بعض معاناة الاطفال الرضع في العراق

بعض معاناة الاطفال الرضع في العراق

لقد كانت معاناة الطفل في العراق فريدة وتنطوي على مفارقة لافتة بين مجتمع امتلك تراثا حضاريا رائداً , ومنظومات من القيم الروحية , وموارد اقتصادية كبيره , وبين اطفال تقلصت فرص نماءهم الجسدي والنفسي وانطوت بيئاتهم الاجتماعية على مخاطر متعددة المصادر.
ان الأطباء ينصحون الأمهات أن يرضعن الطفل رضاعة طبيعية خلال الأشهر الستة الأولى بعد الولادة، إذ يُعد هذا الغذاء الأمثل والأكثر صحة للرضع , لكن هناك اطفال رضّع بحاجة الى حليب غير حليب الأم بسبب الاصابة بلين العظام او عدم التئام فروة الرأس.
لقد تركزت معاناة الأسر العراقية التي لديها أطفال رضع بتوفير حليب الأطفال بعد ان غابت فقرتها في مفردات الحصة التموينية , مما ساهم بشكل مباشر في ارتفاع سعرها في الأسواق المحلية وعدم تمكن اغلب الأسر من اقتنائها لمحدودة الدخل لبعضهم , ما يعرض الأطفال إلى أخطار كثيرة تؤثر بشكل سلبي على تكوين عظامهم وتوفير المناعة الذاتية مع سوء التغذية، فأن الأسرة التي لديها أطفال وإمكانياتها المالية محدودة، لن تستطع تحمل ارتفاع الأسعار.
أن ثمن علبة حليب الأطفال بمختلف أنواعه يتراوح بين 6-8 دولارات ، وان الطفل الرضيع يحتاج شهريا الىً ما لا يقل 8 علب من الحليب، وان هذه الأنواع من الحليب كانت توزع مع مواد الحصة التموينية سابقا المدعومة من قبل الدولة “لماذا تم حجب توزيع حليب الأطفال عن الحصة التموينية والتي تعتمد عليها غالبية العوائل محدودة الدخل؟ فان قطع حليب الأطفال من الحصة التموينية دليلاً على عدم (اهتمام) الحكومة بالأطفال!!!! من أسبابها عدم وجود مخازن قادرة على حفظ الحليب لمدة طويلة كونها سريعة التلف ، واسباب اخرى تتعلق بالتخصيصات المالية وصعوبة تقبـّل المواصفة العراقية لمعظم أنواع الحليب المستورد .
ان ارتفاع أسعار علب حليب الأطفال أدى الى إثقال كاهل المواطن الذي ظل حائرا بين توفير الحليب ذي النوعية الجيدة وبين الأنواع الأخرى التي لا ينصح بها الأطباء
أن سوء التغذية لدى الأطفال في العراق ارتفع بشكل كبير، بسبب قلة استهلاكها لمادة البروتين والحليب ونقص الحديد، الأمر الذي يؤثر بدوره انعكس على نقص وزن الطفل عند ولادته فيولد وهو بحاجة إلى حليب طبي يستخدم لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد والإسهال المزمن نتيجة شرب مياه غير صحية” فأن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية لا يموتون عادة من الجوع، بل من الإسهال الذي يصابون به ، وكان برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء منذ فرض الحصار الاقتصادي على العراق عام 1990 المتضمن توزيع المواد الغذائية الاساسية، وبينها حليب الاطفال بأسعار مدعومة ومنخفضة جدا كان مناسبا الا ان توزيعها شهد تعثرا وتراجعا منذ عام 2003
الى ذلك حذرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) من خطورة الأوضاع التي يعيشها أطفال العراق، فمنذ الغزو الأميركي عام 2003، وقبله الحصار منذ عام 1990، تشكلت لدى أطفال العراق صور مرعبة , حيث لا يزال حوالي مليون طفل، أي ربع مجموع أطفال العراق، يعانون من سوء تغذية مزمن حسب تقديرات اليونيسيف.
أن واقع الحال يشير إلى أن أطفال العراق مهملون، ولا يجدون الرعاية والاهتمام من المسؤولين في الحكومة، وكذلك من المجتمع والأحزاب والمنظمات وميسوري الحال ورجال الدين، وناشطي المجتمع المدني وشيوخ الدين والقيادات المجتمعية المحلية والعاملين في قطاع الأعمال وفي قطاع الإعلام فجميعهم مسؤولون عن ما يعانيه الطفل العراقي، والمشتغلين في مجالات التعليم والطب والتمريض.
أن ضمان حقوق الأطفال ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل يتطلب جهداً وطنياً مشتركاً يشمل الحكومة والمجتمع المدني والإعلام والمنظمات الدولية ، فمن دون تطبيق صارم للقوانين واستراتيجيات شاملة لحماية الطفل سيظل الأطفال في العراق عرضة للخطر والتهميش، مما يؤثر سلباً في مستقبلهم وفي المجتمع ككل، ويجب أن يكون الاستثمار في الطفولة أولوية وطنية لضمان جيل أكثر وعياً وقادر على الإسهام في بناء مستقبل العراق.
وفي الختام لابد لنا من التأكيد على ان تنفيذ هذه السياسة الوطنية يتطلب جهدا مشتركاً من الجميع , لقد لفت انتباهي ان مبادرة فردية قيمة قام بها الاستاذ الدكتور قاسم التميمي , تدريسي في كلية الطب | جامعة واسط , تخصص طب الاطفال , بتخصيص جزء من موارد عيادته لشراء مستلزمات للأطفال الذين يراجعونه ليوزعها عليهم بين الحين والاخر, ومنها سلع ثمينة كالدرجات الهوائية بأحجام مختلفة حسب عمر الطفل وبماركات اجنبية مميزة , فكانت هذه المبادرة الخيرة , قد ادخلت السعادة في قلوب الاطفال المرضى واولياء امورهم معا .
د. راجي العوادي
اكاديمي وكاتب عراقي مستقل