لم ينته الحديث بعد…الى لقاء جديد
هكذا انتهى اللقاء الاول في موضوع(بغداد…حبيبتي…وحديث عن براثا) وها انا اكتب مكملة ما بدأت.
تضم منطقة براثا في الوقت الحاضر مسجدا كبيرا في اعلاه مئذنتان بنيتا سنة 1975هـ ومكتبة قديمة وحرم ومصلى مع صحن واسع وبئر ماء تعرف بأسم بئر الامام علي وتضم ايضا مقبرة قديمة ويتناقل المؤرخون بأن لهذا الموقع أهمية تاريخية ويقال أنه قد زاره العديد من الانبياء والصالحين ومنهم النبي ابراهيم الخليل والنبي دانيال ذو الكفل وكما ذكرنا سابقا زاره الامام علي عندما عاد من قتال الخوارج في النهروان وحصل ما حصل من حديث بينه وبين الراهب المسؤول عن الدير والمسمى حباب وكما ذكرنا سابقا كانت نتيجة الحوار إشهار الراهب اسلامه وتحويل الدير الى مسجد. وتروي الروايات ان الراهب وكان يسمى الحباب وقد ناداه الامام علي عليه السلام باسمه وقد دهش لهذا الامر بادئ ذي بدى لكنه وبعد ان تفرس في الامام عليه السلام وعرف سماته وعلاماته التي قرأ عنها واخبروه بها مد يده الى الامام علي عليه السلام واعلن اسلامه فقال له الامام :ابني ها هنا مسجدا وسمه باسم بانيه وبشره الامام عليه السلام بأنه سيكون اول شهداء معركة صفين .
– هل من رواية اخرى تذكر براثا…؟
توجه احدهم لي بهذا السؤال ولهذا كان لزاما ان اذكر له من بين الروايا ت العديدة هذه الرواية المعتبرة وهي :
– تقول الرواية عن الامام محمد بن علي بن الحسين عليهما السلام بإسناده عن الصحابي الجليل (جابر بن عبد الله الانصاري )أنه قال :
( صلى بنا علي بيراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء مائة الف رجل ,فنزل نصراني من صومعته فقال: من عميد هذا الجيش ؟فقلنا :هذا, فأقبل اليه فسلم عليه فقال: انت نبي ..؟ قال :لا ,النبي سيدي قد مات ,قال فأنت وصي نبي ,قال: نعم ,ثم قال أجلس كيف سألت عن هذا؟ قال: أنا بنيت هذه الصومعة من أجل هذا الموضع وهو براثا وقرأت في الكتب المنزلة أنه لا يصلي في هذا الموضع بهذا الجمع إلا نبي أو وصي نبي وقد جئت اسلم ,فأسلم وخرج معنا الى الكوفة ,فقال له علي :فمن صلى ههنا ؟قال: صلى عيسى بن مريم وأمه فقال له علي :افاخبرك من صلى ههنا ؟قال نعم ,قال :الخليل.
– وما هو شرف المسجد بين المساجد المشرفة…؟
– للمسجد شرف وعظمة وقد ذكر في شرف المساجد ,أن اشرف المساجد المسجد الحرام والصلاة فيه بمائة الف ,ثم مسجد النبي ,والصلاة فيه بعشرة آلاف ,وفي كل من المسجد الاقصى في الشام ومسجد الكوفة بألف ,وفي مسجد الجامع بمائة وفي مسجد القبلة بخمس وعشرين وفي مسجد السوق باثنتى عشرة, ومن المساجد المحثوث على الصلاة فيها مسجد براثا ببغداد ومسجد المباهلة ومسجد الفتح ومسجد قبا وهذه في المدينة المنزل واحدة وكان الشيعة يقيمون صلاة الجمعة حتى اواسط القرن الخامس الهجري وخاصة في مسجد براثا في بغداد.
– وهل من اضافات اخرى…؟
– تذكر احدى الروايات التي تتناول فتح العراق ذكر لقرية يقال لها سونايا ذكرها احد المقاتلين للقائد خالد بن الوليد عندما كان في الانبار واخبران فيها سوقا يسمى سوق النصارى وفيه الكنائس.
مسجد براثا اذن معلم اثري وتاريخي مقدس لجميع الاديان في مختلف بقاع الارض.
– ماهي اشهر عمليات التعمير التي جرت على الجامع…؟
– جرت على المسجد الكثير من عمليات التعمير والتجديد منها :ماتم عام (1070هـ -1659م)وفي عام (352هـ -1933م) وفي عام (1375هـ -1955) تصدى بعض الاخيار الى تعمير المسجد وبناء منارته.
