19 ديسمبر، 2024 12:19 ص

بعضا حول هتلر وصدام حسين – 4

بعضا حول هتلر وصدام حسين – 4

طعنة الخنجر وغوغائية الدعايه
كانت هزيمة المانيا فى الحرب العالمية الاولى كارثيه للجميع. دولة ومؤسسات وشعبا واحزابا من كل الاتجاهات السياسيه وكان راى قيادة الجيش ان تجرى مباحثات مع “الاعداء”, حكومة جديده وفقا للنقاط, الـ 14 التى وضعها الرئيس الامريكى والتى تقضى بانهاء النظام القيصرى ووقف اطلاق النار. بعد الانتصارات التى تحققت فى بداية الحرب تفتحت فى الحشود الشعبيه شهوة الغنيمه, بالاضافة الى الوحده الشعبيه والشعور بالمصير المشترك الذى افرزته الحرب, ولكن ادامة سنين الحرب افرز ثانية التناقضات الاجتماعيه القائمه. كانت المعانات النفسيه والبدنيه قد سحقت السكان حيث بدأ التفكير والاهتمام الذاتى بالمصير الذى يمكن ان ينتهى اليه المرء. جاء عقد فرساى الذى فرض العقوبات والالتزام بدفع تعويضات عن الاضرار الهائله التى ادانت المانيا فى اندلاع الحرب, بالاضافه الى تقليص حجم الجيش القيصرى وتحديد نوعية السلاح. كانت فرنسا التى تسعى الى تحجيم المانيا وشل قدراتها كى لا تستطيع اشعال الحرب ثانية. ان جناحا واسعا من الصناعيين وكبار موظفى الدوله وجنرالات الجيش بالاضافه الى القيصر فلهلم الثانى ومجمل الاحزاب اليمينيه والشعبويه تتطلع لما يسمى مكانا “نحو الشمس”. انهم ينطلقون من مساهماتهم فى الحضاره العالميه وصناعاتهم المتطوره والثقافه الرصينه واسلوب الحياة الالمانيه التى تجعل منهم مؤهلين لعالم اوسع كالذى يتمتع به الانكليز من مواقع نفوذ ومستعمرات عديده يستغلون موادها الاوليه واسواقها التجاريه. ان هذا القطاع يمثل الاتجاه الفكرى والمادى للاستعمار الالمانى والذى يحمل الرفض للساميه والذى سوف يلعب دورا فعالا فى تحشيد الاتجاهات اليمينيه واحزابها والتى سوف تشكل القوة الفعالة فى الاطاحه بتشكيل ما يعرف بـ ” جمهورية فايمار” والتى تعرف ايضا بالثوره التى تكونت بعد الحرب وهروب القيصر الى هولنده. ان حكومة الجمهوريه الجديده تمثل ائتلاف الوسط ووسط اليمين والليبراليين وبقيادة الحزب الاشتراكى الديمقراطى الالمانى- اس .ب. ده. S P D وهو من اقدم الاحزاب الالمانيه وله مواقفه التاريخيه فى بناء الدوله ومصالح الطبقه العامله.
توقفت الانتصارات التى حققتها الجيوش الالمانيه فى السنوات الاولى للحرب, وقد عقدت القيادة العسكريه على المعركه الحاسمه حول فرنسا امالا كبيره فى تغيير مسار الحرب, ولكن هجوم الحلفاء, خاصة الامريكان بالدبابات والذى استطاع الدخول حوالى 60 كم خلف خطوط الجيش الالمانى قد سبب خسائر فادحه وكان له اثرا سلبيا كبيرا فى نفوس الجنود والمجندين, هذا بالاضافه لحصول حالات تمرد وامتناع عن تنفيذ الاوامر من قبل قطاعات للقوات الالمانيه وظهور مؤشرات انحلال وضعف فى صفوف القوات الالمانيه التى تطالب بوقف اطلاق النار واحلال السلام. هذا بالاضافه الى تقديم طلب وقف اطلاق النار من قبل حلفاء المانيا, تركيا, النمسا, بلغاريا وهنغاريا. هذه الحاله فرضت نفسها على قيادة الجبهه الغربيه بقياده الجنرال الفيلد مارشال هندنبورغ ومساعده الجنرال لودندورف الذين كانوا على بينه بخسارة الحرب ولكنهم من لم يستطيعوا الاعتراف بالهزيمه علنا ولكنهم ,الفيلد مارشال هندنبورغ والجنرال لودندورف, قدموا طلبا الى القياده العليا للقوات المسلحه فى 29. 9. 