22 ديسمبر، 2024 12:28 م

“تريد عنب لو چتل الناطور!”
جاء في القرآن الكريم: “وسخر لكم ما في السمٰوات وما في الأرض” وهي خير دليل أن خالقنا، لم يدعنا في المعمورة دون توفير متطلبات الحياة، وجعلها بمتناول أيدينا، وقطعا هي لا تنفد حتى لو تضاعف سكان الأرض أضعافا مضاعقة. وجاء أيضا: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”. وورد في الحديث الشريف: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”. وأنشد شاعر:
إذا وُليتَ أمر قوم ليلة
فاعلم بأنك عنهم مسؤول
ولعل آيات وأحاديثَ في هذا الجانب، تتطلب منا مجلدات لدرجها، وأظنها كافية وافية في الوعظ والإرشاد والتوجيه، بل والأمر بالامتثال لها كذلك. غير أن أكثر بني آدم “للحق كارهون” ولاسيما الذين يترأسون جماعة أو قوما أو شعوبا ودولا، إذ هناك بعض المسؤولين والرعاة وأصحاب الأمر والنهي، ومن يمتلكون حق البت والحكم في صنع القرار، على دراية بأعداد المرؤوسين الذين يعيشون تحت خط الفقر بألف درجة، ولم تصلهم رائحة أمل حتى لو حصل ألف تبديل في هيكلة حكوماتهم، فالمسؤولون يهيمون في وادٍ غير ذي نفع لشعوبهم، والأخيرون لا مناص لهم ولا خلاص من تردّي أوضاعهم يوما بعد آخر وعاما بعد عام، وقد أتعبهم ضنك العيش وضيق فسحة الأمل.
في بلدنا العراق نهران، يفيضان حبًا وخيرًا وعطاءً، وتتنوع خيراته فيما تحت الأرض وفوقها، ومع كل هذا لم يلمس العراقيون أية نقلة نحو الأحسن في مستوى معيشتهم، بل على العكس، فمنذ تولي الدكتاتور صدام وحزبه زمام أمور البلد، بدأ الخط البياني للعيش ينحدر نحو هاوية سحيقة، وأضحى المواطن يصطبح بالأمل ويمسي بخيبته، وهذا دأبه في حياته منذ الربع الأخير من القرن المنصرم، حتى التبس عليه مفهوم العيش الكريم بمفهوم العوز والفاقة، وسعيد حظ من وصل حد الكفاف واكتفى به مطلبا وحلما وأمنية، فهو لم يرَ كرامة العيش طيلة عقود، ففضلا عن حقبة الدكتاتور، كانت قد تعاقبت على جَلده حكومات منذ عام 1963ولم يشم رائحة الطمأنينة والأمان خلالها، فانّى له إدراك فحواهما وكنههما.
ولو وضعنا الحكومة الأخيرة -حكومة السوداني- على محك الأفضل والأكفأ والأحسن، في إدارة شؤون البلاد، فالحق يقال أن بصيص النور الذي أتانا من كوّة ضيقة بداية تسمنه مقاليد الحكم، بدأ يزداد تألقا وتوهجا يوما بعد يوم، وإنجازا بعد إنجاز، وهذا الرأي يشاركني فيه كثيرون بل كثيرون جدا، من المراقبين والمحللين والمنظرين، في أداء دوره كرئيس وزراء مقارنة بغيره، فخدمة المواطن وضعها في أولويات اهتماماته، بدءًا من استحداث بنى تحتية تخدمه، إلى تحسين الوضع الصحي والتعليمي، والالتفات إلى ما تلكأ من مشاريع، وما أُغلق منها، وما أُجل العمل بها، وهي جميعها تصب في خدمة المواطن، وإن تمّت على أكمل وجه، يكون السوداني قد سجّل اسمه بأحرف من ذهب، مخطوطة على كل حجر أساس وضعه في بناء البلاد وإعمارها.
وبما أن قول الحق يفرض نفسه في كل مقام ومحفل ومقال، فإنه يتطلب من قائله الجرأة والإقدام دون مخافة لومة لائم، وما دام إظهار الحق وإحقاقه غايته المنشودة، يكون حريا به الالتزام بما يُنسب للإمام علي (ع): “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه”.
إن أغلب العراقيين ما عادوا يأبهون بشخص حاكمهم، مادام مقبولا تاريخا وسيرة ونزاهة وخبرة، فإن أراد (الرحمة لوالديه) عليه وضع نفسه بأحس ما ظنه شعبه به، وبغير هذا سيكون “بعض الظن إثم” وستتحول الرحمة لوالديه إلى ما لا يسرّه ويسرّ والديه.
[email protected]