23 ديسمبر، 2024 9:21 م

بغداد تاريخ ألم ومثار ثورة

بغداد تاريخ ألم ومثار ثورة

بعد سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 1258م ـ 656هـ تغيرت الامور بسقوط الحضارة وتلاشى الفكر والمفكرين وانحسار القيم الدينية والدنيوية ودخلت المنطقة في حالة تردي كبيرفي كافة المجالات الحياتية . اصبحت ساحة للصراع بين الدول القوية والطوائف المتنفذة , سبب ذلك يعود الى عوامل عديدة على رأسها العامل الاقتصادي والاستحواذ على املاك الآخرين والتباين في موازين القوة . حروب صليبية وعدوان فرنسي انكليزي ايطالي وصراع عثماني فارسي بالأضافة الى ما جادت به الطبيعة والحياة في حينها من فيضانات وكوارث وامراض شاملة التدمير مثل انتشار بعض الامراض الطاعون والهيضة والجدري وغيرها . أمور جعلت العباد في حيرة من امرهم لا يجدون مخرجاً ولا فرج لا يعرف الفرد كيف ينجو وكيف يعيش . لقد قضى طاعون العام 1773 على نصف سكان بغداد، وكان الطاعون الذي انتشر في ربيع العام 1831 الأشد فتكاً، ويذكر” كروفس ” المبشر المسيحي البريطاني إلى أن طاعون بغداد المذكور، إضافة إلى الفيضان، قضيا على نصف سكان المدينة، الذين هلكوا في شهر ونيف ، فخلال نصف شهر من ظهور المرض ، توفّي أكثر من سبعة آلاف نسمة، وحاول السكان الفرار، إلاّ أن وسائل النقل النهرية لم تكن كافية لنقلهم، كما أن المسالك أصبحت غير آمنة بسبب انتشار السرقة و أعمال السلب والنهب.
*1ـ ” كان الوباء ينكّل  بالناس تنكيلاً فضيعاً، لدرجة بلغت الوفيات يومياً ب2500 إلى 3000  آلاف إنسان وأخذت الشوارع تخلو من المارّة، وتتراكم فيها جثث الموتى ، وزاد الأمر سوءاً، قلة الطعام وشحّ المياه بسبب وفاة من ينقلون الماء. ولكي تكتمل المأساة، فقد اتفق الوباء مع الفيضان، وانهالا على بغداد المنكوبة، التي أجتاحتها المياه في 21 نيسان (إبريل) 1831 وأغرقت آلاف الدور في غضون يوم واحد ، مكتسحة في طريقها السدود     
وضاعف من تدهور الموقف، إن والي بغداد داود باشا، الذي حكم العراق بين 1817-1831 وقام بعدد من الإصلاحات، انهارت قواه بسبب المرض والحال المزري الذي أصاب البلاد، فقرّر الاستسلام، بعد أن عرّض “علي رضا” بغداد للحصار. وأصبحت في ضيق شديد وسدّت جميع طرقها وأخذت الأزمة تشتد يوماً بعد آخر، والجنود لا يجدون ما يأكلونه “. الدول الاستعمارية لا تفهم سوى القوة منطقتنا جزء من العالم عاشت الفوضى العارمة حروب متوالية الحرب العالمية الاولى سنة 1914 م والحرب العالمية الثانية 1941 م نكبة فلسطين 1948م الحرب الباردة بين الأتحاد السوفيتي والدول الرأس مالية المنتمية لحلف شمال الاطلسي ومن يواليهم .انعكاس هذه المشاكل تسببت في كوارث فضيعة من صنع البشر آذت البشرية في كل مجالات حياتها . صراع دامي بين الدول القوية الاستعمارية ضد الدول الاقل قوة او الضعيفة , من هذا نقف اليوم على اعتاب مرحلة قد تكون اعادة لما سبقها في النوايا والتوجهات والاهداف مرحلة من الاستحواذ القسري المكرر والسيطرة المفروضة على شعوب ودول تخالفهم في كل شيء . بعد خسارة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى وتقسيم المنطقة العربية حسب اتفاقية ” سايكس بيكو ” كان العراق ضمن دائرة الاستحواذ البريطانية أحتلته سنة 1917م . نتيجة تعسف بريطانيا ضد السكان واستخدامها القوة المفرطة وجهلها بالطبيعة السكانية للعراقيين وما يحرّكهم وثوابتهم الاجتماعية كانت ” ثورة  العشرين ” 1920م شملت كل العراق تحملت بريطانيا خسائر فادحة وكبيرة غير متوقعة في جيشها ومعداتهِ ومقتل قائد جيوشها العام في العراق ” لجمن ” بالرغم من الفارق الكبير في القوة وعدم التكافئ اسلحة العراقيين كانت بسيطة لا تتعدى ” المكوار ” عصى برأسها كرة من القير تستخدم كسلاح شخصي و ” الفالة ” عصى في نهايتها شوكة حديدية تستخدم لصيد السمك والبنادق القديمة وما استولى عليه الثوار من اسلحة من الجيش البريطاني كان الثائر العراقي يهجم على المدفع الانكليزي بالمكوار ويستولي عليه بعد قتل