9 أبريل، 2024 3:39 ص
Search
Close this search box.

بعيداً عن السياسة : في بيتنا .. تنين !!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لم يكن احد في العالم ليصدق ماقاله الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ ؛ يوم وقف عام 1949 متعهداً امام شعبه بان الصين ستدخل كل بيت في العالم في غضون اعوام !!.
وقد صدقت نبؤءة ماو ..وها هي الصين تدخل الى كل دولة ومدينة وقرية وشارع وبيت ..بل وكل غرفة في هذا العالم ..ولو اردت الحديث مسهباً عن هذا البلد وما فيه لاحتجت الى مجلدات وملايين الصفحات..وساقول لكم باختصار شديد جدا شيئا عن ببليوغرافيا الصين الان لتلمسوا : كم عظيم هذا البلد وكيف بنى لنفسه هذه المكانة الكبيرة ؟ ..فالمعلوم ان  عدد سكان الصين قد تجاوز المليار والستمائة مليون شخص.. وفيهم عشرات القوميات واللغات والاديان والمذاهب والاعراق..كما ان الصين من الدول القلائل جدا بالعالم التي مازالت يحكمها الحزب الشيوعي ..وان الناتج القومي الاجمالي يسجل منذ عدة اعوام فائضا تجاريا.. كما ان عملتها الوطنية ( اليوان ) تحافظ  على استقرار ملحوظ منذ سنوات ..في حين تطبق الدولة قيودا صارمة على الزيادة السكانية وتحدد النسل بشكل لا يتيح للزوجين ان ينجبا اكثر من طفلين طوال حياتهما الزوجية !! ومن الطريف جدا ان الصين تقيم علاقات ديلوماسية مع جميع دول العالم دون استثتاء ..وانها نفسها كانت خارج منظومة الامم المتحدة حتى سبعينات القرن الماضي..حين استعادت مقعدها ..واصبحت عضوا دائما في مجلس الامن الدولي..وهي تميل دائما الى مسك العصا من الوسط في السياسة الدولية مع الميل الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير..ولم نر دولة واحدة في العالم تعادي الصين او تتخذ منها موقفا مضادا او عدائيا .
وقد غيرت الصين نظرة الدول الفقيرة الى الدول الكبرى والغنية حينما ابدلت ( عين ) الاستعمار الى ( ثاء ).. وراحت تسابق امريكا واوربا ودول شرق اسيا الاخرى في الدخول الى الاسواق العالمية ؛ تارة بالتعاون المشترك واخرى بالاستثمارات الضخمة ..وليس سرا ان تلك الدول تحاول وتعمل جاهدة سرا وعلانية على ان تحد من تمدد التنين الصيني في كل الاتجاهات حتى دخل الى كل بيت في العالم كما تنبأ ماو واكثر..ومن النوادر التي لم تمر مرور الكرام ان الدولة الصينية راحت اليوم تشتري اصول شركات كبرى وتدخل المنافسات والمناقصات التي كانت حكرا على الشركات العالمية الكبرى عابرة القارات ..بل ان الصين دابت منذ اعوام على شراء اذونات خزانة للدول التي تعاتي من التدهور او الصعوبات الاقتصادية.            
ومن طريف ما قرات الاسبوع الماضي ما رأته صحيفة نيويورك تايمز في تقرير طويل : ان الصين هي المنتفع الأكبر من الحرب على العراق وهي تستحوذ على تطوير نسبة كبيرة من قطاعه وتشتري حوالي نصف ما ينتجه العراق من النفط، اي قرابة مليون و500 الف برميل يوميا، فضلا عن قدرتها على امتلاك اكبر حصة في الانتاج ، وهي الان تقدم عروضها لامتلاك حصة اكسون موبيل في احد اكبر حقول العراق النفطية.. وانتهزت الشركات الصينية الحكومية الفرصة، منفقة ما يزيد عن ملياري دولار سنويا تقريبا وتشغيل مئات العمال في العراق، وبالقدر نفسه من الاهمية تبيان استعدادها للعمل على اساس شروط الحكومة العراقية وقبول ادنى الفوائد من اجل الفوز بالعقود النفطية
