18 ديسمبر، 2024 5:10 م

عندما تستعرض عواصم العالم، اليوم، من حيث الرقي العمراني، والمواقع الخلابة، والمرافق السياحية، وشبكة الطرق والجسور والأنفق، وخطوط النقل، الى جانب الخدمات والنظافة، والرفاهية بكل أنواعها، تنسى بغداد، وعمقها الحضاري، وبعدها التأريخي، ومجدها التليد. ربما يشكل التأريخ عقدة لدى بعض هذه العواصم التي تبحث لها عن أثر تحاكي به الحضارات السالفة، فلا تجده، لكن لماذا تضمحل عواصم كانت تدين لها الدنيا بأسرها، لتكون لها أماً او أباً، لتصبح بلا لون ولا طعم ولا رائحة، الا لون قاتم يعبر عن الحزن، ورائحة ملوثة؟.تساؤلات، مصحوبة بكآبة المكان، وخناق يشتدد لدواعِ أمنية، وضيق في التفس، والحركة، وتنسم هواءً نقياً، أين أرفه عن نفسي، وما المكان الذي يوفر لي حالة من الرخاء، وراحة البال، والخروج من زحمة الكتل الكونكريتية، والأسلاك الشائكة، والدروب المغلقة، والوجوه الكالحة المنتشرة على الأرصفة، والكادحة وراء لقمة العيش؟، ولعلنا نعكس التساؤل : ماذا نقدم للسائح وهو يأتي محملاً بثقافة الماضي عن عاصمة الدنيا، وقصص ألف ليلة وليلة، والسندباد، وعلاء الدين؟.      
بالتأكيد، لاأقصد، الدخلاء الذين يتحكمون بإيقاعات حياتنا، ويحددون أدوار كل واحد منا، ويعزفون على جراحاتنا، ولا أصحاب المشاريع المؤدلجة، أو المطعمة بالفساد، فهؤلاء لايعنيهم المكان ولا حتى الزمان.
ربما، يجذب عبق التأريخ، سائحاً الى بغداد، ولعله قد يحمله الشوق الى رؤية سور بغداد الذي بناه المنصور، المكتشف قبل سنين، لكن ماذا سيجد حول هذا المعلم الحضاري الكبير؟ .. إذهبوا لتروا بأعينكم، فرؤية الحال يغني عن السؤل، وهذا مثل، وما خفي كان أعظم.
أما لو كان يريد ان يشاهد بعض المعالم المعاصرة، او النصب النحتية، التي يمنع المواطن من إرتيادها، لأنها داخلة في منطقة المنع، فعليه أن يحصل على موافقات خاصة، فيما أزيلت أخرى وأصبحت في خبر كان. 
ويبقى التساؤل قائماً : لماذا ترتبط مدننا العميقة الضاربة في الروح والأرض بالفقر والعشوائيات والفوضى والحرمان والتناقضات المحزنة بين أحياء التنك وأحياء الطبقات الراقية؟.الدعاية الإنتخابية على الأبواب، وسنسمع من دائمي العضوية في السلطة العلية، إجابة تصم بها الآذان عن حملة تغيير كبرى لوجه بغداد، ومدن العراق الأخرى، طبعة حديثة لكن مستنسخة.