18 ديسمبر، 2024 8:57 م

بعيدا عن السياسة والامور العامة نذهب اليوم الى عالم القصة.. اليتيم والقصر الملكي

بعيدا عن السياسة والامور العامة نذهب اليوم الى عالم القصة.. اليتيم والقصر الملكي

قصة من واقع الخيال
الجزء الاول
في بداية سبعينات القرن الماضي كان محمود يعيش في قرية ريفية تابعة لمحافظة نينوى تبعد عشرات الكيلومترات عن اقرب مدينة او طريق معبد وكان يتيم الاب وقد تزوجت والدته بعد مدة من وفاة والده في منطقة بعيدة عن قريته.. وقد اختاره اهالي قريته لمساعدتهم في رعي اغناهم مقابل اجور بسيطة تعطى له وغالبا ما تكون تلك الاجور هي عددا من رؤوس الاغنام… لم يجد محمود امامه اي خيار اخر سوى القبول وتلبية مطالب اهالي القرية كونهم يقومون بإعالته بعد وفاة أبيه وزواج والدته..
كان في تلك الفترة لم يتجاوز عمره سبعة سنوات ولكن ضخامة جسمه يوحي بانه اكبر من عشرة سنوات.. كان كل اهالي القرية يحبونه كونه يعتبر يتيم الابوين وما زال صغير السن ولكنها الظروف تفعلُ فينا ما تشاء… كان هناك في القرية مسجد صغير يقوم بإدارته والاذان فيه وقت كل صلاة شخص من اهالي القرية يسمى الملا محمد وكان انسانا رائعاً لديه مخافة الله ويعتبر المرجعية الدينية في هذه القرية من كل النواحي فهو من يوجه الناس على الصلاة وعلى صيام شهر رمضان ويشرح لهم كل الامور المعلقة بأصول الدين..
اراد الملا محمد ان يجعل من هذا الفتى اليتيم رجلا يحمل كل صفات الاخلاق الدينية والدنيوية
فكان يستقبله في المسجد بعد صلاة العشاء ويقوم بتعليمه الحروف الابجدية وقراءة القران ويعلمه كيفية الصلاة ويشرح له امور كثيرة تخص القرية وتخص شخصية محمود نفسه وكان يعطيه الأمل بان الحياة مفتوحة ابوابها وانه يمكن للإنسان مواصلتها حتى وان كان وحيداً وان لا يضع اليأس امام عينيه فلا يوجد مستحيل امام الانسان ما دام الله قد منحه الصحة والعافية والجسم السليم… استمر محمود لمده سنتان وهو يرعى الاغنام لأصحاب قريته وقد استفاد منهم بعض المواشي التي اصبحت تعود ملكيتها له وكان كل اهل القرية رجال ونساء يعتبرونه ابن لهم فكان الجميع يقوم بخدمته من مبيت ومأكل ومشرب وكل بيوتات القرية مفتوحة امامه. الا ان عائلة المختار حجي حسين كانت الاكثر اهتماماً به لان زوجة المختار اقارب والدته… كان يأتي الى القرية اشخاص من بعيد في كل موسم ربيع يقصدون الماء والكلأ لمواشيهم يسمونهم الغنامة وكانوا يبنون بيوتهم المصنوعة من الشعر في القرب من قرية محمود واثناء موسم الرعي تعرف محمود على ابناء هؤلاء الغنامة وكان اغلبهم يعيشون في مناطق حدودية ملاصقة لدول الجوار وقد تحدثوا له بانهم يذهبون بأغنامهم الى عدة دول في المنطقة بحثا عن الرعي الوفير وقد اعجب محمود بهذه الفكرة فعرض عليهم ان يرافقهم وان يكون راعي لأغنامهم وان يعيش معهم حياة الرحالة اينما يذهبون فعرض الاولاد الموضوع على عمهم الكبير مانع صاحب هذا القطيع من الاغنام والذي يتجاوز اعداده ٥٠٠ راس من الغنم لم يمانع العم مانع بذلك ولكنه وضع شرط ان تكون موافقة اهل القرية على ذلك لأنه يعرف بان محمود يتيم وليس لديه احد ولكن اهالي قريته يحبونه كثيرا ومع هذا كان الخيار الاول والاخير له فاستشار السيد مانع مختار القرية ووجهاؤها الذين قالوا ان القرار يعود له وانهم يعرفون السيد مانع منذ سنوات طويلة فهو انسان صاحب اخلاق وانه يأتي بين فترة واخرى الى قريتهم بأغنامه كون القرية لديها مراعي كبيرة