مستخدميه من الجنود البريطانيين ويهتف الاهزوجة المعروفة بين العراقيين لحد الآن ( الطوب احسن لو مكواري ) الطوب يعني المدفع وهذا الحال المزري والغير المتوقع الذي وقعت به بريطانيا اجبرها على التفكير بالانسحاب من العراق , وكانت تداعيات الثورة ونتائجها تشكيل الحكومة العراقية سنة 1921م بأقرار فيصل الاول ملكاً على العراق اغسطس 1921 – 8 سبتمبر 1933  ”  من الاسرة الهاشمية وابرز قادة الثورة العربية ضد العثمانيين وتنسيب السيد ” عبد الرحمن النقيب الكيلاني *2″ كأول رئيس وزراء للعراق  السيد عبد الرحمن الكــيلانــي المولود في بغداد عام 1845 ، كان أول رئيس وزراء حيث ألّف ثلاث وزارات ، ألأولى في 25/10/1920 ، ومـــدتها تسعة أشـــهر وثمانية وعشرين يوماّ ، والثانية في 10/9/1921 ومدتها أحد عشر شهراّ وتسعة أيام،  والثالثة في 28/9/1922 ومدتها شهراّ وثمانية عشر يوما ، توفـي في بغــــــــــــــــداد  عام 1927  كان شخصية معروفة ولها تأثير اجتماعي مهم وكبير على مساحة العالم الاسلامي كان شريف بغداد وبهذه المكانة يسود على كل شرفاء العالم الاسلامي في زمن الدولة العثمانية وغيرها  وهذه السيادة دامت لأكثر من 400عام متوارثة حصراً في هذه العائلة الكريمة , كان عبد الرحمن النقيب عالماً يحب العلم والعلماء له مؤلفات كثيرة تبرع براتبه الذي يتقاضاه من الدولة لأنشاء مدرسة اعدادية  , اضافة لذلك كان قد تم ترشيحه كملك على العراق الا ان بريطانيا كان لها الرأي الغالب في هذا الامر فوقع اختيارها على ” فيصل الاول “.ومن الشخصيات البارزة في العهد الملكي السيد ” نوري السعيد ” كان من الضباط المشاركين القادة في الثورة العربية ضد الدولة العثمانية واستوزر كرئيس وزراء 14 مرة كان سياسي ذكي ويلقب بالداهية العجوزوله مكانة مرموقة في داخل العراق وخارجه وايضاً من الشخصيات البارزة التي يشار لها بالبنان السيد*3  ” رشيد عـــالي الكيــلاني ” المولود في بغداد عام 1893 ، ألف أربـــــــع وزارات ، الأولى في 20/3/1933 ، ومدتها خمسة أشهر وتسعة عشر يوماّ ، والثانية في 9/9/1933 ، ومدتها شهراّ وتسعة عشر يوماّ ، والثالثة في 31/3/1940 ، ومدتها عشرة أشهر فقـط ، والرابــعة في 10/4/1941 ، ومـدتها شــهراّ وتسعة عشــر يوماّ ، توفي في بيروت يوم 28/8/1965   سياسي معروف وشخصية لها تأثير كبير في العراق والعالم العربي والاسلامي تبوء مراكزمهمة في دولة العراق الملكية كان رئيس لوزراء العراق سنة 1941م دخل في حرب كبيرة مع بريطانيا كان جسوراً وطنياً وشجاعاً أعترض على بريطانيا في محاولاتها لجر العراق الى جانبها في الحرب العالمية الثانية فكانت قولته المشهورة ” لماذا نزج بأبناء العراق في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل ونعرضهم للقتل” دخل في قتال دامي مع بريطانيا بالرغم من عدم التكافئ في الناحية العسكرية والامكانيات اللوجستية والادارية الاخرى , من مواقفه الانسانية الوطنية في هذه الحرب ُطلِبَ منه زج المتطوعين المدنين من طلاب وغيرهم للمشاركة في القتال كان يخشى عليهم ويعلم علم اليقين ان لا جدوى من مشاركتهم وتعريضهم للقتل والأبادة , اشتبك مع القوات البريطانية لمدة تزيدعلى الشهر بعد دخول القوات البريطانية الى الاراضي العراقية عن طريق الموانئ في البصرة للشروع بأعادة احتلال العراق بالقوة ونشر قواتها فيه وهذا الاجراء يعرض العراق وشعبه للخطر من قبل الدول المتصارعة في الحرب . الشخصية الاخرى المعروفة على المستوى السياسي في العراق السيد *4″ عبد المحسن السعدون ” رئيس وزراء العراق المولود في محافظة ذي قار عام 1880 ، ألّـــف أربع وزارات الأولى في 18/11/1922 ، ومدتها أحد عشر شهراّ وســــبعة وعشرين يوماّ ، والثانية في26/6/1925 ومدتها سنة وأربعة أشهر وخمسة أيام ، والثالثة فـــــي      14/1/1928 ، ومدتها سنة واحدة وســـتة أيام ، والرابعـــــة في 19/9/1929 ، حيث انتحرمساء يوم 13/11/1929، لتكون مدة وزارته شهراّ واحداّ وأربعة وعشرين يوما

