومنا هذا بكون الموسيقى لم تدخل في مناهج (التربية) و(التعليم) في عموم منطقتنا إلا في مدارس قليلة وفي ثلاثة أو أربعة من الدول العربية فحسب؛ وهذا التراجع قابلة في بلدان الأوربية تقدم وتطورا مذهلا؛ لان في (عصر النهضة) حظيت (الموسيقى) باهتمام بالغ؛ بل واتسع الاهتمام بها في (القرن الثامن عشر) وفي (القرن التاسع عشر) ليصل إلى ذروته عبر تأليف (سيمفونيات) رائعة ما زال التاريخ يخلدها لحجم تأثيرها في النفوس ولروعتها، واستمر هذا التفاعل قائم بين الموسيقى والمجتمع على مر العصور القديمة.. والوسطي.. والحديثة؛ لذلك صب اهتمام المؤسسات (التربية) و(التعليم) على الجانب (الموسيقى في التربية والتعليم) وعلى جميع مراحل التعليم؛ مما أدى ذلك إلى ظهور فنانين مبدعين استطاعوا توزيع وتنسيق الأصوات الموسيقية بشكل منظم؛ واعتبروه نوع من أنواع (اللغة) التي تخاطب جميع شعوب العالم؛ بكون (لغة الموسيقى) يمكنها إن تعبر عن كل ما بداخل النفس من مشاعر.

ولدور الذي تلعبه (الموسيقى) في حياة الشعوب فان (الموسيقى) دخلت (عالم السياسة) حين أخذت مد الثورات الشعبية تجتاح كل مدن العالم، لذلك أصبحت (الموسيقى) و(الغناء الثوري) حاضر في سياقات الوجود الاجتماعي وفي لحظة الاحتقان الثوري عند الجماهير الثائرة ضد نظم الاستبدادية وخاصة في (أوربا) و(أوربا الشرقية) وصولا إلى (أسيا) ودول (الشرق الأوسط) وتحديدا في مصر اثر (العدوان الثلاثي) عليها وأثناء (حرب فلسطين) عام 1967؛ حيث ظهرت مجموعة هائلة من أناشيد ثورية وموسيقى حماسية تمجد حركة تحرير للأراضي الفلسطينية التي اغتصبت من قبل الكيان الصهيوني؛ ليمت تأثيرها على معظم الدول العربية ومنها (مصر) و(فلسطين) و(سوريا) و(العراق) و(لبنان) و(الأردن) وبقية دول العربية؛ لتواكب الأغنية الثورية والموسيقى الحماسية بل نجد الأغنية الثورية والموسيقى يأخذ بعدة الثوري في (العراق) إثناء حرب الخليج الأولى عام 1980 والتي استمرت لثمانية سنوات؛ ليتم تأليف مجموعة لا حصر لها من أناشيد وموسيقى ثورية وحماسية استطاعت إن تؤرخ المرحلة بشكل دقيق، ولدور الذي تلعبه (الموسيقى) في حياة الشعوب وعلى كل مستويات الحياة؛ أخذت (الموسيقى) مكانة عالية عند كل شعوب العالم ومنها البلدان العربية، ليتم وضع (نشيد وطني) لكل دولة؛ و(النشيد الوطني) هي عبارة عن مقطوعة موسيقية تعزف وتنشد لمجد البلاد وفخرها وبتاريخ البلاد وتراثها على مر السنين؛ والنشيد من الأمور الذي تبعث في النفس الإنسان حب الوطن وتقديره والإنشاد له؛ وعادة يحرص على إنشاد (النشيد الوطني) لكل دولة من دول العالم بشكل دائم في الاحتفالات والمناسبات الرسمية للدولة وعند استقبال البعثات الدبلوماسية والرئاسية .

 

الموسيقى وعالم السياسة

 

وفي ظل انطلاق الثورات التحررية والاستقلالية في كل دول العالم ومنها دول الشرق الأوسط؛ ومن ثم انطلاق الانتفاضات الجماهيرية ضد النظم الشمولية؛ استطاعت (الموسيقى) و(الغناء) خلق رجة داخل المجال الثقافي وفي الأوساط الثوار ورجال المقاومة؛ لان (الموسيقى) و(الغناء) وجد في (الفن) مجالا رحبا للتحرر من الهيمنة السلطوية للنظم الاستبدادية، وهذا ما وجدناه في بلدان (الشرق الأوسط) وفي (العراق) تحديدا مع انطلاقة (الانتفاضة التشرينية) التي قادها (شباب العراق)، لتصبح الأغنية الثورية موازية مع ثورة الجماهير بلا هوادة وتواكب تطلعات الأحرار جنبا إلى جنب مع النضال السياسي ضد الاستبداد.. والقمع.. والاضطهاد؛ لترافق (الموسيقى) و(الغناء) حماس الثوار وتواكب تطلعاتهم الثورية والتي جاءت في إطار مشروع إنساني جمالي متحرر؛ لتكون (الموسيقى) و(الغناء) شأنها شأن كل حقول الثقافة تواكب التطلعات الثورية وتنشط داخل الصراع الاجتماعي وحركاته وتغيراته؛ لنجد داخل الفضاءات الجماهيرية مجالا بعيدا عن السلطة وأدواتها القمعية للتنظيم والتعبير فنيا عن هموم الشباب الثائر في ساحات الوطن، لتصبح (بغداد) في ظل (الانتفاضة التشرينية) وما بعدها ساحة مفتوحة لممارسة كل أشكال المقاومات الثقافية ضد الفساد والسلطة التي يديرها ساسة من أحزاب دينية متطرفة جاءوا إلى السلطة ما بعد عام 2003، وظهرت عدة مجموعات فنية وعبر تأليف الموسيقى.. والغناء.. والأناشيد الثورية؛ حاولت الإفلات من رجال السلطة ليتم لهم التعبير عن هموم الشعب.

وهكذا ظهر (الموسيقى) و(الغناء) الثوري بعد إن ارتبط مفهوم بالموسيقى والأغنية الملتزمة التي ظهر في خضم النضال التحرري ضد الاستعمار وضد النظم الاستبدادية، لذلك نجد وعلى مر تاريخنا الحديث والمعاصر كيف تتابعت الأغنية والموسيقى السياسية في (العراق) وفي (العالم العربي) هموم الشارع؛ وكيف تلونت بكل قضايا المنطقة ورافقت كل ماسي القمع.. والسجن.. والهجرة.. وتجارب العدوان على مقدسات الأرض في (العراق) و(فلسطين) و(لبنان) و(مصر) و(لبنان) و(الأردن) و(سوريا) و(تونس) و(الجزائر) و(السودان) وغيره من بلدان العربية؛ لتتحدث (لغة الموسيقى والغناء) بلسان جمالي معبرة عن هموم وواقع الحال للإنسان العربي بما عجزت السياسة وانتكست مشاريع التحرر عن القيام بواجباتها؛ لذلك واصلت لغة الكلمة واللحن مسيرة النضال كصوت صادقة عن تطلعات الشعب في لاستقلال الوطني والتحرير وتتبع هموم الشعب تحت وطأة البؤس الاجتماعي السائد في عموم بلدان الشرق الأوسط، ومن هذا الواقع المرير انطلقت (الموسيقى والأغنية الملتزمة) وبفعل سياسي اللاسلطوي ليسلكوا مجالها المستقل؛ والتي تحمل في داخلها مشروعا وطنيا ثقافيا للتغيير ومغايرا باللحن وشديدة الالتصاق بحركة الجماهير والحركة السياسة التحررية .

