19 ديسمبر، 2024 8:16 م

بعيدا عن التكنوقراط قريبا من الأنانية

بعيدا عن التكنوقراط قريبا من الأنانية

بنظرة على عجالة الى تاريخ العراق، يتضح لنا ان ساحته السياسية لم تخلُ يوما من اضطرابات وقلاقل، كان جلها نتيجة أطماع في اعتلاء كرسي السلطة، وصراع على مقاليد الحكم فيه، بدءا من العصر الأموي فالعباسي، ثم عهد الاحتلال العثماني، وآخرها التغييرات المتتالية في نوع الحكم والشخوص والعائلات الحاكمة خلال القرن العشرين، والذي تداول فيه نظام الحكم بين الملكية والجمهورية. والى يومنا هذا مازالت الساحة زاخرة بكم هائل من الصراعات والخلافات. وقطعا هناك فروقات جمة بين حكومات الأمس البعيد قبل قرون، وحكومات القرن الماضي والحكومات المعاصرة في القرن الحادي والعشرين. ففي الحكومات الغابرة كانت جل مشاكلهم من تدخلات دول الجوار، اما المشاكل الداخلية فكما روى لنا التاريخ، كانت تـُحل بجلسات بين شخصيات ذات مكانة اجتماعية مع كبارالدولة، ولم تكن الحياة العامة تتأثر أغلب الأحيان بتغيرات رؤوس الحكم، وكان البلد سائرا في ركب التطور وان كان سيرا سلحفاتيا وئيدا.

اليوم وقد دخلت التكنولوجيا والعلم مفاصل الحياة جميعها، بما يسهِّل ويعجِّل تقدم البلدان التي يضع حكامها مصالح شعوبهم من أولويات جداول أعمالها، ماذا يحدث في بلدنا لاسيما أنه البلد الذي شـُرّعت فيه أول القوانين، وكـُتِب فيه أول حرف، وغير ذلك من الإختراعات التي كان سبّاقا بها. ماذا لو قارن أي مُنظـِّر بين مايملكه العراق من رصيد تاريخي في العلوم والمعارف، وكذلك في الأمجاد والبطولات، وبين ما يملكه اليوم من رصيد منها نسبة الى باقي الامم؟ وهو الذي يقول فيه الشاعر:

لا ينزل المجد إلا في منازلنا

كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

أظن أن عملية حسابية بسيطة للغاية في النسبة والتناسب، توضح الفرق بين العراق في التقدم التكنولوجي والعلمي وبين أمم وُلِدت بعده بقرون. فهو مازال يسير سيرا متلكئا، على الرغم من الفارق الزمني والطفرات العلمية والتكنولوجية التي تستحدث بين حين وآخر في العالم. فقد ملأ أجدادنا المكتبات بأبحاثهم واكتشافاتهم واختراعاتهم في العلوم كافة، غير أن الحكومات المتتالية لم تولِ العلم والعلماء اهتماما مناسبا، فجنت على البلاد برمتها، بارتكابها خطأ كبيرا في التعامل مع هذا الكم الهائل من الموسوعات، إذ ظن حكام العراق السابقون -وكذلك الحاليون- ان إرث البلاد الحضاري يُحفظ في الأدراج والدواليب، وعدّوه كنزا ضموه كملكية خاصة مع التيجان والأموال والقصور والضيعات، ليكون رصيدا يجيّر لحسابهم وحساب عوائلهم وأحفادهم، وليس لأبناء هذا البلد. وبذا نهضت شعوب الأمم من حولنا وتنعمت بالرفاهية والحداثة في وسائل العيش، فيما حكام وادي الرافدين -لاسيما الحاليون- مافتئوا يغذّون الجدالات والصراعات والخلافات والاختلافات فيما بينهم شر غذاء، ودأبوا على إذكاء جمر المناكفات والتهديدات والوعيدات، بما يؤجج المشاكل ويثير القلائل كلما خفتَ سناؤها وخمد لهيبها. الأمر الذي خلف سلبيات وأفضى الى ترديات في أوضاع البلد سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا. وما زاد الطين بلة، بروز أحزاب وكتل يرى رؤساؤها وأعضاؤها ان الساحة لاتصلح إلا للبهلوانيات، فظهرت -كنتيجة حتمية- أساليب جديدة في إدارة مؤسسات البلد، والتي تسيّرها تلك الأحزاب والكتل، بعيدا عن التكنوقراط قريبا من المصالح الأنانية، تاركين حبل الإدارة الصحيحة للبلد على الغارب، فطفح كتحصيل حاصل زبد غير مرغوب فيه، وطافت على السطح جيف تسلطت على مراكز القرار اوصنعه اوالتأثير عليه.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات