18 ديسمبر، 2024 11:06 م

بغداد: أفضل مدينة للعيش

بغداد: أفضل مدينة للعيش

كلنا سبق له وأن أطلع على قائمة أفضل المدن للعيش في العالم وقائمة تلك المدن الأسوء. وكلنا سمع أن بغداد أصبحت من المدن التي ثبتت نفسها وبقوة وأتخذت مكانة متقدمة كونها واحدة من اسوء المدن! ولكن يبدو أن واضعي هذه التصنيفات لم يزوروا بغداد ولم يعيشوا فيها.
بعد الأحتلال الأمريكي للعراق أصبحت الحياة في بغداد صعبة ومتعبة، لكن العراقيين المعروفين بقهرهم للصعوبات وبعقليتهم الواسعة وتفننهم في التغلب على المعضلات وجدوا الحلول المناسبة كي تصبح بغداد واحدة من أفضل المدن للعيش فيها. ستسالني كيف وسأعدد لك مزايا وتسهيلات لن تجدها في اي مدينة او مكان في العالم، وهذه المزايا والتسهيلات هي التي تجعل العيش في بغداد سهلاً مريحاً وسعيداً في نفس الوقت.
دعونا أولاً نترك مشاكل الكهرباء التي أصبحت من الماضي ونتكلم عن بعض المظاهر السائدة في الشارع العراقي والتي تغمر المواطن بالسعادة. ذلك أن مسالة الكهرباء فقد تأقلم المواطن العراقي علىها ومع القطوعات المتكررة المبرمجة منها والطارئة واصبحت المولدات التي تملكها كارتلات ترتبط بالأحزاب المتنفذة ومليشياتها هي خبز المواطن اليومي ومنقذه الأوحد من العيش بدون كهرباء، واصبح الأمر معتاداً وروتينياً ولا يدعو الى التذمر فحال انقطاع تيار الكهرباء الوطنية تبدأ المولدات وخلال دقائق بالتجهيز البديل دون اي جهد يبذله المواطن عدا دفع المبالغ المستحقة عند نهاية الشهر.
أما في شوارع بغداد فأنت تستطيع أن تقود سيارتك عكس أتجاه السير وفي أي شارع تشاء دون محاسبة أو حتى أستياء من قبل السائقين الآخرين الذين سيقابلون مغامرتك هذه بأبتسامة وسيفسحون لك الطريق كي تصل الى وجهتك بأمان دون الحاجة الى البحث عن مناطق الألتفاف (اليوترن) او التقاطعات المزدحمة. ولولا خطورة السير عكس الأتجاه على الطرق السريعة لشملت هذه النعمة تلك الطرق.
وفي بغداد فقط تستطيع ركن سيارتك أينما تشاء وأنى تشاء وتذهب لشراء حاجة من محل او دكان دون الحاجة الى البحث عن مكان مسموح فكل الأماكن مسموحة مادمت تتفادى السيطرات الأمنية أو بوابات مقرات الأحزاب أو المنطقة الخضراء ومداخلها. ففي بغداد يمكن لك أن تصف سيارتك صفا ثانيا او ثالثاً واذا كانت حاجتك مهمة او كنت سائق سيارة أجرة واشار لك احد المواطنين فلا باس بالوقوف في وسط الشارع،،،فكل ما سيحصل هو بضع ثواني من إزعاج من منبهات السيارات التي تخفت حال بدأت بالحركة مرة أخرى.
وبمناسبة الحديث عن سيارات الأجرة ففي بغداد سيارات الأجرة هي التي تبحث عن الراكب فثمانين بالمئة أو أكثر من سيارات العاصمة العراقية هي للأجرة. ففي ضوء توفر الوظائف والأعمال لكل فرد وعدم وجود البطالة لم يتبق للشباب غير شراء السيارات وقضاء الوقت يدورون في الشوارع ويسترزقون! سيارات الأجرة في بغداد تجعل الشوارع تبدو صفراء من كثرتها وهي توفر السعادة لسكان العاصمة ذلك أنك تستطيع الحصول على سيارة للأجرة وقتما تشاء حتى أنك لا تستطيع المشي في الشارع-حيث أن الأرصفة محتلة من قبل الباعة والمحلات المطلة عليها- دون أن تستمع الى منبهات سيارات الأجرة وهي تذكرك بوجودها لدرجة أنك تبدأ بتفادي المشي في الشارع خوفاً من الأزعاج. ولكن قبل الصعود الى سيارة الأجرة عليك التفاوض مع السائق حول الأجور فلا وجود لشيء مزعج أسمه العداد وتركت الأمور لشطارة السائق ونباهة المواطن ومعرفته بقرب أو بعد المنطقة المطلوب الوصول إليها.