والى جانب هذا نوع من (الموسيقى والأغنية الملتزمة) ظهرت نتيجة شدة القمع من قبل رجال السلطة الدينية من المتطرفين وتواصل سياساتهم الاستبدادية في مصادرة حق التعبير من (الشباب العراقي الحر) ومحاولة بكل أساليب قمع؛ قمع انتفاضاتهم الشعبية؛ لذلك وجد هؤلاء الشباب الثار بان الأغنية التقليدية الملتزمة التي رافقت انتفاضة (الشباب التشريني) أصبحت غير مجدية بشكل الذي خطط لها؛ في ظل تشد رجال السلطة الدينية؛ بل وأصبحت غير قادرة على التعبير عن هموم الشريحة العريضة من الشباب الذي شارك في كل مفاصل الانتفاضة، لذلك اخذ الشباب أسلوب أخر في التعبير عن همومهم في (الموسيقى والغناء) فوجدوا من (موسيقى الراب) بطبيعتها الاحتجاجية وكنوع من التمرد على كل القيم السائدة في تشدد رجال الدين وفرض قيود على حرية التعبير والحرية الشخصية في المجتمع، فاتخذوا من هذا النوع من الموسيقى الذي يرافق كلمات نقدية لاذعة كمصدر مهما لتعبير عن احتجاجاتهم ضد السلطة التي يديرها أحزاب ورجال دين متطرفين، فأخذت موسيقى (الراب) و(البوب) مكانها بين الشباب، فموسيقى (الهيب هوب) من الموسيقى الإيقاعية المنمقة التي يصاحبها موسيقى (الراب)؛ إما الكلام الإيقاعي والأغاني المصاحب لها فتم اختصار المصطلح بـ(بوب) وهو أكثر شعبيا ويمثل هذا النوع من الموسيقى نطاقا عريضا من الموسيقى المشهورة في الثقافة الموسيقية المعاصرة ويتميز بالسرعة وكثرة الكلام، وهناك موسيقى مماثله لهذين النوعين منها (الهيب هوب) و(وإيمو) و(وبانك) و(الروك)​​.

وأخذا هذا النوع من (الموسيقى) و(الغناء) يقتحم مجالات جديدة لم تكن متاحة للأغنية الملتزمة التقليدية في المجتمعات العربية، فنجحت هذه الموسيقى ما بعد الانتفاضة ليس في (العراق) فحسب بل في (مصر) و(تونس) و(لبنان) وهي يوم بعد أخر تتوسع في عموم بلدان (الشرق الأوسط) وذلك باقتحام فضاءات جديدة كالمسارح والمقاهي الثقافية وحتى الشوارع بل أخذت تحتل أرصفة الوطن مجموعات موسيقية خارج إطار المؤسسات الرسمية الثقافية تمارس الإبداع وسط ذهول وإعجاب المارة تارة أو إدانتهم تارة أخرى، فهذه الظواهر الموسيقية الحرة في شوارع مدن الشرق والتي يقوم بها شباب (متمرد) يمارس جنونه الفنية المتمردة ضد سلطات والنظم الاستبدادية وأمام جمهور لم يقرر مسبقا الحضور إنما تأتي كرد فعل وكمواجهة لإيديولوجيها السلطة الدينية المتشددة التي ترفض كل أنواع الفن من جهة؛ ومن جهة أخرى كرد فعل و كمواجهة للمؤسسة والإدارة البيروقراطية للدول الشرق الأوسط التي تحصر الفن بطبقة النخب فحسب دون الآخرين؛ ولهذا اعتبروا هؤلاء الشباب بان فن موسيقى الشارع نوع من المقاومة الشرسة للقديم وللسلطة الدينية والسياسية في إن واحد؛ ورغبة في تعميق الفهم الديمقراطي لـ(مدنية الدولة) في عموم الشرق الأوسط .

ومن هذا المنطلق جاء حشد من آلاف الجماهير (العراقية) واغلبهم كانوا من فئة الشباب حول حفلة المطرب المصري (محمد رمضان – ذو تولد 1988) في بغداد وعلى مسرح (سندباد لاند)، والمطرب المذكور كما هو معرف عنه يستخدم هذا النوع من الموسيقى والغناء المعاصر المتمرد ذات الإيقاع السريع كنوع من أنواع التمرد ليس على الأغنية العربية التقليدية بل على الواقع العربي؛ حيث تحاول بعض الأحزاب السياسية الدينية المتطرفة بعد انتشار المد الإسلامي المتطرف من قبل تنظيمات إرهابية إسلامية في عموم الشرق الأوسط بفرض قيود صارمة على الحريات الشخصية ومدنية الدول العربية؛ وذلك عبر قيود صارمة من فرض الحجاب.. ومنع خروج المرآة بدون محرم.. وتطويل لحية الرجال.. والتزام بزي خاص.. وإغلاق المسارح ودور السينما والمقاهي.. والتقيد بمواعيد الصلات.. وإغلاق الأسواق عند رفع الأذان بما يتماش مع قيم إسلامية متطرفة.. والى غيرها من قيود لا أول لها ولا أخر من المحرمات؛ ورغم إن الدول العربية استطاعت إخماد المد الأصولي المتطرف لهذه الجماعات الدينية المشيطنة التي حاولت السيطرة على بعض المدن وقصابات الدول العربية مثل ما حدث في (العراق) بعد سيطرتهم على كامل مدينة (موصل) وضواحيها؛ إلا إن هذه الجماعات ما زالت تعمل عبر خلايا نائمة وتروج لأفكارهم الظلامية، لذلك نجد بان هذا التأثير أصبح واضحا في اغلب مدن الشرق من حيث التزام وتقيد الحريات؛ فلو أخذنا أية دول عربية في خمسينيات أو ستينيات من القرن الماضي وأجرينا مقارنة بما هو حال هذه المدن في عام 2022 ومن كل نواحي الحياة الاجتماعية.. والثقافية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والفنية.. والأدبية؛ سنجد حجم تراجع هذه المدن وتخلفها لما كانت عليه قبل ستين وسبعين عام؛ وهذا إن دل على شيء دل على حجم تأثير هذه القوى الظلامية على سلوك المجتمعات التي وقعت تحت سطوتهم وما فعلت هذه الجماعات المتطرفة بالحياة المدنية والتي اتخذت من الدين الإسلامي وسيلة لفرض هيمنتم على الواقع العربي لتحمله إلى التراجع والى التخلف على كل مستويات الحياة؛ والدين براء منهم لان اغلب دول العربية في الخمسينات وستينات القرن الماضي كانت ومازالت دول إسلامية وملتزمة بقيم الإسلام ومع ذلك وجدنا فيها سعة النهضة الثقافية.. والاجتماعية.. والعمرانية.. والفنية.. والأدبية.. ونهضة شامله على كل مستويات الحياة؛ ولم نجد في يوما ما بان الدين يقف عائق ضد النهضة الثقافية.. والفنية.. والاجتماعية.. والاقتصادية.. وعلى كل مستويات الحياة قبل مجيء هذه القوى الإسلامية المشيطنة إلى منطقتنا العربية بعد عام 2003 اثر احتلال (العراق) من قبل (أمريكا)؛ التي وقفت ضد المدنية وأي أنشطة تدعم النهضة الثقافة.. والاقتصادية.. والتربة.. والتعليم.. والى أخره؛ ومن هنا سنتيقن من يقف خلف هذه الجهات لفرض هيمنتهم وإيديولوجيتهم الظلامية على المنطقة العربية؛ وهي دول امبريالية استعماري صهيونية أمريكية بامتياز؛ لان هذا المد المتطرف جاء مع مجيء الدبابات الأمريكية إلى الشرق الأوسط لتحتل (العراق)؛ والتي لا تريد امن واستقرار المنطقة ليتم نهب خيراتها وثرواتها ولتصبح تحت سطوتهم تعاني الحروب والتشذي وتقسيم المنطقة وتفكيك المفكك لكي لا تقوم على المنطقة العربية القامة، ولهذا نرى كيف تتراجع المدنية من كل مدن الشرق وكيف تحاول القوى الدينية الظلامية السيطرة على مقاليد السلطة بدعم (صهيوني– أمريكي) لفرض هيمنتهم وسطوتهم وتخلفهم على مؤسسات المدنية لدول الشرق الأوسط ومنها (العراق) وتحديدا على (بغداد)، ولكن (بغداد) بتاريخها وعمقها ألحصاري والثقافي ستبقى مدنية ومركزا للثقافة والعلوم والتربية والفنون .

