23 ديسمبر، 2024 5:46 ص

بغداد بين عصا طهران وسوط الأمريكان

بغداد بين عصا طهران وسوط الأمريكان

في وقت تشهد فيه العلاقة بين واشنطن وطهران مزيداً من التوتر على خلفيات كثيرة، أكبرها الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، تقف بغداد على صفيح ساخن وتحاول ترتيب أوراقها بعد الإنتخابات البرلمانية التي خلفت تداعيات كثيرة،  لترسم الخطوط العريضة للعملية السياسية في البلاد للأعوام الأربعة المقبلة، وهي على يقين بأن العاصمتين (طهران وواشنطن) المختلفتين في كل شىء لايمكن أن تتفقان بشأنها، وليس في مقدورهما في الوقت الراهن، أن تكونا متفرجتان ودودتين تجاه بعضيهما، ولا تمتلكان القدرة الكافية التي تؤهلهما لكي تؤديا دور الوساطة الحاسمة بين الأطراف العراقية، وكل واحدة تريد الحكومة الجديدة، في بغداد، تابعة لها. ولا تخفيان قدرتهما على تفجير الأوضاع في البلاد في أي لحظة، في حالة تجاهلهما أو تهميش المفضلين عندهما، مع ذلك ما زالت (بغداد) ترفع يافطات ليست لها رصيد على أرض الواقع وبعيدة عن حسابات المنطق، لأنها في ظل إمكانياتها الحالية من الصعب أن تحافظ على إستقلالية قراراتها المؤثرة.

ظاهر الحال يوحي بأن غالبية السياسيين العراقيين ينتمون لخطين سياسيين متباعدين، وبغداد ذاتها تعاني من التأثير الإيراني الواسع عليها من جهة، وتعد جزءاً من منطقة النفوذ الأميركي من جهة أخرى، ومشكلاتها ليست قليلة، مع ذلك تحاول الرهان على موقعها والتوازنات التي تخلقها. وتتجاهل الحديث عن حالة عدم التمكن من الإلتزام بالمواعيد الدستورية، وتشكيل الحكومة الجديدة، إما إستهانة بالقانون والدستور، أو رغبة في قلب الطاولة على رؤوس البعض، أو محاباةً للسياسات الاستنزافية السابقة التي جسدتها حكوماتها السابقة ضد العراقيين، أو استمراراً لاستراتيجيات الترقيع في ميادين السياسة، أو أن الذين يريدون تولي مقاليد الحكم لا يعرفون مستلزمات العمل في المعادلة العراقية، ولاتتوافر عندهم الثقة في قدراتهم وقدرات شركائهم في الوطن.

واشنطن تعرف أن كلفة الفوضى أصبحت باهظة في العراق، ونتائج الأزمات المتتالية الجاثمة ستزيد الوضع تفاقماً، لذلك تعبر عن قلقها من إنهيار العملية السياسية الهشة الموجودة في البلاد، خصوصاً أن داعش ما زال ينتشر في مناطق عديدة وينفذ فيها عملياته الاجرامية، والخلافات بين العراقيين كثيرة ومعقدة وعصية عن الحل، لذلك تعمل على تنشيط المحادثات بين المكونات العراقية، ويتدخل مسؤولوها الكبار في خط التفاهمات والاجتماعات ورص صفوف السياسيين المقربين منها، لإنقاذ مايمكن إنقاذه وتشكيل حكومة تتناغم مع عقوباتها على إيران، وتدور في دائرة الدائرين بوجه طهران ونفوذها.

ولدى طهران الكثير لتؤثر به على المشهد السياسي العراقي، ولها الكلمة الفصل في مجريات الكثير من الأمور وتتعامل بصيغة آمرة ناهية، مع كتل وأحزاب سياسية وشخصيات عراقية معينة، وتريد التغلب على الإرادة الأمريكية وإحراجها، وأن ترى ثمرة تفوقها، لذلك تمارس ضغوطاً مختلفة على أصدقائها وإن كانوا في خصومة واضحة فيما بينهم منذ سنوات، وتمارس دوراً مهماً ومباشراً وتضغط عليهم للتآلف والتحالف، ولمسك زمام السلطة بقوة في الحكومة الجديدة، لتكون حكومة موالية تستند عليها في إستبعاد خصومها المشاغبين، وتمارس دوراً معرقلاً ضد أي تحرك أمريكي يستهدفها.

بين عصا طهران وسوط الأمريكان، تجرع العراقيون كأس المرارة وتلقوا كيل من الضربات المؤلمة التي لايمكن نسيانها. وهناك أناس يحبسون أنفاسهم، لأنهم يعون أن الأيام حبلى بالمناورات والمفاجآت والتفاهمات وخروقات قواعد اللعب، وأن إنهيار العملية السياسية يعني العودة الى المربع الاول والاستمرار في الاستنزاف. ويعلمون أن إنقاذ المستقبل معلق على قرارات شجاعة وإجراءات جريئة، وعلى تنفيذ خطة عملية وواقعية في تشكيل الحكومة الجديدة، وتلبية رغبة الذين يريدون تبسيط المعادلة عبر تبني سياسة التنازل مقابل تنازل الاخرين، وسحب البساط من تحت أقدام الذين يحاولون الإستفادة من سياسة الاستنزاف التي قد تصبح مستنقعاً يورط الآخرين عاجلاً أم آجلاً ويستنزف طاقاتهم، وان يدار العراق بالشراكة والتوافق.