اخيرا اقدم المؤمنون على اصلاحات اساسية في هذا المسجد ووضعت المخططات لتوسعته واعادة بناءه من جديد.
– ماهي المساحة الكلية للمسجد…؟
– تبلغ مساحة المسجد حوالي(4000) متر مربع وكانت المساحة الكلية لبراثا الجامع والمدفن والحديقة في السابق اضعاف ما هو عليه الآن.
– من من الشخصيات المعروفة دفن في الجامع…؟
– ممن دفنوا في هذا المكان شخصيات علمية وادبيه منهم على سبيل الذكر لا الحصر الباحث المعروف طه باقر والدكتور علي الوردي اما قديما فقد تم دفن الكثير من الشخصيات المعروفة في تلك القرون.
توقفت المركبة وتوجه الجميع لزيارة مسجد براثا ومن بين الزوار اطفال رافقوا عوائلهم ليشربوا من البئر التي تسمى المنطقة طلبا للشفاء اذ هم تأخروا في الكلام , العين الخرارة (عين راحوما ) التي تتدفق تحت صخرة سوداء فيها حلقة تبرق كاللجين حين تسقط عليها اشعة الشمس وحديثا اجريت على مدى نقاوتها الاختبارات فتبين انها نقية وليس فيها شوائب ضارة.. مقدسة وفيها الشفاء لانها بوركت بالمقدسين كما الحجر في الكعبة المقدسة الذي احتوى اثار قدم النبي ابو الانبياء ابراهيم الخليل واصبح مكان يصلى فيه لله تعالى وشعيرة من شعائر الحج ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب.
مرت المركبه على الجسر وقلبت طرفي في السماء الزرقاء المضاءة بنور الشمس المشرقة وفي محيط النهر نهر دجلة الخير تذكرت ابيات الشاعر العظيم شاعر العرب محمد مهدي الجواهري فرحت اردد ابياتا من قصيدته الخالدة:
حييت سفحك عن بعد فحيني يا دجلة الخير يا أم البساتين
فهتف فائلا:
انك تحين دجلة عن قرب وليس عن بعد!
– اجل انها نعمة عظيمة هتفت وبسمة شكر للرب ارتسمت على صفحة وجهي …وتمتمت
– الشكر لك يا رب تلك نعمة عظيمة بينما تراءت لي كثير من الصور صور اللذين فارقوا الوطن مرغمين او مختارين مجبرين او باحثين عن مأوى جديد أو حياة جديدة في المنافي والبلدان الاجنبية.
وعبر الخيال ارتسمت صور اخرى حيث الاشرعة ذات الصواري تسير في النهر نهر دجلة تحمل ذوي التيجان والعروش باحثين في اناء الليل عن حكايا شهرزاد وشهرياروهم يسجلون في ايامهم حكايا جديدة وتصاغ من احداث حياتهم قصص واحاديث ومن بين الكثيرين نهضت صورة لسيدة العرش العباسي (السيدة زبيدة) وما ادراك ما زبيدة تلك التي تجلت اعمالها الطيبة في مواضع شتى وعاشت في قلوب الناس واحبها اهل بغداد ولكنها في الختام فجعت بفقد ولدها الغالي (محمدالامين) ترى في اي عصر من عصور العراق لم تثكل فيه الامهات…؟
تلك الطفلة ابنة شهيد …المرأة في الجانب الاخر أم شهيد الشابة بين الجمع زوجة شهيد …يا عراق الشهداء …متى يعم السلام وتشرق الارض بنور ربها………………
دون ارادة مني نزف القلب دموعا وتساءل الاخرون لكني لم اهتف بما كان يدور وما كانت تمر بي من خواطر بل مسحت دمعي وحولت بصري الى اشراق جديد لعراق جديد لا تكون فيه للضغينة والحقد والقتل والحروب مكان .عراق الخلود ,عراق السلام.
السلام على كل ذرة من ارض العراق فتراب العراق باركته السماء وهو ارض الانبياء والرسالات .
هكذا انتهى الوقت وازفت ساعة الرحيل عن بغداد وهي في القلب دائما دفق ونبض وفي الفكر ابدا حقيقة وخيال أجمل الصور بغداد واحلى ملكات الزمن فتية لا تهرم ولا ينالها الوهن .بغداد …بغداد …بغداد.
.