واسعة وارضها خصبه جدا تصلح للرعي طيلة ايام السنة… فرح محمود كثيرا لموافقة الجميع بالذهاب مع العم مانع وابنائه وابناء اخيه في رحلة مجهولة لا يعرف عنها شيء ولايعرف نهايتها ولا يعرف اين مصيرها كل ما فكر فيه هو مصير اغنامه القليلة التي حصل عليها من اهالي قريته ثمنا لأتعابه في رعي اغنامهم… فقرر ان يستشير مختار القرية في ذلك والذي قال له اذا ابقيتها مع اغنامنا فسوف تكون امانة لدينا لحين عودتك في المستقبل لأنك لابد ان تأتي يوما يا محمود وتستقر هنا في هذه القرية… واننا لم نعترض على ذهابك مع السيد مانع لأننا نريد لك الفائدة لا اكثر وسيحفظك الله لأنك يتيم مكافح للحياة منذ صغر سنك وكانت قاسية معك وسوف نشتاق لك يا ولدي كثيراً لأنك اصبحت احد ابنائنا فشكره محمود على ذلك ونزلت دموعه على خده ولكن ارادته وهاجس داخل نفسه يصر عليه ان يذهب مع السيد مانع وعائلته اثناء عودتهم الى مناطق الرعي التي يسكنون فيها… وبعد ان انتهى موسم الربيع في قرية محمود تهيئ السيد مانع مع ابنائه وقطيع اغنامه الى الرحيل والعودة الى ديارهم التي يتواجدون فيها وهي مناطق حدودية ملاصقة لأحدى دول الجوار وبما انهم اصحاب مواشي فان دخولهم وتجاوزهم الحدود لكل دول الجوار يكون سهلا فكل الدول تعرف معاناتهم وانهم مجرد رعاة اغنام يبحثون عن الماء والعشب لأغنامهم وليس لديهم اي مشاكل اخرى…
سافر محمود في رحلة طويلة مع العم مانع مودع ابناء قريته بما فيهم المختار والملا محمد خادم ومؤذن المسجد والذي يدعو له بالاستمرار بالتوفيق والنجاح في حياته وبعد سفر لثلاثة اشهر تقريبا وصل السيد مانع ومعه عائلته ومحمود الذي اصبح يافعاً وبعد ايام قرروا الرحيل مجددا ولكن عكس اتجاه رحلتهم السابقة ففي هذه المرة كان الا تجاه غربا ودخلوا اراضي حدودية تعود للملكة العربية السعودية عرفها محمود من خلال وجود علامات دالة تنبه الناس وتحذرهم من تجاوز الحدود وكونه يعرف القراءة البسيطة عن طريق ما علمه اياه الملا محمد ولكن العم مانع لم يهتم بذلك واستمر في طريقه لانهم متعودون سنويا على ذلك.. في هذه الاثناء كان محمود قد تجاوز العشرة سنوات من عمره ولكنه لا يملك اي وثيقة رسمية تؤيد ذلك…. وبعد مرور مدة من الزمن تعلم السياقة لأحدى السيارات الحوضية لجلب المياه واصبحت مهنته سائق وكان يذهب يوميا مسافة اكثر من خمسين كيلومتر لجلب المياه من اقرب مدينة موجود فيها بئر ارتوازي.. واستمر على هذا المنوال واشغلته الحياة عن اهل قريته فنساهم كون مناطقهم قد مرت بجفاف تام ولايمكن العودة للرعي فيها وايضا ان السيد مانع قد استقر مع عائلته وقطيع اغنامه في الدولة المجاورة وفي يوم من الايام وهو ذاهب لجلب المياه بصورة اعتيادية تفاجأ بوجود مفرزة من شرطة الهجانة فأوقفوه وطلبوا منه اوراقه الثبوتية له ولسيارته فابلغهم بانهم رعاة اغنام من البدو الرحل ولايحمل اي وثيقة فتركوه بعد ان اخذوا منه عنوان المنطقة التي يسكنون فيها..