يكاد الداخل إلى (عاصمة السلام ) بغداد الآن يشعر بالرعب التام ويكون دخوله أشبه بالدخول إلى مدن تحاصرها المليشيات ومساعديهم من كل الجهات … مدينة المعابد الدينية ( الرشيد ) تحول رخام جوامعها وكنائسها ومعابدها إلى أناشيد حزينة وشوارعها تستصرخ ضميرا وقلوبا توحشت بها أرصفتها المتكسرة , انظر ها هم أهلها تعاد أليهم التفجيرات واليات القتل من جديد ، بعد أن وضعت الحرب أوزارها في هذه المدينة الباسلة المجاهدة العظيمة … أعود من جديد إلى مدينة الجمال ( بغداد الحبيبة ) … وأعلن في هذه اللحظات وقريبا من أفق يحمل ألينا فرات العراق وشمس أمنياتنا بعيدا عن حزن مدفون مقتبس من أبنائها المهجرون في دول الجوار … وانين السدود ومنارات الدعاء المخضب بصلواتنا ، دعاء متبسما بعشق العراق وأهل العراق … اعذروني فانا مغرم بالذين وهبوا قلوبهم حبا وزرعوا أنفسهم حصادا للطيبين من اجل هذا البلد … أيها الوطن الكبير الجميل العزيز اقترب مني فانا محتاج أليك جدا في هذه الأيام , ومع الأسف الشديد , دثرني يا نخل العراق احملني إلى ضفاف دجلة الخالد ثم إلى الفرات إلى البصرة والى بغداد … أوصلوني إلى مدينة التآخي ( كركوك الغالية ) وأرجعوني إلى النجف الاشرف وديالى والعمارة والرمادي ودهوك واربيل والحلة والبصرة والسماوة والناصرية والسليمانية , هل أبدو بعيداً عنها … أم قريبا من ساحل فارغ يقع على شاطئ دجلة العجيب … أنها ساعات النهار الأخيرة , تودع الشمس أبناء مدينة السلام ( بغداد الحبيبة ) يوما آخر اسمه يسبح به الناس لله العلي القدير يبدأ بعبير وتلاوات المسبحين نحو جهة الغروب فإذا بجموع الناس ترفع الأذرع إلى الباري عز وجل وتنقل رائحة السلام والأمان إلى أبناء هذه المدينة حيث بدأت عشرات ومئات المآذن تدعو الناس إلى صلاة المغرب … سرت في شارع طويل بعد الصلاة يكاد يفرغ تماماً من الناس بينما كانت الأعداد من السيارات المسرعة تذهب إلى حيث لا ادري , وفي اللحظة نفسها لا ادري لماذا تذكرت ذلك السؤال … لو أحصينا عدد المآذن والمساجد والحسينيات والكنائس والمعابد الدينية في بغداد لفاتنا الكثير لكنها تبزغ شامخة من بعيد يرفرف الطير فوق أحواض جميع المعابد الدينية ولجميع طوائف هذه المدينة وأهل بغداد يتمسكون بالتقاليد العربية والإسلامية والديانات الأخرى التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم لكنهم يتآلفون مع الغرباء حتى ينصهر الغرباء بينهم … لكن مع الأسف لا ادري ما حل بهذه المدينة التي لها حضارة عمرها ( 8 ) الآف سنة انتشرت في كل بقاع العالم , تحكي قصة شعب عريق مبدع متسلح بالعلم , كان ولا يزال يثير في النفس اعتزازا ومباهاة واعتلاء لناصية الفخر عبر ما تحقق لها ضمن مسيرتها الطويلة الحافلة بالعطاء حتى وصفها احد المؤرخين بأنها
( قطعة من التاريخ والحضارة والإنسانية ) , وها هي المدينة التي خطفها الأعداء في التاسع من نيسان عام ( 2003 ) من الفاسدين والطامعين الذين يعتقدون أن هذه المدينة مزرعة مهجورة لا أصحاب لها ولا أهل يحرسونها ويحمونها من قوات الاحتلال … والعفاريت الجديدة التي خرجت للتو من القمقم لهذه الأرض رافعين شعارا لأبناء هذه المدينة يجب أن تغادروها ولكنهم نسوا أن في العاصمة الجريحة ( عباقرة كثر ) و( شجعان كثر) و(حكماء كثر) … لكن الوقت غير متاح للمبارزات بين أولئك العباقرة والشجعان والحكماء بل هو وقت أيجاد المخارج للناس قبل أن تحترق هذه المدينة والسؤال هنا يطرح نفسه … أمام من جاء بجانب ( الدبابة الاميريكة ) ماذا فعلتم لهذه المدينة التي ظلت شوارعها مقفرة , أبنية تهاوت وتهدمت أزقة لونتها الشعارات الطائفية , ومآذن ومعابد أتعبها الرصاص ، يكاد الداخل إلى مدينة العز يشعر بالرعب التام ويكون دخوله أشبه بالدخول إلى مدن تحاصرها جيوش الغزاة ومساعديهم من كل الجهات … والخروج منها يتطلب سيراً على الأقدام والدخول أليها يدخلك في دوامات التفتيش والأسلحة والاستفزاز قبل أن تتعرض سيارتك إلى فحص دقيق وسلب محتويات جيوبك آو اعتقالك هذا هو حال ( مدينة العزوالسلام ) واحدة من اجمل عواصم دول العالم عادت إليها الاغتيالات وتفجير السيارات والتهجير الطائفي البغيض ، تلك المدينة التي كانت غافية على حلم دجلة لكن حالها تحول إلى كابوس أطبقت من خلاله القوات المليشاوية على جميع مفاصلها الحيوية وشرايينها التي تؤدي إلى استمرار الحياة فيها , فهي تعيش اليوم في حصار جديد لم تألفه كتب المصطلحات السياسية والعسكرية وهذا حال لسان أبنائها الطيبين … على من تقع مسؤولية هذا التدمير المبرمج وفقدان الحياة المدنية العامة … وتهجير أهلها المساكين في مدينة كانت عقدة المواصلات المهمة في الشرق الأوسط … كانت ولا زالت تسمى ( مدينة السلام ) … أهلها يتهمون القوات الأيرانية باصطناع هذا الوضع للحيلولة دون استمرار الحياة فيها وتبقى الأسئلة بلا أجوبة واضحة برغم الحملات الأمنية الاستعراضية , فمن المسؤول يا ترى … ولماذا وها هي بغداد اليوم رجع فيها الأشرار من الكتل السياسية الفاشلة التي بعثرت كل جهد يؤدي إلى الإصلاح في هذا البلد … بقي أن تعرف عزيزي القارئ الكريم أن يوم ( التاسع من نيسان ) هو يوم أسود في تاريخ العراق والعرب بالنسبة للعراقيين جميعا … ويوم وطني للعراقيين الايرانيين … وان من أغتال مدينة الشرف سيدفع الحساب قريبا أن شاء الله وصدقوني أن … (عاصمتي الغالية ) لن تسقط سهوا ..