 

مدنية الدولة مطلب الجماهير العراقية

 

فـ(بغـداد) عاصمة مدنية لـ( بلاد الرافدين – العراق الحالي) هكذا كانت وهكذا ستبقى؛ وستبقى في حب الجماهير العربية وفي ضمير أبنائها الطيبين؛ ستبقى عاصمة كل العراقيين وبمختلف أطيافهم ودياناتهم وقومياتهم ومذاهبهم؛ ولكل من ولد على أرض (العراق) الطيبة وحمل جنسية المواطنة كمواطن فيها؛ ولد وعاش وتعلم واكل من طيباتها وشهق من نسيمها، وستبقى (بغداد) مدنية لأنها كانت ولا زالت في كتب يؤرخ تاريخها المجيد لتكون عاصمة السلام.. والمحبة.. والتآخي؛ وستبقى مدينة عامرة بالمحبة.. والوفاء.. والإيمان.. والعطاء؛ وهي رمز من رموز الهوية العربية وقلعتها الصامدة، على الرغم من حاول طمس هويتها المشرقية العربية بوسائل القتل.. والعنف.. والتميز.. والاضطهاد.. ونشر الفتن المذهبية والدينية والقومية بين أطياف (الشعب العراقي)، ولكن كل فسيفساء الشعب بقي صامدا على أرض الوطن (العراق) وقاوم الظلم والاضطهاد؛ ورغم نزيف الدماء والضغط على أطياف واسعة من أبناء الشعب إلى الهجرة والنزوح ولأسباب دينية ومذهبية؛ ولكن بقى (الشعب العراقي) بمختلف أطيافه صامدا وهو يحتمي بثنايا تاريخه العظيم، بعد أن أرادوا ذيول دول إقليمية غير عربية والإرهابيين سلب عروبة (العراق) في غفوة ليل وفي غفلة زمن غادر؛ بعد إن تكالبت أكثر من ثلاثة وثلاثين دولة على احتلاله في عام 2003 وتدمير حضارته العرقية .

وما حملة التي يقودها اليوم زمر من ألمتطرفي من حملة أفكار دينية متطرفة والذين يحتموا خلف ستار الدين كذبا ونفاقا وهم مسيسين ايدولوجيا بالعقائد متطرفة رغبة بتمرير مشروع ديني متطرف لتسلط الطائفة على كل طوائف (العراق) وهي طائفة مرتبطة بدولة جاره بحكم عقائدي ليتم ربطها وإدارة الحكم في البلاد تحت إشرافها، لتبقى (بغداد) خاضعة لها وموالية وتحت إمرتها بقوة ميلشيات تمولهم بالمال والسلاح؛ وهذه القوى تريد تحويل (بغداد) مدينة بقالب ولون مذهبي واحد خاضعة لإحكام الإسلام السياسي المتطرف؛ لينزعوا عنها ثوب (المدنية) بقوة السلاح والعنف والاضطهاد؛ وهؤلاء نسوا وتناسوا لأنهم لم يقرئوا (تاريخ العراق) جيدا؛ بان (العراق) العظيم استطاع الوقوف صامدا على مر العصور متحديا جيوش الغازية من هولاكو.. والتتر.. والمغول.. والفرس.. والعثمانيين ، واستطاعوا (العراقيون) بقوة نضالهم وكفاحهم تحرير أراضيهم من سطوت هؤلاء وطي تلك الصفحات السوداء لتستمر رسالة (العراق) إلى الإنسانية بالتآخي والتعاون والتسامح بين (العراقيين) تحت راية (مدنية الدولة الموحدة)، ليواصلوا بناء ونهضة الدولة (العراقية) بعيدا عن الطائفية والتبعية والاحتلال.

لان ميراث (الشعب العراقي) هو ميراث (سومر) و(أكد) و(اشور) وقد عرف تاريخ (بلاد الرافدين – العراق الحالي) بالآلاف علماء الأدب.. والتاريخ.. والفقه.. واللغة.. والهندسة.. والجغرافية.. والحساب.. والجبر.. والطب.. والعمارة.. والقضاة.. والفقه.. وقادة الجيش.. والفلسفة.. والنحاتين.. والرسامين.. والفنانين.. والموسيقيين.. والمطربين.. وغيرهم من مختلف التخصصات الفكرية.. والمعرفية.. والمهنية؛ ولازالت ارث هؤلاء المبدعين من المؤلفات والمخطوطات محفوظة في أرشيف المكتبات العربية وفي ذاكرة الإنسان العربي وفي ذاكرة كل (العراقيين) الشرفاء؛ وكان فضلهم عظيما في نهضة الحضارة العربية الإسلامية و في الحضارة الإنسانية، وكان لمدينة (بغداد) دورا في رفد الميراث العلمي والمعرفي في تاريخ العرب والعروبة وفي تاريخ المشرق لتكون (بغداد) فخر (العراق والعروبة) بامتياز ورمزها الحضاري .

ولهذا ستبقى (بغداد) مدينة السلام التي بناها الخليفة العباسي الثاني (أبو جعفر المنصور) لتكون عاصمة الخلافة العباسية ؛ حيث بوشر ببنائها عام 145 هجرية 762 ميلادي، وانتهى العمل بها عام 149 هجرية 766 ميلادي، وقد اختير جانب (الكرخ) الجانب الغربي لنهر (دجلة) لاستحداث المدينة المدورة عليه، وبالتحديد في منطقة (العطيفية) الحالية؛ أنشئت مدينة (بغداد) على شكل دائرة مؤلفة من ثلاث حلقات مركزية، كل واحدة من تلك الحلقات ذات وظيفة معينة ومحاطة بسور؛ الحلقة المركزية تضم قصر الخلافة والوسطى خصصت لتكون ثكنات عسكرية أما الحلقة الثالثة فكانت مخصصة للسكن والتجارة والأعمال.