 نتيجةعدم توافقه مع السياسة البريطانية وأختلافه معها لمحاولاتها فرض امور على العراق وعليه ليست في صالح الوطن وشعبه فقرر الانتحار بعد ترك وصية لولده وللعراقيين يشرح فيها سبب اقدامه على فعله هذا

العراق في الفترة الملكية لم يكن مستقلاً ذات سيادة بل كان تحت الوصاية البريطانية وكان مرتبط بمعاهدات جائرة فرضت عليه من قبل الدولة المستعمرة بريطانيا . لكن بشكل عام كانت الدولة العراقية في حينها نموذج يحاكي النموذج البريطاني في تشكيلاته الادارية. من المؤشرات السلبية على النظام الملكي الهيمنة البريطانية الاستعمارية نتيجة الظرف العام الذي كان يعيشه العالم , والجانب السلبي الآخر الطغيان الأقطاعي ألا انساني الذي كان سائداً في حينها متسلطاً جائراً في العرف العام سالباً للحريات . كان هناك حالين سائدين القانون المدني والقانون العشائري بشكل رسمي متداول حتى ان بعض شيوخ القبائل الكبيرة يمتلكون السجون ولهم صلاحية الزج فيها من المنتمين لقبيلتهم او العاملين تحت امرتهم وعذر النظام في هذا الموضوع انه لم يُخلَق او يتكوّن في فترة الحكم الملكي بل موجود من زمن بعيد .

بعد ذلك كان إنقلاب عبد الكريم قاسم 14 تموز 1958م كان انقلاب دموي بكل معناه واسباب هذه الدموية المأخذ على اعدام النظام الملكي لقسم من المشاركين بثورة مايس 1941م ثورة رشيد عالي الكيلاني وعدد من الضباط المشاركين في انقلاب الموصل والمأخذ الثالث الرضوخ لبريطانيا ومحاباتها من قبل الوصي عبد الاله ونوري باشا السعيد . والامر الآخر ميل عبد الكريم قاسم للمعسكر الشيوعي الاشتراكي واستغلال بعض الشيوعيين العابثين للأنقلاب . بشكل عام عبد الكريم قاسم اجتهد فأخطئ . من اهم ما قام به تشريع قانون رقم 80 الذي حدد صلاحيات الشركات النفطية وألغاء الاقطاع وتأميم الاراضي الزراعية المملوكة للأقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين مما تسبب في تراجع الزراعة بشكل كبيرنتيجة عدم امتلال اصحاب الاراضي الجدد للمستلزمات الزراعية وقلة خبرتهم في تسويق محاصيلهم , والحال الجديد تسبب في ادخال العراق ضمن دائرة الصراع الدائر بين الاتحاد السوفيتي والدول الرأس مالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ” الحرب الباردة ” , وتأجيج الصراع الداخلي بين التيار الشيوعي والتيار القومي . ومنذ ذلك الانقلاب الى اليوم لم يعيش العراق حال طبيعي مستقر في كل الجوانب الحياتية وآخر هذه المعاناة والاوضاع الصعبة كان الاحتلال الاميركي المجرم والغاشم على العراق لسلب خيراته وتعطيل تنميته ودوره القومي وبمؤازرة ودفع من بعض دول الجوار وبمساندة المتحالفين مع اميركا والمؤتلفين معها وكأن التاريخ يعيد ويكرر نفسه في تنوره القديم وَفِرنَهُ الحديث . المأساة التي يعيشها العراق وطناً وشعباً هي نفس المأساة التي دالت عليه في الماضي الصليبين والصفويون واليهود . الملاحظ على نظام وطبيعة الحكم الملكي كان يتخذ من العلمانية الايمانية منهجاً لهُ وكذلك كل الحكام والحكومات التي اعقبته لحد الاحتلال الاميركي 2003 الذي خرب وبدّل كل شيء وسهل للأحزاب الدينية الشيعية التابعة لأيران السيطرة على السلطة ونشر الطائفية والعمل بها كثقافة سياسية متداولة ومفروضة مما ساعد على تخريب النسيج الاجتماعي بشكل كبير .

المصادر

*1 ـ اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث للمؤرخ ” لونكريك “

*2ـ عبد الرحمن النقيب شخصية لن تتكرر” مقال لكاتب المقال عبد القادر ابو عيسى

*3ـ تاريخ الوزارات العراقية ـ عبد الرزاق الحسني

*4ـ ويكيبديا الحرة .