4 نوفمبر، 2024 9:25 م
Search
Close this search box.

بغداد ترقص مع الدخان

بغداد ترقص مع الدخان

كان النظام البائد يعربد عربدة السكارى عندما تشتد معارك جبهات القتال الشرقية(الحرب العراقية الإيرانية 1980),ويسخر لمثل تلك الأحداث (لصرف الأنظار عن طوابير القتلى) جيش من المرتزقة (من الإعلاميين وأدباء السلطة ومثقفيها المأجورين) لتدوير ماكينته الإعلامية,
فيشغل الجميع في مصانع أو ورش الكذب والتعمية الثقافية ,ليرى الناس والعرب تحديدا صورة مغايرة للواقع الدموي الرهيب القابع في اقبية السجون,حتى يقال إن بغداد لأتعرف الحرب,وشوارعها خالية من اللوائح السوداء الناعية لشباب القادسية الرعناء..
اليوم وبعد ان تغيرت الوجوه والمواقع  والأدوار,وأصبح العراق كما يدعي بعض المنتفعين من حروب الامبريالية الجديدة, بلد ديمقراطي حديث,
نجد إن الطريقة والأسلوب والنهج الحكومي المتبع في تغطية واقع الخراب والفوضى والفساد المستشري في طول البلاد وعرضها,هو نفس الأسلوب ونفس الوسائل والأفكار التي كانت معتمدة من قبل نظام البعث البائد………………..
أما الحديث بلغة التحدي والتفاخر بأننا نستطيع أن نعربد كما عربد جلاوزة البعث من قبل,وان نحاول جاهدين أخفاء مزابل العاصمة بغداد عن أعين الوفود المشاركة في أحياء بغداد عاصمة الدخان والموت والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة………….وكواتم الصوت….(الخ.),فهذه لغة الأنظمة الشمولية التسلطية البدائية,ونحن ندعي إن البلاد قد تمدنت وتحضر اهلها,وأصبحت الحقوق والحريات وكرامة المواطنين مصانة ومحترمة,
ولكن عندما ترى امرأة عجوز تخرج منذ ساعات الفجر الأولى هي وأحفادها مع حمارهم المسكين ,لتبدأ رحلة البحث عن قوت المزابل وتعود إلى كوخها بعد مغيب الشمس(هي ورفيقاتها وبقية الفقراء يعدون من أكثر العراقيين الذين يعملون ساعات طوال تقترب من 12ساعة تقريبا يوميا بلا عطلة أسبوعية أو إجازة فصلية),فهذه وحدها تستطيع ان توقف كل المهرجانات والاحتفالات والامتيازات التي يتمتع بها جنود الامبريالية العالمية (وهذه بالطبع ليست إهانة لان الفرق بيننا وبينهم إننا لانؤمن بالخصخصة الشاملة وبالسوق الحرة أو التجارة  المفتوحة على العالم الرأسمالي الجشع) هم وأبنائهم وعوائلهم..
(يقول المفكر الأمريكي ديفيد هارفي في كتابه الامبريالية الجديدة حول موضوع التراكم بنزع الحيازة في عصرنا الحديث استثار على النحو ذاته ” يعني المواجهة التي حصلت في بريطانيا في القرن السابع عشر”سلسلة من الصراعات السياسية والاجتماعية وموجات عارمة من المقاومة,وبات كثير منها يشكل الان نواة حركة متنوعة المظاهر لاتزال في بدايتها ,إنما يتسع انتشارها في مقاومة العولمة أو البحث عن بديل عنها…ثم يكمل:صحيح إن العنف في صراع الطبقات أمر مكروه! غير إن الجانب الايجابي فيه انه يلغي العلاقات الاقطاعية ويطلق الإبداعية, ويفتح المجتمع على تيارات قوية جدا من التغيير التكنولوجي والتنظيمي ويقضي على الجهل والمعتقدات الخرافية, ليستبدلها بالتنوير العلمي وتحرير الإنسان من العوز والفاقة.),
لان حالة الإهمال المتعمدة المتبعة تجاه مطالب المواطنين الشرعية,والامتناع عن توفير احتياجاتهم الضرورية,والابتعاد عن التكفل بمساعدة الطبقات الفقيرة والمتوسطة لحمايتها من الانهيار, هي كفيلة بزيادة الطاقة الرفض المكبوتة والكامنة في المناطق المحرومة والمهملة ,وتصعد من حالة الرفض الشعبي للحكومة وأجهزتها وشخصياتها ,وهي قنبلة موقوتة قابلة للانفجار عند أي فرصة سانحة(تحدث لي احد الشباب الذي يعمل سائق سيارة أجرة قال أنا مستعد إن احرق مدينتي بحفنة دولارات ..لقد تحدث اليأس عنده)
فالاعتصامات التي اندلعت في المناطق الغربية من العراق ,سيكون لها تأثير مباشر على بقية المناطق في الوسط والجنوب (ولتعلم الحكومة والكتل المستأثرة بالحكم إن شرائح واسعة من الشعب العراقي,ومن الشيعة تحديدا,كانوا سعداء سرا بتلك الاعتصامات ,لولى تحول تلك الاحتجاجات عن مسارها الوطني,وأصبحت تظاهرات مشبوهة, استغلها البعض طائفيا,فحرفها عن مسارها)
وإلا ماهي المكاسب الملموسة التي تمتع بها أبناء المقابر الجماعية وضحايا النظام البعثي البائد(عوائل الشهداء-معتقلي مخيم رفحاء-المهاجرين-السجناء السياسيين-وضحايا انتفاضة 15 شعبان والعمليات الإرهابية,الخ.),عدا تلك المكاسب التي تمتع بها سياسي تلك المناطق ,تمتعوا بالرواتب والمنافع الاجتماعية الكبيرة  ,وكثرة الايفادات والسفرات إلى الخارج كبقية الأعضاء(وشراء عمارات سكنية في دبي وبقية دول العالم)
ثم لنسأل عن ديمقراطية العراق؟ من يستطيع ان يمنع  ويردع السياسيين والمسؤولين عن محاولة نهب ثروات الشعب,من هي الجهة القوية التي حددها الدستور واعطاها صلاحية متابعة ومحاسبة ومعاقبي المختلسين والمزورين والمفسدين!
عندما تعود العاصمة بغداد إلى واقعها الطبيعي,وتتخلص من دخان الانفجارات,ويشبع جياع بلاد الرافدين,وتنتهي معضلة المشردين والمعوزين,عندها يحق لها إن تزيح عن وجهها السواد,وترقص بلا قيود وعلى أنغام موجات دجلة الخير………..

أحدث المقالات