وبهذا الإطار بنيت (بغداد) وستبقى بسكانها الأصليون مدنية صامدة بشعبها الأبي الحر المحب للمدنية بوجه المليشيات المذهبية المسلحة؛ التي تحاول بشتى أساليبهم القذرة في تغيير معالم (بغداد) الفنية والحضارية، وما حدث مؤخرا في (بغداد) في حفل المطرب (محمد رمضان) وقبله في (مهرجان بابل الدولي) بمحولاتهم العبثية منع فعاليات الغناء إلا واجهة لنوايا هؤلاء الأشرار الطائفيين المتطرفين من محاولة قتل مدنية الدولة ومدنية (بغداد) بمطالبتهم وقيامهم بالتظاهرات واحتجاجاتهم لمنع الغناء على مسارح (بغداد) ومنع إقامة المهرجانات الغنائية على الأراضي (العراقية) رغبة منهم لتحويل (العراق) إلى (قندهار) الجديدة، ولكن الشعب (العراقي) البطل تصدى لهؤلاء المتطرفين ووقفوا بكل شجاعة ضد هؤلاء الجهلة الظلاميون وتجمهروا بحشود كثيرة أكثر مما كان مخطط له في ساحات (مهرجان بابل الدولي) الذي استضاف عدد من مطربين (العراق والعرب) وكذلك كان الحال في حفلة المطرب (محمد رمضان) على قاعة (سندباد) في (بغداد)، ورغم أنهم وبقوة السلاح ضغطوا بقوة التهديد ورفع السلاح بوجه إدارة المسرح (سندباد) في (بغداد) على إغلاقه بعد الحفل، ولكن جمهور الشباب سخر من تصرفات هؤلاء المتطرفين؛ واليوم يطالب الشعب (العراقي) الحكومة بالتدخل لفتح القاعة، ولهذا فان (شباب العراق) أطلق حملة واسعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحت عنوان (مدنية بغداد) والتي استقطبت ملاين تعليقات تندد وتدين تصرف هؤلاء المتطرفين من المليشيات الطائفة المتطرفة الذين يحاولون منع الغناء في منتديات (العراق)، فهؤلاء المتطرفين الذين يتسترون خلف عباءة الدين المسيس والمتطرف بالطائفية هم من يحاول ومنذ عام 2003 والى يومنا هذا وعبر كل الأساليب القذرة تغيير هوية (بغداد) المدنية؛ وإجبار سكانهم الأصلين إلى ترك المدينة عن طريق التهديد والقتل على الهوية في داخل العاصمة والأحزمة المحيطة في (أبو غريب) و(التاجي) و(ديالى)، من اجل تغيير (بغداد) ديموغرافيا وإعادة رسم طبيعتها بالقوة وعبر استقطاب طائفي من إمكان أخرى لسكن فيها؛ بعد إن اخذ المد الديني المسيس طائفيا والمتطرف بالاتساع في (بغداد) وذلك من اجل تزييف وتشويه المعالم الحضارية والبشرية في (بغداد)، وكل هذه الأوضاع الشاذة تحدث لطمس معالم (مدنية بغداد) ومدنيتها عبر مؤامرة دولية عرفت غاياتها من اجل نهب خيرات الوطن وتقسيم وتشتيت البلاد لكي لا تقوم عليه القائمة، ولكن نسوا بان الشعب سيبقى يقاوم الطائفيين والأوغاد والمحتلين بكل وسائل المتاحة من اجل الحرية والاستقلال الحقيقي وبناء دولة مدنية جامعة لكل أطياف الشعب دون تميز؛ لان إرادة الشعب عازمة لبناء (العراق) الحر ببعده المدني؛ لان الشعب يدرك قيمة وحدة الشعب في بناء حاضره ومستقبله والتمسك بعمق حضارته التي جمعت كل أطياف الشعب كأمة واحدة في عمق جذورها؛ هكذا كانت هكذا ستكون .

وان ما يحدث اليوم في (العراق) ما هو إلا سحابة صيف ستزول؛ وستزول بإرادة الشباب وثوار (العراق)؛ لأنهم تربوا وعاشوا على ثقافة تقبل الأخر مهما كان جنسه.. ولونه.. ودينه.. وعرقه.. وقومية؛ لان شعب (العراقي) حر ويحب الحرية ويناضل في سبيلها وهو من قدم خيرة شبابه شهداء للوطن دفاعا عن العرض والأرض؛ ليبقى الوطن بأهله حرا شامخا بين الأمم لا استبداد ولا قمع؛ لان هوية المواطن هي هوية (العراق) الجامع لكل أطياف الشعب بكل تنوعه الديني.. والقومي.. والمذهبي.. ولا تميز.. ولا عنصرية في ثقافة الشعب؛ ولهذا فان (مدنية العراق) هي عنوان (العراق) وعنوان كل مواطن شريف يرفع هوية الوطن (العراق) فحسب بدون تسميات طائفية .

ومن هذا المنطلق الثوري والتحدي من قبل الشعب ضد المتطرفين الذين يحاولون طمس معالم المدنية من مدن ( العراق) فان مدينة (بغداد) تقف في طليعة المدن هي وبشبابها يتحدون هؤلاء المتطرفين بكل ما أتى لهم من قوة وإرادة وتصمم في تغيير الأوضاع الشاذة التي حاول الطائفيين ترسيخها في مدن (العراق) وتحديدا في مدينة (بغداد) وعبر وسائل متحضرة؛ وما انتفاضة (التشرينية) الشبابية التي انطلقت قبل عامين من هذا التاريخ إلا صورة وتعبير واحتجاجا ضد هؤلاء المتطرفين؛ وكل ما رافق احتجاجات (التشرينية) وما قاموا بفعاليات ميدانية في ساحات الاعتصام من إقامة معارض للكتب الثقافية وفنية وفعاليات ومهرجانات لاغاني الثورية والرسم وعروض الجداريات للرسم يأتي في سياق ثوري ضد هؤلاء المتطرفين الذين يحاولون منع الغناء وتقديم عروض فنية من اللوحات ومسرحيات وأغاني واحتفالات موسيقية في مدن (العراق) وشوارعها، ولهذا فان هذه الطليعة من قوى الشبابية الثورية هي التي هيأت الأرضية الملائمة لإقامة (مهرجان بابل الدولي) وقامت بحشد جماهيرها حول قاعات عروض الغناء وتقديم العروض المسرح والأزياء؛ وهي التي هيئت لنجاح حفلة المطرب (محمد رمضان) في (بغداد) الذي جاء رغبة في تلبية دعوة الشباب (العراقي) لحضوره إلى (بغداد) وتقديم عروضه الغنائية التي تعتبر من عروض الأكثر شعبية وجماهيرية ناجعة في الوطن العربي .