ولاشك أن من أكثر الأشياء المزعجة في مدن العالم هي الأشارات الضوئية وهي ظاهرة غير موجودة في بغداد، وهي أن وجدت فهي أما معطلة عن العمل أو لا يحترمها أحد! ويالها من سعادة أن يستطيع السائق تجاوز الأشارة الحمراء وبكل ثقة ودون وجل او خجل أو خوف،،،وهذا يحدث في بغداد وهو يجعل بعض المواطنين في غاية السعادة بينما يبقى السائقون المترددون يحاولون أجتياز التقاطعات بأمان منتظرين أن يحن عليهم شرطي المرورالذي يستمتع بتدخين سيكارته وسط الشارع كي يفتح لهم الطريق.
وبأمكان المواطن أن يستمتع ويسعد بالأستماع الى مواكب الأعراس وهي تجوب شوارع العاصمة وتصدح بأحدث الأغاني والهوسات والدبكات،،،وهو عرض فني مجاني يتوفر في بغداد ولو على حساب قطع الطريق أو التسبب في فوضى مرورية اضافية فالفن يجب أن يأخذ مكانه المرموق في لائحة سعادة المواطن العراقي. أمّا إذا فاز المنتخب العراقي حتى ولو على اضعف الفرق في العالم وفي مباراة ودية فلك أن تستمتع بموجة من الأطلاقات النارية التي تضيء ليل العاصمة العراقية تتبعها اصوات سيارات الأسعاف وهي تنقل المصابين إلى المستشفيات القريبة. ولكي لا تسيء الظن فهؤلاء المصابون إنما أصيبوا بموجة من الفرح من فرط سعادتهم بالفوز ولم تصبهم الأطلاقات النارية كما تدعي وسائل الأعلام المغرضة.
وإذا كنت من هؤلاء السعداء الذين نقلوا إلى المستشفيات فبأمكانك أن تستمتع بخدمة الخمس نجوم في المستشفيات الحكومية حيث يستطيع زوارك زيارتك متى شاؤوا وقد يزوروك ومعهم كل اصناف الأكل فليس هناك ممنوع، وقد يستمتعون وتستمتع معهم بالجلوس الى العوائل الأخرى ومشاركتهم طعامهم في ممرات المستشفى التي تتحول في العادة الى أماكن تجمع للعوائل السعيدة التي تنسى هموم فقدان أبسط الأدوية واللوازم الضرورية في المستشفى مما يضطرهم الى شرائها باسعار خيالية من خارج المركز العلاجي.
ولأن دجلة الخير يمر عبر بغداد فأن ذلك يجعل كثيراً من المواطنين سعداء بالأسراف في غسل محالهم التجارية والأرصفة المقابلة لها حتى إن أدى ذلك الى تجمع مياه الغسيل في الشوارع والتسبب بتكون برك مائية قد ينتج عنها حوادث مرورية أو تطاير المياه على العابرين والسابلة،،،فالنظافة من الأيمان وغسل الأرصفة اليومي والهدر اللامسؤول للماء ظاهرة حضارية يستمتع بها كثير من العراقيين هذه الأيام قبل حلول موسم الصيف الذي سيشح فيه الماء حتى لو أستخدم المواطن مضخة الماء (الماطور) والتي ماتزال ضرورية للحصول على حصتك المائية حتى في فصل الشتاء.
ولأن الحرية سمة من سمات بغداد وسكنتها هذه الأيام، فأن مظاهر الفوضى والحرية اللامسؤولة منتشرة وتناديك اينما مررت و بأي زقاق أو محلة سكنت. وهذا يجعل المواطن في سعادة ما بعدها سعادة فهو يستطيع الحصول على ما يشاء متى ما يشاء واينما يشاء ولتذهب الأخلاق والنظام وحسن التعامل والذوق والرُقي وحتى القانون إلى الجحيم.
هذا غيض من فيض ومشاهدات جمعناها في زيارة قصيرة لعاصمة الحرية في العالم…بغداد…
وآه يا بغداد،،،طال أنتظارك لمن يأتي كي يعيد العز لك ثانية؟
وعسى أن لايطول الأنتظار.