ويقول مايكل ماكوفسكي ، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الاميركية : اننا نخسر ، لان الصينيين لم تكن لهم علاقة بالحرب، لكن من وجهة نظر اقتصادية تراهم ينتفعون منها، واسطولنا الخامس وقواتنا الجوية تساعدهم الان في تامين إمداداتهم .. وعلقت الصحيفة بالقول ان عمق الالتزام الصيني في العراق واضح في التفاصيل الكبيرة والصغيرة .
ففي الصحراء قرب الحدود الايرانية، بنت الصين مؤخرا مطاراً خاصا بها لنقل العمال الى حقول العراق النفطية الجنوبية ، وستبدا قريبا الرحلات المباشرة من بكين وشنغهاي الى المدن العراقية .. وفي فنادق بميناء البصرة، يُدهش الصينيون مضيفيهم ليس بتحدثهم العربية فقط ، بل باستخدامهم اللهجة العراقية المحلية بكل اتقان !!
وقد تعهد الرئيس الامريكي باراك اوباما في حملته الانتخابية الاخيرة بالحد من تدفق وانتقال الكفاءات الامريكية وخريجي الجامعات المرموقة للعمل في الصين ؛ بعد ان كان العكس هو الذي يحدث في سابق الاعوام وهو الامر الذي بات يقلق الاتحاد الاوربي ايضا ؛ ذلك ان النظام الاستثماري في الصين هو الارقى والاكثر انفتاحا وتقدما ..والعقلية التي تتحكم في الاقتصاد الصيني منفتحة على كل العالم ودوله ومتطلبات السوق العالمية وتحدي كل الصعاب.. وهناك مئات الامثلة واكتفي بواحد منها فقط : فالصين تُصنّع مليارات القطع الصغيرة من الابر والخيوط والزجاج والاقلام واجزاء الكومبيوتر واجهزة الاتصال والاقمشة والادوات الكهربائية والادوية والعاب الاطفال وبمواصفات عالية ..وتصدرها الى الخارج على شكل حاويات ..ضاربة بذلك عشرة عصافير بحجر واحد منها : تشغيل ملايين الايدي العاملة وتنشيط التجارة والمنافسة التجارية والانفراد بصناعات لا تعجب دولا اخرى ومنها.. ومنها تعزيز الهيمنة الصناعية على قطاعات بعينها وجعلها حكرا لهذا البلد دون غيره ؛ دون ان يعني ذلك عدم ولوج القطاعات المتقدمة في الصناعة واهمها الصواريخ والاسلحة والاجهزة الدقيقة والحواسيب العملاقة ذات السرعة الفائقة.
عندما كنت مقيما في مصر كنت ارى عشرات الصينيين والصينيات وهم يحملون الحقائب على ظهورهم ويجوبون القرى قبل المدن يبيعون الملابس الداخلية والولاعات والمراهم والادوات المنزلية في مهنة عجز المصريون عن الاتيان بمثلها فيما كان الاعلام والمجتمع المصريان يتداولون بسخرية عالية قصة ( اغشية البكارة الصينية ) التي انتشرت في مصر والشرق الوسط ومدى متانتها ومطابقتها للمنتج الرباني الحقيقي !! ..ويومها اطلق اخوتنا المصريون المعروفون بروح الدعابة والفكاهة نكتة تقول : ان الصين على ابواب تصنيع انسان من لحم ودم ولكن من غير روح ..لان الروح والنفس البشرية من اختصاص الباري عز وجل .. وهي فقط الشئ الوحيد الذي يبدو ان الصينيين غير قادرين على صناعته !!..
واخيرا : حوّل بصرك الى ما حولك واتحداك ان تقول لي : ما هو الشئ الذي لم تصنّعه الصين حتى الان ؟ وانا واثق انك ستقر بعجزك عن الجواب.. ولو بعد حين ..!!
[email protected]

   

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب