13 أبريل، 2024 3:27 ص
Search
Close this search box.

بعض التوقعات والتكهنات عن المرحلة القادمة في العراق

Facebook
Twitter
LinkedIn

لكي نتمكن بموضوعية من استقراء المستقبل القريب للعراق خلال المرحلة القادمة لا بد من دراسة وتحليل أبعاد الظروف إجمالاً واستحضار الأجواء التي سادت مرحلة إجراء الإنتخابات البرلمانية وما بعدها الى الوقت الحاضر والتي تمثل بمجموعها فصول المسرحية السياسية في العراق . ألفصل الأول منها والذي شمل مرحلة الإعلان عن نتائج الإنتخابات وما صاحبها من لغط وممارسات وتأويلات وإتهامات وتناقضات ، ( وأبطالها رؤساء الأحزاب والكتل وجهات ومنظمات وغيرها ) ، وفصلها الثاني بأحداثه المكوكية والهزلية التي تمخض عنها إنتخاب رئيس البرلمان ومساعديه ، وفي فصلها الثالث الذي تم خلاله إنتخاب رئيس الجمهورية الذي عكس الجانب الهزلي من المسرحية برمتها ، لتختتم المسرحية بتسمية عادل عبد المهدي لتولي منصب رئاسة الوزراء .
المشاهد العادي لهذه المسرحية الهزلية ( أي المواطن العادي الساذج ) سيخرج مبتسماً ومقتنعاً بأن هذه المسرحية أسعدته وخففت عنه ضغوطات الحياة . ولكن المشاهد الناقد لهذه المسرحية الهزلية ( أي المواطن العادي الواعي ) سيخرج ممتعضاً ونادماً ورافضاً لجميع فصول المسرحية بمؤلفيها ومنتجيها ومخرجيها ، وحتى من وفر لهم المسرح لعرض المسرحية .
ووفق كل المعطيات خلال الفترة السابقة ، وكذلك معطيات المراحل التي تلتها ، فإن أهم الأمور المتوقعة التي ستحدث في العراق خلال الفترة القادمة إعتباراً من الآن ولغاية الستة أشهر القادمة على الأقل هي الآتي :
أولاً : إن سياقات العملية السياسية التي جرت في الدورة الرابعة لا تختلف جوهرياً عن السياقات والتجارب السابقة ، نفس الوجوه ونفس الأشخاص ( وليس الشخصيات ) هم المتحكمون باللعبة وتحريك الدمى وفق سيناريوهات تتبناها عقول وأفكار جامدة بعيدة عن العصر وتائهة في معتقداتها القديمة هدفها الأساسي هو الإستقتال من أجل تحقيق أقصى المكاسب سواء على المستوى الفردي أو الحزبي أو الفئوي وليس من أجل الوطن . وهذا ما يمكن ملاحظته من ممارسات معظم الأشخاص ورؤساء الأحزاب والكتل سواء في مجال إنتخاب أعضاء مجلس النواب أو رئيس النواب ومساعديه أو في مجال إنتخاب رئيس العراق أو تسمية رئيس الوزراء .
ثانياً : إن القوى الفائزة بالإنتخابات البرلمانية ، والمؤثرة باللعبة السياسية التي ستحدد مستقبل العراق في المرحلة القادمة ، هي تلك القوى التي جميعها تمتلك أجنحة مسلحة فاعلة ومؤثرة في سير العملية السياسية سواء كانت تلك الأجنحة المسلحة ذات إنتماء وولاء شبه وطني أو محلي أو ذات إنتماءات وولاءات خارجية . وهذا يعني ان المفهوم الحقيقي للممارسات الديموقراطية غير مطبق أساساً وأن قوة السلاح ( بجانب قوة المال ) هي الفيصل الحاسم للقرارات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي ستسود خلال المرحلة القادمة . وبالنتيجة فإن تلك القوى المسلحة هي التي ستفرض أجندتها على حساب الدستور والقوانين والأنظمة . وبذلك يصبح الحكم في العراق فعلياً حكم مليشيات تحت مظلة نظام ديموقراطي بالإسم فقط لدولة اسمها العراق .
ثالثا : ستكون معظم مفاصل الدولة الحيوية المتعلقة بالجوانب الأمنية والمالية والمادية في عموم العراق تحت سيطرة تلك الأحزاب التي تمتلك قوة السلاح والمال بشكل مباشر أو غير مباشر . إن بساطة ومحدودية تفكير وثقافة معظم اللاعبين السياسيين هي التي ستحدد واقع ومستقبل العراق ، وبالتأكيد نحو الأسوء .
رابعاً : من الطبيعي ستتنافس جميع القوى التي تمتلك أجنحة مسلحة على الأستحواذ على أكبر نصيب من المنافع المادية والمعنوية معاً. والمنافع المادية هي عبارة عن مواقع نفوذ ومنافذ لتعزيز قوة المال من مختلف المنافذ التي تَخَلَّق المال . وسوف يتم تقاسم المنافع في بداية المرحلة باتفاقات غير معلنة ، إلا إن محدودية الموارد أمام الأطماع غير المحدودة لتلك القوى المتنفذة سيقودها ، بالنتيجة ، الى الصراعات المحتدمة وصولاً الى إنتشار حالات الإختطاف والإغتيالات ، وقد تصل الى مواجهات مسلحة بين الفصائل المتنافسة .
خامساً : إن عدم الإدراك الصحيح والجهل في قراءة المشهد السياسي من قبل معظم القوى المتحكمة في الشأن العراقي بخصوص إنتخاب رئاسة العراق سوف تؤدي بالتأكيد الى مشاكل وتبعات سيندم عليها الجميع . وسوف يرتبك الوضع السياسي بشكل عام وتتعمق المشاكل بين المركز والإقليم بدلاً من تخفيفها ومعالجتها . إن مراهنات القوى السياسية على انشقاقات البيت الكردي لتحقيق اهدافهم واجنداتهم الآنية تعكس مدى الجهل السياسي لتلك القوى لعدم ادراكهم بتبعات تلك المراهنات .
