تمثّل بعض القنوات الفضائية الإخبارية العراقية خاصة ( الوطنية المستقلة) انعطافاً حاسماً في مسيرة الإعلام العراقي ونقلة نوعية في مستوى الأداء الإعلامي وأن تقدم خدمة إخبارية تقوم على أسس مهنية احترافية أسهمت في إعادة الاعتبار للتغطية الإخبارية التي تعتمد منظومة قيم إخبارية تحاول أن تقدم الحدث انطلاقاً من القوة الذاتية للحدث ودلالاته وتداعياته وباتجاه أن يصب هذا التقديم في إغناء المجرى التفاعلي للمشاهد العراقي بالحدث وخدمته وليس في خدمة المجرى الرسمي الحكومي أو الرؤية ( السياسية ) الرسمية للحدث ،وقد نجحت هذه الفضائيات من خلال تغطيتها الاخبارية ذات الطابع التحليلي والتفسيري من خلال التقارير الاستقصائية والبرامج الحوارية والمواد الوثائقية في تقديم قراءة معمقة للأحداث الأمر الذي أسهم في إغناء النسق الفكري للمشاهد العراقي خاصة ، ونجحت هذه الفضائيات في تقديم رؤية عراقية للأحداث وفي تخفيف احتكار الحكومة للمعلومات وسيطرتها على مصادرها مدخلةً بذلك عنصراً جديداً على الحياة السياسية العراقية ومربكةً بذلك الجهود الحكومية لفرض الرقابة أو التعتيم أو الرأي الواحد كما يحصل ألان في القنوات الوطنية العراقية المستقلة وهي لاتتعدى اصابع اليد الواحدة ومعروفة للمشاهد ، ولكن في الطرف المقابل هناك العديد من القنوات العراقية ذات (التمويل الحكومي الرسمي والسياسي الديني) تمتلك تقنيات متطورة أكثر من غيرها تجعلها قادرة على تقديم خليط غير متجانس من المواد الإعلامية تؤدي إلى تشويش المشاهد العراقي أذ يقدم هذا الخليط بغلاف إعلامي براق يؤدي إلى إبهار المشاهد وشل إحساسه النقدي وتعتمد هذه القنوات على قوة مالية تمكنها من المنافسة وهي تتمتع بعلاقات متشابكة بعضها ظاهر وألاخر خفي ( باطني) مع جهات وقوى متعددة محسوبة على الوطن تدعو إلى مزيد من الحذرفي مشاهدتها وإن ملكية بعضها تعود إلى شخصيات ليس لها تاريخ أعلامي او سياسي او اي نشاط ثقافي أخر معروف بل هي مجرد وسائل وواجهات جديدة لضمان استمرار الهيمنة الرسمية ( السياسية) بطريقة ذكية وغير مباشرة لغرض تنفيذ مهمتها في نشر الغسيل السياسي الايراني او الخارجي الاخر، وإن ظهور بعض الأصوات والقوى السياسية والدينية على شاشاتها ليس سوى مجرد ديكور لتحقيق درجة أعلى من التمويه أو لتصفية حسابات سياسية ،وقد استطاعت السياسة الاعلامية في ظل حكومة السيد المالكي الاولى والثانية الى تسيييس معظم هذه الفضائيات ذات النكهة العراقية لصالح أجندة ( التحالف الوطني) الحاكم كما استطاعت أن (تمذهب) هذه القنوات بدلاً من أن تضع محور جهدها الرئيس في إغناء الفكرالوطني العراقي والديني الخلاق لغرض الإسهام في تعميق القيم والمثل العليا ونشر الثقافة والوعي ولغة المحبة والسلام والتأخي والبناء وتفعيل التقاليد والاعراف الشريفة أذ ساهمت هذه القنوات الطائفية في تعميق الشرخ وزيادة الفجوة والتقسيم والمحاصصة ومن هنا فإن الخشية بدأت تفرض نفسها وخاصة إزاء التطورات السياسية الراهنة في العراق ، وأصبحت هذه الفضائيات ( السياسية الدينية) إلى خنادق ذات طابع مذهبي مسيَّس وضيِّق من شأنه أن يضيِّع فرصة التلاحم الوطني وتماسكه لذلك ندعوأبناء شعبنا العراقي الى التدقيق والرصد والتعمق والتحليل في ما تعرضه هذه القنوات ذات الطابع الطائفي والمذهبي حتى نضيع عليها فرصتها الهدامة وبالتالي سنزيد من الجهد الوطني الفاعل الذي يؤدي الى المساهمة في عمليات البناء الوطني العام .