 

الموسيقى المعاصرة بين قبول الجماهير ورفض المتطرفين محمد رمضان نموذجا

 

المطرب (محمد رمضان) يحضا بإعجاب ملفت عند شريحة واسعة من الشباب حيث يتراوح عدد متابعيه من الشباب (العراقي) فحسب أكثر من ثلاثة ملايين شخص الذين يتابعون أغانية على (يوتيوب) وعبر حساب المطرب على (إنستغرام)، الذي يجمع بين موسيقى (البوب) و(الراب) بالإيقاعات السريعة والمتكررة المحببة لجيل الشباب ليعيد إثبات حضوره أمام جمهوره وليستقطب فئة جديدة من الشباب في سبيل تبوء موقعا رياديا في الأغاني ذات الإيقاع السريع التي يعجب بها جيل الشباب المعاصر، وقبل قدومه إلى (بغداد) نشر المطرب تعليقات داعمة له من الشباب (العراقي) ترحيبا بقدومه إلى (العراق)؛ وقد اشتهر المطرب (محمد رمضان) إضافة إلى أغانيه ذات طابع سريع الإيقاع بأدواره التمثيلية الشعبية العنيفة؛ وبتجسيده الدائم لدور الشاب الشعبي يعيش في أحياء شعبية؛ ورغم الانتقادات التي توجه له بين حين وأخر؛ إلا أن (محمد رمضان) اختار المضي قدما بنموذجه متجاهلا المخاطر والنصائح.

لذلك فإننا نجد مقالات وبرامج عديدة انتقدت أسلوب الغناء لـ(محمد رمضان) معتبرين أن أغانيه ليست لها أية قيمة فنية لا من ناحية الكلمات ولا من ناحية الموسيقى؛ وتشكل إساءة غير مسبوقة للفن في (الشرق الأوسط) ، حتى أن بعضهم طالبوا بمقاطعة أغانيه وعدم عرضها على شاشات التلفزة، لكن لم ينتبه هؤلاء إلى أن كل هذه الانتقادات ردت له عكسيا؛ بل أنهم أسدوا له خدمة كبيرة؛ فقد جعلوه حاضرا دوما في الصحافة والإعلام وشاشات التلفزة؛ وأصبحت أدواره وأغانيه مواد مهمة للنقاش، ليصبح أسمه يتردد على كل لسان، لتصبح كل هذه الانتقادات تؤمن للمطرب (محمد رمضان) انتشارا واسعا ونجاحا متفوقا، لأنه يريد مواكبة المعاصرة؛ وهو مقتنع بما يقدمه مهما كان طريقه شائكا؛ لان المجتمعات الشرقية لم تزل تحن إلى كل ما هو ماضي والى النمط القديم من أغاني ذو الطابع الكلاسيكي والرومانسي من الأغاني والموسيقى، لذلك فان الجديد عند هذه الشرائح من المستمعين يعتبرون الأغاني المعاصرة نوع من البدعة.. والعبث.. والتزييف.. والانحطاط للأغنية.

بينما هذا الأمر يختلف كليا عند جيل الشباب المعاصر؛ لذلك نجد الشباب وفئة المراهقين يحبون الموسيقى الغربية؛ بكونها تتميز بإيقاع سريع من حيث القالب الموسيقي وحتى المواضيع؛ لأن الموسيقى الشرقية العربية ظلت تتمسك بطابعها الكلاسيكي والرومانسي التي تتميز بطابع إيقاعي هادي وحالم وبالتالي لم تواكب المعاصرة؛ وهذا ما أدى إلى ابتعادها عن قلوب المراهقين والشباب ولم تجد لها مكانة عند مسامعهم الذين يبحثون عن أنغام سريعة راقصة ليجدوا ضالتهم في أنغام الموسيقى الغربية مثل موسيقى (الراﭗ) و(الروك) و(الهارد روك) و(الپوپ)، وبالتأكيد فان (الأجيال القديمة) لا يستسيغون هذا نوع من الموسيقى بسبب ارتفاع صوتها وسرعة إيقاعها وارتفاع درجاتها الصوتية والتي تتخللها صرخات صاخبة؛ بينما يعجب بها المراهقين والشباب بكونهم يعيشون في (نظام عالم) أصبحت (العولمه) أهم معالمه؛ وهم يدركون بذلك لحجم انتشار وسائل الاتصال.. والانترنيت.. وشبكات التواصل الاجتماعي؛ بحيث يواكبون كل ما هو جديد بغضون لحظات؛ لذلك فهم يتأثرون بمحيطهم بعد إن أصبح العالم قرية صغيرة؛ لذا فان البيئة المحيطة بالمراهقين والشباب تؤثر بشكل كبير على حسهم واختيارهم للموسيقي.

ولان المطرب (محمد رمضان) يرى في تصوراته بان نقد (الأجيال القديمة) لأغانيه هو شيء طبيعي؛ لان أسماعهم لم تعاود إلى هذا النمط الحديث والمعاصر من الأغاني السريعة وعلى الإيقاع الغربي من موسيقى (الراب) و(البوب) الذي يدخل بسرعة إلى عقول وقلوب الشباب، لذلك فهو يختار هذا النوع من الموسيقى ويعنون أغنياته بشكل غريب أيضا مثل أغنيته التي عنوانها بـ(مافيا) و(فيروس) و(قمر) وهذه الأغاني حصدت كل واحدة منها على (ثمانية ملايين) مشاهدة على (اليوتيوب) في أسبوعها الأول؛ وأغنية (نمبر وان) التي شاهدها أكثر من (خمسة وتسعين) مليون شخص، وأغنية (بابا) و(الملك) شهدها أكثر من (واحد وثمانين) مليون شخص على (اليوتيوب)، وأغنية (جيشنا صعب) وهي أغنية من الطراز الوطني تعبر عن فخر بالجيش المصري وقوته وتاريخه؛ ولاقىت كل هذه الأغاني إعجاب الجماهير؛ حتى باتت أفلامه ومسلسلاته الأكثر مشاهدة وأصبح من الممثلين الأعلى أجرا في الشرق الأوسط .

ومن هذه السيرة الإبداعية لمطرب (محمد رمضان) فان استضافته إلى (العراق) لتقديم أغانيه وعروضه على ارض (العراق)؛ إنما هي رسالة حب وتقدير للفنان والى جمهوره من الشباب (العراقيين) الذين يتابعون أغانية ويسمعون إليها بلهف وشوق منقطع النظير، فقدومه إلى (العراق) حفز جمهور واسع للقدوم إلى موقع المسرح الذي يغني فيه المطرب وهو مسرح (سندباد لاند) وقد نجح الفنان نجاحا باهرا في تقديم عروضه الغنائية وسط تصفيق وترحيب جمهور الغفير من الشباب الذي كان داخل المسرح وخارجه؛ ولكن بعد انتهاء العرض وبغلاف ما كان الحفل على ارض الواقع من التفاف جمهور الشباب حول المطرب وحبهم له وتبادلهم كل مشاعر الحب والفرح والتشجيع للمطرب – للأسف – حدث تعليق غير لائق من قبل بعض رجال الساسة ورجال الدين مسيسين وموالين لميلشيات دينية مسلحة نددوا بالحفل وأساءوا إلى المطرب عبر منصاتهم ومنابر الجامع بكلام غير أخلاقي ولا يتماش مع (الأخلاق العراقية والعروبة) في تقبل الأخر واحترام الضيف.

