مع انتصار ما تسمى بالثورة الأيرانية عام 1979 وارتفاع حدة التوتر بين النظام الجديد في طهران ونظام صدام ومن ثم اندلاع الحرب العراقية الأيرانية التي استمرت ثمان سنوات ، لجأت كل من طهران وبغداد الى احتضان قوى المعارضة للطرف الآخر ودعمها ماديا ولوجستيا للتأثير على الأوضاع الداخلية في كلا البلدين.
بعد تشكيل حكومة وبرلمان اقليم كوردستان في 1992 ومن ثم انهيار نظام البعث على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في 2003 انتقلت قوى المعارضة الكوردية الى مناطق مختلفة من اقليم كوردستان بالقرب من المناطق الحدودية المحاذية لأيران،لكنها لم تستخدم اراض الأقليم للقيام بأية نشاطات عسكرية ضد القوات الأيرانية واكتفت بالنشاط السياسي والأعلامي والتواصل مع جماهيرها عبر وسائل الأتصالات المتاحة.
رغم ذلك ظلت طهران تخشى وجود هذه القوى بالقرب من حدودها مع الأقليم لما لها تأثير كبير على الوضع الداخلي في شرق كوردستان، وقامت عدة مرات بقصف مقار تلك الاحزاب بالصورايخ والمدفعية واغتيال بعض عناصرها في داخل اراض الأقليم،ولم تكتف طهران بذلك بل لجأت الى الأحزاب والقوى السياسية الموالية لها في الحكومة العراقية ومجلس النواب العراقي لأتخاذ اجراءات سريعة وجدية للحد من نشاطات الأحزاب الكوردية التي باتت تؤرقها، حيث وقعت كل من طهران وبغداد نهاية شهر اب الماضي اتفاقية امنية تقضي بأبعاد قوى المعارضة الكوردية من المناطق الحدودية مع ايران وحدد 19 ايلول الجاري كموعد نهائي لأخلاء مقارها وانتقالها الى مناطق بعيدة عن الحدود وتوعدت طهران بالقيام بعملية عسكرية في داخل الاراضي العراقية فيما لو رفضت بغداد الأمتثال لأوامرها، وفعلا قبل يومين من الموعد المحدد تم ابعاد القوى السياسية الكوردية الى مناطق اخرى بعيدة عن الحدود الأيرانية.
وبالمقابل حزب العمال الكوردستاني ال(PKK) الذي يعجز عن القيام بأية نشاطات داخل المحافظات الكوردية في شمال كوردستان(كوردستان تركيا) الذي يعد ساحة نشاطه الحقيقي، يدفع بعناصره المسلحة الى داخل اراض اقليم كوردستان وجعل من القرى والمزارع الحدودية للأقليم مسرحا للعمليات العسكرية للجيش التركي وتسبب بخسائر مادية و بشرية كبيرة بين المدنيين العراقيين، الا ان بغداد بدلا من ان تتخذ اجراءات سريعة لأبعاد تلك العناصر عن الاراض العراقية، تقوم بدعمها بالمال والسلاح وتسهل تنقلاتها في داخل الأراضي العراقية وبالاخص في سنجار وضواحيها ،حيث هناك تعاون وثيق بين بعض الفصائل المسلحة العراقية الموالية لأيران و ال(PKK) التي لها ايضا علاقات جيدة مع طهران.
المثير للدهشة والأستغراب هو تعامل بغداد بأزدواجية بين المعارضة الكوردية الايرانية التي احترمت سيادة العراق وخصوصية اقليم كوردستان واوقفت جميع نشاطاتها العسكرية ضد القوات الايرانية منذ عقدين، وقامت بغداد بأغلاق مقارهم الأسبوع الماضي باوامر مباشرة من طهران وبالمقابل دعم حزب العمال الكوردستاني بالمال والسلاح ودفع مرتبات شهرية لعناصرها المتواجدة في سنجار رغم ان تلك العناصر تجر الجيش التركي بشكل يومي لأنتهاك سيادة العراق وقصف المدنيين العراقيين العزل وحرق مزارعهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد.
ان الأجراء الأخير الذي اتخذ بحق قوى المعارضة الكوردية دلالة واضحة على ان القوى المتنفذة في الحكومة ومجلس النواب العراقي الموالية لأيران لا يهمها سيادة واستقلال العراق بقدر ما يهمها تبادل المصالح مع الجانب الأيراني والأمتثال لأوامرها.