أنتج الواقع العراقي؛ مفارقات في غاية الغرابة، ولم يخطر ببال أحد حجم تناقضها، وبين المأساة والضحك على الذقون؛ مساحات واسعة من المكابدات والمصائب، ومصائب أغلبية عند قلة فوائد، وقلة في حساب أغلبية وحوش في إفتعال المصائب؟!
فَشَلَ قلّة أغبياء في إدارة ما أوكل إليهم، ولم تسلم الأغلبية من كوارث همجيتهم وإستحمارهم، وتجاوز مناهجهم خطوط الإنسانية بجميع ألوانها؟!
يخطر ببال أيّ متتبع لمجريات أحداث العراق، أن ما يحدث من تراجع وتردي في واقع الإنسان؛ ناتج من فعل همجي لا ينم عن عقل بشري، وتجاوز الوحوش في مواقف عدة، وتبين أن الفساد يؤدي الى وحشية الإرهاب وثقافة الإفتراس، وكلاهما في غاية عنجهية وإستبدادية أحادية أنانية، تترفع عن فعلها كثير من الحيوانات التي تعبر عن وفائها لصاحب نعمتها؛ لكنها لم تفكر في يوم ما أن تتسلم زمام قيادته؟!
تتكرر كل يوم في العراق أفعال إجرامية، ومن يتمعن في أدواتها ونتائجها؛ لا يستنتج سوى أيادي جرمية لا تنتمي لصنف الإنسانية؛ حيث لا تفرق بين صديق وعدو، ولا إنسان أو حيوان وممتلكات، ولرب فاجعة صغيرة؛ في عين صاحبها كبيرة.
أجهش شاب بالبكاء، وهو مضرج بالدماء بين ضحايا أحد الإنفجارات الإجرامية في بغداد، وظهر وهو يحتض حماره الذي مات بشضية قطعت أنفاسه، وشوهد الشاب يصرخ ويقول: كيف أعود الى البيت وأنت لست معي، كيف أجابه الحياة وأنت مصدر رزقي؟! من يحمل أرغفة الخبز الى أطفالي بعدك، ومن أين تأتيني الدنانير بغيابك؟! لقد فقتني بالتضحية، وها أنت تموت دوني، وقد كنت تأكل اليابس؛ لتجعل من أطفالي يأكلون الطريّ، كنت تنام في العراء لوحدك وأنا أحتضن أطفالي، ولم تفارقني الى أخر لحظة، فأيّ حيوان حمار هذا الذي فعلها وفجر نفسه وقتلك مع الأبرياء؟!
يتسائل صاحب الحمار هذا؛ عند عرض جريمة قصاب يذبح الحمير ويبعها في الأسواق، ويردد في نفسه بأن هذا القصاب غبي لا يعرف منافع الحمير، أو أنه حمار توحش ويذبح أبناء صنفه؟! وكيف سمحت له نفسه بذبح خير معاضد للمواطن العراقي في أيام محنته، وفي شدته ورخاءه؛ حتى لا يدخر جهدا عند الإعياد بحمل الأطفال، وجريمة ذبح الحمار كبيرة، من المؤكد أنها مثل الفساد تقف خلفها رؤوس كبيرة؟! وليس غريب إذا كان البشر يذبح بعضهم بعضا، ومنهم من صار حمار أو كلب مسعور أو أفعى أوخنزير، وحيتان في العراق تعيش على الأرض، وترتدي الملابس الأنيقة، وتتكلم بلغة الرأفة والمواطنة؟!
إن العراقيين يقولون في مثلهم: “لحم الخروف معروف”، كونهم يدققون كثيراَ عن شراء اللحوم، ويميزون البقر من الأغنام، ولا يمكن لقصاب حمير أن يمرر بضاعته في أسواقهم؛ إلاّ على أولئك اللذين لا يسألون عن مصدر طعامهم، ويتذوقون طعم صفقاتهم قبل بيعها؟!
الأخطاء الكبيرة ناتجة من غباء رؤوس كبيرة؛ مشكلتها أنها تأكل ولا تسأل عن مصدر طعامها، وتقتل ولا تكلف نفسها بدفن ضحاياها؟!
جريمة قصابة الحمير كبقية جرائم الفساد المحمية برؤوس كبيرة،، لذلك عند مقارنة المأكول والمفعول، لا يشك أحداَ بأن بعض الساسة أكل رؤوس الحمير ومص كوارعها، لذلك نرى بعضهم حمير سياسية، أو يتصرف بسياسة الحمير، ويقف في منتصف طريق الإصلاحات، لكن مهما طالت خدمة الحمير؛ لا يمكنها في يوم ما أن تقود الشعوب الى الحياة؟!