لذلك علينا إن نحرس بان نكون واجهة مشرقة لتقبل الآخرين والتعاون معهم؛ وان لا نسمح لأحد من أبناء مجتمعنا – أين كان مركزه – ونحن نعيش في دولة ديمقراطية فتية؛ الإساءة على الآخر من أبناء مجتمعات العالم؛ وكيف الحال إذ كان هذا الآخر موجود على أراضي وطننا بدعوة رسمية؛ كقدوم بدعوة رسمية المطرب (محمد رمضان)، انه أمر مرفوض لا يتماشى مع قيمنا الشرقية التي ترحب بالضيوف وتجل لهم كل الاحترام والتقدير؛ لأننا أبناء عشائر قبل إن نكون أبناء المدنية المعاصرة في دولة (العراق)، لذلك لابد إن نحترم الدولة باحترام القادم إليها زائرا أو ضيفا جاء إلى (العراق) بدعوة رسمية؛ لأنها سمة الإنسانية في الترحيب وقبول الأخر؛ وأي إساءة تصدر من جهة شخص أو من جهة غير رسمية هي إساءة لدولة قبل إن تكون إساءة لهم؛ وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا ولا تسمح بها قوانين الدولة (العراقية)، ولكن لحالة الفوضى التي تسود بلادنا و انتشار الميلشيات المسلحة والموالية لدول إقليمية لدرجة التي أصبحت هذه الميلشيات تهدد امن الدولة لحجم السلاح التي تمتلكه والتي تقوم بين حين وأخر استعراض قوتها في شوارع العاصمة دون إن تستطيع الجهات التنفيذية التابعة للدولة منعهم؛ لان أي احتكاك مع هذه الميلشيات المسلحة سيهدد السلم المجتمع، ولذلك فان بعض النفر من رجال الدين التابعين لهذه الفصائل ولميلشيات المسلحة المتطرفة يطلقون بين حين وأخر بعض تصريحات تعارض سياسة الحكومة والحياة المدنية لدولة (العراقية) التي هي سمة دولتنا منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا وستبقى الدولة (العراقية) مدنية مهما حاول الآخر طمس هوية الدولة (العراقية) المدنية.

فإطلاق تصريحات مسيئة للآخر – مهما كان شكله ولونه وجنسه – هو أساءت لدولة (العراقية) والمجتمع؛ وهم بذلك لا يراعوا مصالح الدولة (العراقية)؛ ولكن للأسف تحدث مثل هكذا إساءات بدون إن تستطيع الحكومة ردع هؤلاء المسيئون لكون تلك الجهات مدعومة من قبل ميلشيات متطرفة ومسلحة، وهذا ما حدث للأسف مع المطرب المصري (محمد رمضان) حين تم استضافته لإحياء حفلة موسيقية وغنائية في (بغداد) وعلى قاعة (سندباء لاند)، وبعد انتهاء الحفل الذي استقطب جمهورا (عراقيا) واسعا جلهم من الشباب؛ وقد احتضنته الجماهير بشكل ملفت لحبهم للمطرب ولأغانيه؛ والمطرب تفاعل مع حب (العراقيين) له لدرجة التي طلب زيارة (دار الأيتام) ورغبته في مشاركتهم معه في الحفل، فهذه المشاعر النبيلة الذي قدمها الفنان بحق (الشعب العراقي) والشعب بادله بنفس المشاعر؛ ولكن خروج احد رجال الدين المسيسين والموالين للأحزاب السياسية المتطرفة على منبر الجامع وبادر بالإساءة بحق المطرب واصفا (محمد رمضان) بألفاظ نابية خلال الخطبة بقوله بان ((حفلة محمد رمضان حفلة مطرب مخنث داعر أسود قبيح))؛ وهذه الإساءة لم يكن له أي مبرر مهما قدم هذا الرجل الدين من ذرائع وحجج لإسقاط ولأساءه بحق المطرب، هو لم يعلم بان فعلته هذا؛ إنما جاءت إساءة إلى (المجتمع العراقي) قبل إن تكون إساءة له وللفصائل التي ينتمي إليها، ولكن (المجتمع العراقي) وشبابه المحب لاغاني (محمد رمضان) يرفض مهما كان الإساءة لأي إنسان ومهما كان جنسه.. وشكله.. ولونه، لان (المجتمع العراقي) بأربعين مليون نسمة بتنوعه الثقافي.. والديني.. والمذهبي.. والقومي؛ لا يمكن اختزاله بنفر خرجوا تلبية لرجل الدين للاحتجاج عن حفلة المطرب (محمد رمضان) التي أقيمت في قاعة (سندباد لاند) مطالبين إغلاق القاعة ومنع إقامة الحفلات الغنائية مثلما حدث في (مهرجان بابل الدولي) قبل أشهر، فـ(الشعب العراقي) بعيد كل البعد عن هذه الإساءة التي حدث بحق مطرب عربي قدم إلى (العراق) بعد استضافته؛ فمن غير وجه الحق إن نستضيف شخص لنهينه في بلدنا وهو يقدم حفلا موسيقيا لترفية الشعب وتخفيف من عبئ الحياة عليهم .

وان نفر الذين تظاهروا احتجاجا على حفل الفنان (محمد رمضان) الذي أقيم في (بغداد) العاصمة (العراقية) إمام مسرح مدينة (سندباد لاند) التي أقيم فيها الحفل، وطالبوا بمنع حفلات المهرجانات باعتبار هذا النوع من الحفلات منافية للأخلاق الإسلامية؛ وهؤلاء المتظاهرين الموالين للميلشيات دينية مسيسة وموالية لإطراف إقليمية لا يمثلون إلا أنفسهم والجهات التي حثتهم على التظاهرات والاحتجاج، والمضحك المبكي؛ بان الكثير من هؤلاء المتظاهرين لم يعرفوا لماذا خرجوا إلى هذه التظاهرة؛ لكونهم أجراء تم دفع لهم مقدما دون إن يعرفوا سبب خروجهم إلى التظاهرة؛ وبالتالي هم لا يمثلون شيء بالنسبة لعدد (الجمهور العراقي) الذي حضر الحفل والذي يقدر بآلاف المؤلفة؛ وان من شاهدوه عبر الفيديو لهذا الحفل الذي نشره (محمد رمضان) عبر حسابه على (إنستغرام) كان بنحو (ثلاثة ملايين) شخص ودفع بمتابعيه إلى نشر تعليقات داعمة له ترحيبا بقدومه إلى (العراق) بلده العربي الثاني، فأين الجماهير (العراقية) من هؤلاء المحتجين والذين خرجوا للاحتجاج بناءا عن طب أحزابهم الدينية المسيسة المتطرفة رافعين شعارات دينية وهددوا بملاحقة مستضيفي هكذا حفلات؛ وان خروج هذه المجاميع الصغيرة جاء تلبية لجهات ميليشية متطرفة وهذا ما اثأر ردود فعل عكسية باتجاه (المتحدث)؛ والمقصود بالمتحدث – رجل الدين الذي هاجم المطرب محمد رمضان – حيث تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي في (العراق) وباقي الدول العربية؛ بل وحتى من الفنان (محمد رمضان) الذي رد بأخلاق عالية وتفاعل بما قاله رجل الدين بإيجاب ودون انفعال أكثر من رجل الدين الذي من المفروض هو من يتمثل بالأخلاق وينزه عن الشتيمة وتصغير الآخرين، فقد رد (محمد رمضان) على مقطع رجل الدين الشيعي عبر حسابه الرسمي على (إنستغرام) بالقول:

((…كيف من بيت الله تعترض على لوني الذي خلقه الله……؟ عموما أنا مسامح، حبا واحتراما للشعب العراقي، وكل الاحترام والتقدير لكل الأديان وكل الطوائف….))، هذا وهو كلام الفنان الذي يرقى بكل المعاير الأخلاقية إلى درجة عالية عن مدى تربية الفنان وحسن سلوكه وأسلوبه المهذب وحسن ذوقه ورفعته وسمو نفسه الذي لم يسمح لنفسه تصغير الآخر ونزول إلى مستوى أخلاق بذيئة وبتصرف مشين تندى له الجبين…….!