سادساً : سوف لن تصمد حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي طويلاً ، ليس بسبب عدم كفائته فهو شخصية ذو خبرة سياسية وعقلية اقتصادية جيدة تؤهله لقيادة العراق ولكن بسبب المشاكل الداخلية المتراكمة والظروف الداخلية والخارجية المعقدة والتي سوف تقيد تحركاته كثيراً . المشاكل الداخلية متشعبة وعميقة تتعلق بتردي الخدمات عموماً سواء ما يتعلق بالماء والكهرباء والصحة والتعليم وما الى ذلك من ناحية وإعادة إعمار المدن المخربة وتنشيط القطاعات الإقتصادية ومعالجة البطالة من ناحية اخرى . إن معظم تلك الأمور هي في الحقيقة حاجات يأمل جميع المواطنين تحقيقها آنياً أو على المدى القصير ، وهذه مسألة شبه مستحيلة لأسباب إقتصادية أولاً والتي تتعلق بمحدودية الموارد امام الحاجات الكثيرة المطلوبة ، ولأسباب سياسية ثانياً نتيجة سيطرة معظم المليشيات المسلحة ( تحت أي مسمى ) وبعض القوى العشائرية ذات التسليح المؤثر وبعض العصابات على العديد من مفاصل الدولة التي تدر موارد مالية كبيرة وجميعها بحاجة إليها من أجل ديمومة وجودها وتوسعها على حساب الوطن وحسب أهدافها وأساليبها الخارجة عن القانون أصلاً .
سابعاً : سيمر العراق بسبب الفوضى السياسية بأصعب ظروفه خلال المرحلة القادمة والمواطنين سيكونون هم الضحية ( بإستثناء قيادات وكوادر وأعضاء المنظمات الحزبية وكوادر الأجهزة الأمنية والمليشيات المسلحة والعصابات والمافيات ورجال الأعمال ومن يملك المال أو الموقع الوظيفي المتميز ) . أن خطورة هذه المرحلة تتجلى بجملة حقائق ستنال كلاً من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بالحقائق التالية والتي يمكن إجمالها بالآتي :
١- ستمر السلطة التشريعية بعد فترة لا تتجاوز الستة أشهر بمرحلة من الصراعات والتناقضات في المواقف يتبعها حملة واسعة من المواجهات والتسقيط الرخيص بين معظم ممثلي المكونات في البرلمان . وسيكون السبب في ذلك هو عدم وضوح الرؤى والتوافق بشأن العديد من القوانين والتشريعات المطلوب تفعيلها . كذلك إستحالة البرلمان من أخذ أي موقف وطني إتجاه التوغل التركي في الأراضي العراقية ، أو إتجاه التواجد العسكري الأمريكي في عدة مناطق من العراق ، أو النشاطات العسكرية المباشرة وغير المباشرة من القوات المسلحة الإيرانية في مختلف مناطق العراق ، بالتأكيد سيلتزم برلمان العراق الصمت أو المراوغة في الطروحات . كذلك سيتخبط مجلس النواب في قراراته بشأن إقليم كردستان وتداعيات إنتخاب رئيس الجمهورية في ضوء المشاكل المعقدة التي ستنشأ بين الإقليم والمركز .
٢- المشكلة ستكون في السلطة التنفيذية التي ستتولى إدارة الدولة بقيادة عادل عبد المهدي . هذه السلطة ستكون الواجهة المسئولة عن النجاح والإخفاق في البرنامج الحكومي . السلطة التنفيذية ستفشل منذ البداية بتحقيق أبسط المتطلبات التي يحتاجها المجتمع ، كيف ستعالج مشكلة الكهرباء ومشكلة المياه ومشكلة الصحة ومشكلة التعليم ومشكلة البطالة ومشكلة الأمن وكيفية إعادة إعمار المدن الخربة ومعالجة البطالة المستفحلة وتنشيط الإقتصاد بموارد محدودة نسبياً ، كذلك ما ذا بشأن موقف السلطة التنفيذية مع السلطة التشريعية والقضائية بخصوص ملفات مهمة ومصيرية أستغفل العراقيون فيها على مدار السنوات السابقة ، ملفات الفساد وملف سقوط الموصل وملف إسبايكر وملفات لا تحصى من الإغتيالات التي نالت أشخاص أبرياء ، لا أعلم كيف سيواجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كل هذه المتناقضات .
بالتأكيد سيفشل بسبب عدم تملكه للسلاح والمال معاً . والأهم من كل ذلك مسألتين مهمتين ستواجه رئاسة الوزراء ، أولها كيفية التعامل مع قرارات أمريكا إتجاه إيران من ناحية ، وكيفية التعامل مع القوى المتحكمة بالمشهد السياسي عموماً .
٣- الشيء الوحيد فقط في المشهد العراقي خلال المرحلة القادمة هو قيام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعد مرور ستة أشهر على الأقل من تسنمه مهام رئاسة مجلس الوزراء بتقديم إستقالته من رئاسة الوزراء وسيتبعها فوضى سياسية لا يعلم أحد أبعادها .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب