صدرت هذه المجلة الشهرية عام 1955 في موسكو باقتراح ومبادرة من الكاتب الروسي السوفيتي كاتايف (1897 – 1986) , والذي اصبح اول رئيس تحرير لها . وهي مجلة ادبية – فنية مصوّرة للشباب السوفيتي , وكلمة ( يونّست) بالروسية تعني مرحلة الشباب , مرحلة ( الصبا والجمال !) , و هذه المجلة تختلف كليّا عن بقيّة المجلات الادبية الروسية الاخرى (التي يسمونها السميكة , او ( الثخينة) كما ترجمها مرة احد الطلبة العراقيين المرحين في موسكو) , اذ ان تلك المجلة تمتاز فعلا بالرشاقة , وهي الصفة الاساسية لمجلة ( يونّست ) , رشاقة ( الصبا والجمال ) , رشاقة نصوص الشباب ومواضيعها , والتي كانت تبتعد – وبشكل واضح المعالم – عن المفاهيم الصارمة والحازمة( لقوانين!) الواقعية الاشتراكية والبطل الايجابي ( المعلّب !) وغيرها من تلك المفاهيم التي اختفت تقريبا الان من الواقع الروسي , ولكنها كانت سائدة ومسيطرة – وبقوة – في الاجواء الفكرية السوفيتية آنذاك , وليس من باب الصدفة ابدا , ان المجلة ظهرت بالذات عام 1955 , اي في بداية المرحلة الفكرية السوفيتية الجديدة , التي يسمونها في تاريخ الفكر الروسي – ( مرحلة ذوبان الجليد ) , والتي حدثت بعد وفاة ستالين عام 1953 , والمرتبطة بالوقائع المعروفة والتغيّرات الجذرية التى أعقبت ذلك الحدث النوعي الكبير في مسيرة دولة الاتحاد السوفيتي وقيادتها السياسية والحزب الشيوعي الحاكم فيها وتاريخ الادب والفن الروسي بشكل خاص , ومسيرة كل الشعوب السوفيتية عموما.
عندما التحقنا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو بداية الستينيات في القرن الماضي لاحظنا هذه المجلة بيد بعض الطلبة الروس , ولاحظنا ايضا الاهتمام غير الاعتيادي من قبلهم بتلك المجلة , الا انهم كانوا يتجنبون الحديث عن المجلة معنا- نحن الطلبة الاجانب – اذ لم يتحرر الانسان السوفيتي آنذاك من الخوف و التوجس والحيطة و الحذر من كل اجنبي مهما يكن موقفه السياسي , خصوصا وان الحديث عن هذه المجلة بالذات كان يجب ان يتناول حتما السمة الجديدة لهذه المجلة واتجاهاتها الفكرية , وهو موضوع حساس ,و قد يضطر السوفيتي ان يقول بعض الافكار الممنوعة او شبه الممنوعة في اطار المجتمع السوفيتي في تلك الاوقات . وانتبهنا كذلك الى شعار تلك المجلة المتميّز, وهو الرسم التخطيطي الجميل على غلافها ( يمثّل وجه فتاة شابة) , هذا الرسم التخطيطي البسيط والمدهش الجمال في آن , والذي اصبح شهيرا ومعروفا في الاتحاد السوفيتي لدرجة , انه تم رسمه كشاهد على قبر ذلك الفنان التشكيلي الذي رسمه , وهذا يعني طبعا كيف كان هذا الفنان التشكيلي يفتخر بلوحته التخطيطية تلك , ويمكن القول , ان رسم اللوحة على شاهد القبر يعدّ ظاهرة نادرة جدا في تاريخ الفنون التشكيلية ليس فقط في روسيا , وانما في العالم ايضا .
هدف المجلة هو البحث عن الاسماء الادبية الشابة الجديدة في دنيا الادب الروسي , وقد نفّذ رؤساء تحرير المجلة هذه المهمة تنفيذا مبدعا, وهم من كبار الادباء في الاتحاد السوفيتي انذآك , مثل كاتايف , الذي اقترح تأسيسها كما ذكرنا اعلاه , وهو رئيس تحريرها منذ سنة التأسيس 1955 الى عام 1961 , وبوريس بوليفوي ( من عام 1961 الى عام 1981) , واندريه ديمينتيف ( من عام 1981 الى عام 1992 ) , وغيرهم . اما اذا استعرضنا اسماء الادباء الذين ظهرت نتاجاتهم على صفحات تلك المجلة , فسيكون من الواضح لدينا , كيف ساهمت هذه المجلة في اغناء الادب الروسي آنذاك , فقد نشرت نتاجات يفتوشينكو واكسيونوف وفوزنيسينسكي واسكاندر وفوينوفيتش وليونوف وغيرهم , والذين يعتبرون الان من ابرز الاسماء الادبية بروسيا في القرن العشرين , وليس فقط في روسيا , وهي اسماء معروفة حتى للقراء العرب , الذين يتابعون الادب الروسي باللغة العربية فقط .
هذه بعض الكلمات عن مجلة يونّست, اما الكلمة الختامية عنها , فانها تتناول اعداد النسخ التي صدرت لهذه المجلة , اذ ان عدد النسخ من اي مطبوع هو دليل واقعي ملموس يبيّن المسيرة الحقيقية لذلك المطبوع . اعداد النسخ لمجلة يونّست كانت كما يأتي – في عام التأسيس 1955 كان عدد النسخ 100 الف نسخة , وبعد ثلاث سنوات , اي في عام 1958 اصبح 300 الف نسخة , واستمر هذا العدد بالازدياد , اذ ان المجلة اصبحت تجسّد روح الشباب السوفيتي وتطلعاته نحو التغيير , وقد وصل عدد النسخ المطبوعة عام 1989 رقما مذهلا وهو 3 مليون و100 الف نسخة ,الا انه انخفض عام 1991 الى مليون , وهو العام الذي شهد انهيار الاتحاد السوفيتي , وبعد هذا الانهيار , تراجعت اعداد النسخ , واصبح عام 1994 – 33 الف نسخة , واستمر بالتراجع واصبح 6500 نسخة فقط عام 2015 , ثم اصبح 3500 نسخة فقط عام 2019 . لقد انتهى عصر هذه المجلة بانتهاء الدولة السوفيتية , حيث كان الشباب متعطشا لاي كلمة تعارض ولو بشكل غير مباشر تلك المفاهيم الصارمة في الادب والفن وكل ممنوع مرغوب كما يقال , اما في روسيا الان , فان الوضع اصبح مختلفا تماما , وعلى الرغم من ان مجلة ( يونّست ) لازالت تصدر , الا انها لم تعد لسان حال الشباب , كما كانت في السابق…