وعليه فان (الشعب العراقي) يحترم الفنان (محمد رمضان) وكل المبدعين؛ وان هؤلاء الذين ألسنتهم متعودة إلى ألفاظ بذيئة هي دليل سلوكهم وشخصيتهم المهتزة لأنهم يقولون ويفعلون بما لا يفقهون وهذا شانهم وان (الشعب العراقي) بريء منهم لأنه شعب راقي يحترم الضيوف ويقدر الفنانين والمبدعين لأنه شعب الحضارات والثقافات؛ انه شعب (وادي الرافدين) الحضارة والتاريخ .

فالشعب (العراقي) بأغلبيته سعيد وفرح وتفاعل مع الفنان (محمد رمضان) والناس كما يقال أذواق قد أختلف أو أتفق مع هذا النوع من أغاني المهرجانات؛ ومهما كان موقفي فان واقع الأغاني لـ(محمد رمضان) ستبقى هي الحقيقة؛ وصعب جدا الوصول إلى رأي موحد؛ لان توافق الأذواق تتباين وتختلف؛ ولكن نرفض تقليل الأدب.. وتقزيم الآخر.. وشتيمة الفنان مهما كان أسلوبه ولون غنائه وموسيقاه لدرجة الهجوم بتلك الطريقة أو الإفتاء بالمنع التصاريح الحفل الذي أقامه (محمد رمضان) في (بغداد) والتي أثار جدلا واسعا وطالبت بعض الأطراف بمنعه ومحاسبة مستضيفيه وإساءة الكلام عليهم على أنهم صرفوا مبلغا مالي ضخما جراء إقامة الحفلة؛ لان الجمهور حر بحضور الحفل وشراء البطاقة والسماع ما يريده ولا يحق الآخر مهما كان منصبه احتكار التقييم؛ لان التقييم متعلق بالذوق والثقافة وعلى أشخاص وأنواع معينة من الغناء .

فغناء وموسيقى (محمد رمضان) هو مزيج من موسيقي يجمع بين (البوب) و(الراب) بالإيقاعات السريعة التي يشغف الشباب بها؛ ولهذا فان الفنان هو واحد من الفنانين المصريين الذين ساهموا في ارتقاء فن الأغنية المعاصرة إلى مستويات إبداعية راقية يطغي عليها الأسلوب الحداثي؛ بكونه يتطلع ويواكب كل خصوصيات العصر الحديث؛ وهذا الفعل يعود بفضل موهبته وعطاءه المستمرين في محاولة النهوض بالبيئة الفنية العربية؛ باعتبار (الفن) أحد الأساليب المستخدمة في التعبير عن المشاعر والأحاسيس تجاه المجتمع، لذلك فان (محمد رمضان) يحرص لإثبات حضوره أمام جمهوره من جيل الشباب بل ويسعى لاستقطاب كل الشباب في سبيل تبوء موقعه الريادي بكون له شعبية كبيرة تزداد وتتسع على الصعيد المحلي والعربي وحتى العالمي وخصوصا بين فئة الشباب؛ وان أسباب بروز وصعود نجومية الفنان (محمد رمضان) على الساحة الفنية يعود بكون الفنان يعي ما يقدمه لأنه يختار اللون المناسب لصوته ولشخصيته لذلك فهو لا يبالي مهما وجهت له الانتقادات؛ بل نرى بان هذه الانتقادات والتي اغلبها تكون غير منطقية وليس لها صلة بالفن الذي يقدمه الفنان بقدر ما تكون انتقادات منحرفة ليس لها علاقة بأسلوب الفن؛ بل من اجل تنقيص من شعبيته ليس إلا، لتعود هذه الانتقادات إيجابا لصالح الفنان وتزيد من جاذبيته؛ بل وتكون إحدى نقاط شهرته، لان الفنان واثق ومتمكن من أسلوب الذي يقدمه في الرقص والأداء والمظهر وغيرها من التفاصيل المتعلق بالحداثة، وهذا ما يستقطب شركات الإنتاج لتتهافت إليه وتسعى إلى احتكار أسلوب أيداه الرائع .

ويذكر بان (محمد رمضان) اشتهر بتقديم أدواره التمثيلية الشعبية وبأسلوب عنيف وأفلام ومسلسلات التي تعتبر الأكثر مشاهدة بما تلقى إعجاب الجماهير وأصبح من الممثلين الأعلى أجرا على الساحة الفنية العربية؛ فبعد نجاحه في التمثيل اتجه (محمد رمضان) إلى عالم الغناء وقد اختار أسلوب الذي يستقطب الشباب فاختار أسلوب (الراب) الذي يدخل قلوب الشباب بسرعة ويجعلهم يتحركون ويرقصون مع أداء الفنان بالإضافة إن (محمد رمضان) أثناء الغناء يسرد قصة حياته فيروي قصص تتعلق بطموحاته وقدراته في التغلب على المشاكل ومصاعب الحياة؛ لتصبح أغانيه الأكثر مشاهدة؛ وفي حفلته الغنائية الأولى في القاهرة في عام 2019 لاقت حفلته إقبالا ونجاحا منقطع النظير حيث نفدت البطاقات قبل مدة من موعد الحفل .

ومن هنا عينا إن نسعى إن نؤثر بالأخر بكل الجوانب الايجابية المنفتحة للحياة وتقبل الآخرين بروح من التسامح والمحبة ليأخذ الآخرين عنا انطباعا ايجابيا ليتفاعلون مع قضيانا بروح إنسانية؛ كما نحن نتفاعل مع الأخريين حين نجد بأنهم أناس محبين للحياة وايجابيي ويتطلعون إلى بناء علاقات إنسانية متوازنة مع الأخريين وبروح من المحبة.. والتعاون.. والصداقة.. وتبادل الخبرات والمعلومات بما يخدم الجميع .

 

الموسيقى ثورة ثقافية على كل مستويات ومناحي الحياة

 

ولما كان للموسيقى هذا الدور الايجابي في المجتمع منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا؛ فان مجتمعاتنا اليوم مطالبة في الحث المؤسسات الاجتماعية.. والتربوية.. والتعليمية على تعلم الموسيقى ووضعها في مناهج (التربية والتعليم) لتعليم ولتمكن الطلبة على العزف وفق مناهج وقواعد موسيقية رصينة تهتم بقواعد العزف السليم وبتلقين الفهم الموسيقي بشكله الصحيح منذ السن الطفولة وفي كل مراحل الدراسة من ابتدائية.. والمتوسطة.. والثانوية؛ ليتم تنشئة الطفل وتوسيع مداركه في حب الموسيقى وأداءه بشكل علمي وثقافي، لان تأثيره في تهذب النفس عالية جدا؛ ولذا يتطلب من المجتمع ترسيخ مفاهيمه؛ ومتى ما تم ذلك؛ فإننا لا محال سنجد شخصية الإنسان في مجتمعه متزنة وهذا ما يجعل بيئة المجتمع بيئة حاضنة للثقافة والعلم والمعرفة؛ لان بناء شعوب متحضرة ليست بالكلام المجرد وإنما بالعمل.. والعطاء.. والفعل؛ وهنا يستوقفني المفكر والفيلسوف (كومفوشيوس) حين قال: ((من الموسيقى يمكن معرفة مستوى الشعب))، لان لموسيقى والغناء دور كبير في رقي المجتمع ونهوضه وتقبله للآخرين؛ لان المجتمع الذي يتقبل (الموسيقى) و(الغناء) هو مجتمع يتقبل الآخرين برحاب الصدر دون تمييز عن الجنس.. والعرق.. واللون؛ وبهذه السمات الإنسانية يبلغ المجتمع مرتبة عالية من درجات الرقي والتسامح ويمتلك مشاعر إنسانية خالصة .

