23 ديسمبر، 2024 2:42 م

بعض الدروس من انتفاضة مصر العظيمة

بعض الدروس من انتفاضة مصر العظيمة

تابع العالم كله التطورات الكبيرة التي حصلت في مصر منذ انتفاضته المظفرة في 25 يناير  ضد أقوى دكتاتورية في المنطقة العربية بعد حكم دام أكثر من ثلاثين عام هو حكم (محمد حسني مبارك)، وانهياره السريع بطريقة سلمية. وفي الوقت نفسه نجحت انتفاضات في بلدان عديدة عربية والتي سميت بـ (الربيع العربي) والحقيقة أن أسلوب النضال الجماهيري السلمي لاستبدال الأنظمة الدكتاتورية والتوليتارية يبدو أنه ليس نهاية المطاف، بل هو بداية التغيير، وخطوة تحتاج إلى مواصلة النضال من أجل خلق أنظمة مدنية ديمقراطية حقيقية تضمن التداول للسلطة، وليس حكومات أسوء من التي سبقتها بكثير، هدفها تنفيذ مشاريع متخلفة لا تنسجم مع واقع شعوبها، وغايتها إقصاء الآخر واستبعاده بل محاولة تصفيته جسديا، متجاهلين دور الآخر في حياة البلد الاقتصادية والسياسية والثقافية، وكونه جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، وخير مثال (الأقباط المصريين)، وغيرهم من الشرائح المذهبية والدينية والفكرية. ظنت هذه الأنظمة التي وصلت للسلطة بغفلة -أو نتيجة للأخطاء التي ارتكبت من قبل القوى المدنية- أنها قادرة أن تتحكم بمصير شعوبها كيف ما تشاء! فسلكت طريقا سيئا لا يفضي سوى إلى حتفها، فتلاعبت بالدستور وزيفت القوانين، ولم تستجب إلى رأي الحريصين على وحدة البلد وتقدمه ورفعته، فتراجع كل شيء، وزاد الفقير فقرا والحليم قهرا وأصحاب الفكر تهميشا، ولم يكن في بال الحاكم الجديد، أن الملايين التي هزمت النظام السابق قادرة على هزيمته وأتباعه، وأن الاحتماء بالشرعية لن تفيده شيئا فشرعية الشعب أقوى وهذا ما يجب أن يتعلمه كل حاكم إذا حكم … والتجربة المصرية أفرزت لنا أنموذجا راقيا ورائعا ينبغي استخلاص الدروس منه، بعد دراسة معمقة لما حصل وسوف يحصل مستقبلا سواء على صيد القوى التي خسرت المعركة، أو القوى التي شرعت في تنفيذ مشروعها لبناء دولة مدنية عصرية يعيش في ظلها الجميع دون إقصاء مهما كانت درجة الاختلاف  الفكري والسياسي أو المذهبي أو العرقي . وهي تجربة لها خصوصيتها تتمثل بـالدروس الآتية:
1- أول درس: يمكن أن نستقيه منها هو أن الانتفاضة مصرية وطنية لم تتلق أي دعم خارجي وبأي شكل من الأشكال.
2- الدرس الثاني: وحدة الصف تحت هوية واحدة هي الهوية المصرية حيث اختفت تماما الطائفية والإثنية والحزبية الضيقة وانصهرت في بوتقة الخلاص من الحكم الطائفي والمشروع المتخلف.
3- الدرس الثالث: دور القوات المسلحة المشرف سواء في حماية المنتفضين وبحيادية تامة .أو تدخله في إنقاذ البلاد من حرب أهلية لا يعرف عقباها.
4- الدرس الرابع: تدخل الجيش لم يكن الهدف منه الاستيلاء على السلطة وإقامة حكم عسكري كما كان سائدا في كل الانقلابات العسكرية، إنما هو (انقلاب الرحمة) كما يطلق عليه في علم السياسة، فبعد مداولات طويلة بين محمد مرسي رئيس الجمهورية  وبين عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع رفض الأول الاستجابة للمطلب الجماهيري بإجراء انتخابات مبكرة. وبعد انتهاء المهلة المقرر 48 ساعة الممنوحة للجميع لغرض حل الأزمة، دعا السيسي نخبة من ممثلي الشعب: الأزهر والكنيسة وقوى الشباب والقوى السياسية وبعض المثقفين ورسموا خارطة طريق مصر المستقبلية. وتم ذلك في وضح النهار وأمام عيون العالم وليس كما كان الأمر الذي يدبر ليلا .
5- الدرس الخامس: إن هدف التغيير ليس الإقصاء والحضر وإلغاء الآخر، من يقصى فقط  هو من يستعمل الطرق غير السلمية للتعبير عن آرائه السياسية… والتحريض على القتل والدعوة للعنف.
6- الدرس السادس: إن الشعب المصري لم يجعل من نفسه حقل تجارب، تستغرق سنوات من التضحيات والخسائر الكبيرة، واكتفى بسنة من الحكم اكتشف خلالها اعوجاج المسيرة، واستشرف المستقبل المظلم للبلد، فانتفض على قاعدة ظروف موضوعية وذاتية تتمثل الواقع الاقتصادي  المتردي وبهذا الاستياء العارم وبوجود قوى طليعية منظمة  لثورة الجماهير… هذه الظروف وغيرها كانت  أساسا لنجاح الانتفاضة.
7- الدرس السابع : إن عدم التصدي لقوى النظام السابق ومرتزقته الذين يمارسون القتل أو التحريض عليه، سيجعل الثورة في خطر، فينبغي التفريق بين الحراك السلمي للتعبير عن الرأي وبين ممارسة العنف واستخدام الوسائل اللاسلمية لقتل الإنسان وتخريب منشآت الدولة.
8- الدرس الثامن: اعتراف المعارضة بأخطائها التي أدت إلى خسارتها في الانتخابات السابقة وفي مقدمتها عدم التركيز على مرشح واحد مقبول. ورفعها بعض الشعارات غير الصحيحة بخاصة الموقف من الجيش. ومما يحسب لها أنها قد تجاوزت هذه المواقف والأخطاء سريعا، واندفعت باتجاه تجميع القوى لصالح مشروع الدولة المدنية العلمانية.
9- الدرس التاسع: الحكمة في معالجة ردود فعل القوى الرافضة للتغيير والمتمثلة بـأنصار الرئيس المخلوع والذي رفض التنازل عن السلطة والمساهمة في التهيئة لانتخابات مبكرة استجابة لإرادة غالبية الشعب المصري، لا يتم فيها تهميش أي طرف بما فيهم تياره المتمثل بحزب الحرية والعدالة  وجماعة الأخوان. وسمح لهم بممارسة النشاط السلمي الجماهيري العلني في التعبير عن اعتراضهم أو رفضهم للشرعية الشعبية. لكنهم ارتكبوا الجرائم وأوقعوا خسائر بالأرواح والمنشئات، فتصدى لهم الجيش والشرطة، فألقى القبض على  كل مذنب ارتكب جريمة أو حرض على ارتكابها وإحالته للمحاكم وفقا للقوانين.