ومن هنا نفهم مدى حاجتنا نحن (العراقيين) إلى ثورة ثقافية على كل مستويات ومناحي الحياة ومنها في (الموسيقى) و(الغناء)، لان (الثقافة الموسيقية) هي إحدى أركان المهمة التي تبنى الأمم والشعوب والبلدان في حب التسامح.. والتآخي.. وقبول الأخر.. وحب الآخرين؛ دون تميز وليس بالجهل والتطرف الديني التي هي سمات التي تزرع في المجتمع التطرف.. والانقسام.. والتناحر، ولما كان (الغناء) و(الموسيقى) لهما تأثيرا كبير في تهذيب النفس؛ كونها تجعل الإنسان متزن.. ومرن.. ومتقبل للآخر.. ومنتج.. وفعال.. وخالي من العقد والإمراض النفسية المؤذية؛ بكون (الموسيقى) هو علاج الروح والذوق السليم، ومن هنا تكمن أهمية وعي الإنسان بثقافة (الغناء) و(الموسيقى) منذ نشأته وهو طفل؛ ليأتي دور المؤسسات التربوية والتعليمة في تنمية مهارات الأطفال في تعليم الموسيقى؛ لأننا بذلك سنبني مجتمع راقي.. واعي.. محصن بالقيم الإنسانية النبيلة وبالثقافية والفكر .

 

الموسيقى والتربية النفسية

 

ومن هذه المقدمة المختصرة في فهم أهمية الوعي والثقافة في حياة الأمم والشعوب ومنها (التربية الموسيقية والغناء) لرقي واقع المجتمع وتفهمه لمسيرة الحضارة والحياة المعاصرة؛ ونحن نعيش عصر (التكنولوجيا والعولمة) التي جعلت العالم قرية صغيره الكل يؤثر ويتأثر بالآخر، فان (الموسيقى) يعزز من قيمة العمل الجماعي؛ وهذا ما ينمي الوعي الاجتماعي والإدراك الحسي ويبث روح التعاون وتنمية العادات السلوكية سليمة في المجتمع؛ في وقت الذي يهيئ مساحة واسعة للتعبير عن النفس تعبيرا حرا والتنفيس عن المكبوتات الداخلية؛ وهذا ما يؤدي إلي التوازن وتكامل النمو إنسان منذ نعومة أظافرة جسميا.. وعقليا.. ونفسيا.. وعاطفيا.. واجتماعيا؛ حتى يكون مهيأ لمواجهة الحياة في مجتمعه وبيئته كمواطن صالح، لذلك نجد بان (صوت الأم) وترانيم التي ترددها لطفلها عندما يحين وقت نومه ما هي إلا نوع من (الموسيقى الهادئة) يتلقاها الطفل وهو أول صوت للموسيقى يتلقى الطفل وهو بمثابة أول درس موسيقي له، لنفهم أهمية (الموسيقي) في تربية النفس؛ فـ(الموسيقى) تهدي الطباع وتسمو بفكر الطفل؛ فحين تقوم (الأم) باهتزاز الطفل إنما تقوم ذلك وفق ترددات متتالية متوازنة وهي تهدهد بالإلحان هادئة كي ينام؛ ومن هنا علينا إن ندرك بان الإنسان أول شيء يستقبل عند دخول وجود إلى عالمنا يكون بـ(صوت الأم) وبتردداتها وطبطبتها بضربات ناعمة ولمسات متتالية هادئة على جسده حين تحاول لمسه بحنان لكي يخلد للنوم والراحة؛ حيث يعتبر هذا الصوت أول الموسيقى يدخل مسامع وعقل وإحساس الإنسان وهو طفل؛ لذلك فان هذا الإيقاع الذي يستقبله الطفل يفيد من الناحية الجسمية.. والناحية النفسية.. والعقلية؛ وهذه التربية التي يتلقاها الطفل هي التي تنمي عنده قدراته العقلية ويحفزه على التفكير الصحيح، وتزويده بالمعلومات التي تعينه على حسن التصرف وفهم البيئة المحيطة به وحل المشاكل التي تقابله في الحياة بطريقة منطقية وواقعية.

لذلك فان (أفلاطون) يؤكد على هذه الناحية في أهمية (الموسيقى) في (التربة) و(التعليم) و(تهذيب النفس) حينما قال:

((… تعليم الموسيقي يعتبر عنصر أساسي في تربية والتنشئة؛ وان تربية الجسد إنما تكون بالرياضة أما تربية العقل وتغذية الروح فتكون بالموسيقى وقال أيضا:

بان ((…الفن هو أحد وسائل دعم الفضيلة والأخلاق، فالموسيقى تؤثر في مشاعر الإنسان وفي حياته الباطنية، حيث تأثير الإيقاع واللحن في هذا الفن، أقوى من تأثير العمارة والتصوير أو النحت، على روح الإنسان وحياته الانفعالية…))، ومن خلال الاستماع إلى الأعمال الموسيقية فان الموسيقى تجعل لمتلقيها شخصا هادئا.. وحساسا.. ومتذوقا للجمال.. ومتوازن الشخصية.. ومحب للحياة، لان (الموسيقى) من بين الفنون الأكثر تأثيرا على المشاعر؛ إذ بإمكانها تهدئة عنف المشاعر وحمل النفس إلى الهدوء والنقاوة؛ لان الهدف الأساسي لـ(لموسيقى) تكمن من خلال آثارها الإيجابية على التحصيل الدراسي.. وعلى سلوك.. ووجدان المتعلمين، لذلك نجد بان الطفل الذي يداوم على أداء الأعمال الغنائية أو ممارسات موسيقية مختلفة في وسط مدرسي مع زملائه أو بمفرده وأمام الآخرين، يكسبه المناعة ضد الخوف.. والخجل من المشاركة في النقاشات والحوارات.. وتمنحه القدرة على التعبير عن أفكاره وعلى مواجهة الآخرين، فهو يستفيد من تقنيات الغناء التي تمنحه القدرة على إتقان مخارج الحروف وضبط النفس ليكون كلامه واضحا ومعبرا، فـ(التربية الموسيقية المدرسية) تمنح للمتعلم مهارات لا حصر لها؛ لأنها تنمي قدراته و رصيده اللغوي والمعرفي ويصقل مواهبه ليساهم في تنمية ذاته ومحيطه بما يخدم المجتمع وبما يساهم في بناء وعي مجتمعي سليم يتكامل مع التقاء بقدرات المبدعين في التعامل مع الآخرين بروح من المحبة والتآخي والتعاون المشترك دون تميز، وهذا ما نريد تعميمه في المجتمع ليكون بمستوى التحضر وحضارته العريقة حضارة وادي الرافدين .