1917 طلبا ملحا لوقف اطلاق النار وفقا لمبادىء الرئيس الامريكى ولسن الـ 14, ان القياده العسكريه, بشكل خاص المارشال هندنبورغ ومساعده قرروا ان لايتهم بها الجيش الالمانى المنتصر دائما, وانما تتحمل مسؤليتها الحكومه التى سوف تتولى امور البلد بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار و معاهدة فرساى لاحقا. المارشال هندنبورغ هذا الذى يحضى بمكانة كبيرة كعسكرى كبير, اصبح لاحقا رئيسا للجمهويه استمر فى تفكيره وولائه للنظام القيصرى ولم يكن ديمقراطيا يوما من الايام, ابتدع, نقلا عن جنرال انكليزى, من ان الجيش لم يخسر الحرب فى المعركه وانما طعن بالخنجر فى الظهر من قبل القوى السياسه فى الداخل, الاشتراكيين الديمقراطيين, الليبراليين والبولشفيين واليهوديه العالميه ان الجنرال الانكليزى رفض هذه المقوله التى نسبت اليه رفضا قاطعا, هذا يعنى ان هذا التحول المفاجىء للقوات المسلحه فى وضع الحرب كان نتيجة الخيانه التى احيكت ضده. هكذا تكونت اسطوره,”ضربة الخنجر فى الظهر”, والتى سوف تعمل على تجميع المشاعر والقوى من مختلف الوان وتشعبات اليمين المتطرف والشعبوى وجنرالات الجيش , جناح الاستعمار الالمانى الذى كان داعيا للحرب ومتطلعا نحو مكان تحت الشمس, هؤلاء جميعا وجدوا قاعدة يمكن العمل عليها معا ضد الجمهوريه الفتيه ومحاولة اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل الحرب. ان ” طعنة الخنجر فى الظهر” تمثل واحد بالغة التأثير من نظريات المؤامره التاريخيه الفعاله.
ان جمهوريه فايمر وحكومة اليمين الوسط بقيادة الحزب الاشتراكى الالمانى تعتبر اول محاوله حقيقيه لبناء النظام الديمقراطى فى المانيا, الا انها ولدت فى خضم احداث جسام, كوارث قوميه ومشاعر مضطربه متفاقمه واحساس بانتكاسة الكبرياء القومى, ولم يكن من السهل لها ان تكسب تأيد الجماهير , بعد ان اخذت الدعايه مدارات كبيره اتهمتها بتوقيع اتفاقية العار والذل واخذت تصوير العهد القيصرى بالمثاليه واتهام الجمهوريه باسباب ومخلفات الحرب وما يحصل فى المانيا. من ناحية اخرى فان تقليص عدد الجيش وتحويل الاقتصاد الى الانتاج السلمى قد زاد من اعداد العاطلين والناقمين, واخذت الامور تزداد تعقيدا يوما بعد يوم, حتى ان , حزب الشعب الالمانى القومى الذى يضم المحافظين من كل الاتجاهات اعلن انتمائه وشريعية النظام القيصرى, ويؤكد ان هذا النظام الجمهورى يستحق الذل والاهانه يجب ان ينتهى بالحجاره التى يرميها علية الشعب الالمانى . لقد اخذ التوتر يتصاعد ووصلت الحاله للحرب الاهليه حيث قامت القوات الفرنسيه بمشاركه قوات بلجيكيه فى احتلال منطقة الرور و ذلك لتلكأ الحكومه فى تسديد كميات الخشب والفحم المفروضه فى اطار العقوبات الاقتصاديه.
لقد عملت احزاب اليمين المتطرف والشعبويين من كل الاتجاهات بدعم من كبار الصناعيين فى اساليب دعائيه معروفة واضحه, الا ان اسلوب الدعايه التى استخدمها حزب العمال الاشتراكى القومى الالمانى بقيادة هتلر كانت من عالم اخر لما فيها من الغوغائيه والديماغوغيه والتطرف والاتهام والشتيمه, وليس هذا فحسب وانما الاسلوب الذى اخذ الحزب الذى ما زال هامشيا والذى لا يختلف كثيرا فى اهدافه عن بقية احزاب التطرف, فى اسلوب استعراضهم وتقديم انفسهم للشارع والمواطنيين والى اصبحت احاديث الساعه فى مدينة ميونيخ, على الرغم من محدودية الحزب فقد كان الحضور يمثل حشود جماهيريه, كانها حفلات ومناسبات شعبيه يسود فيها الازدحام والضجيج بالاضافة الى الاعلام والبدلات العسكريه, موسيقى المارش والموسيقى العسكريه, الاغانى الجماعيه والاهازيج وليس اخير استهلاك كميات كبيره من البيره التى تعتبر المشروب الالمانى المفضل. جانب اخر يكمل الصوره فى محتواها وابعادها, المعارك والنزاعات المباشره مع “الاعداء” الذين يخالفونهم الرأى التى تتطور الى صدامات عنيفه, خاصة ان تشكيله من الحزبين الذين لهم خلفيه وخدمة طويله طويله فى الجيش وكانوا مستعدين لاعمال ارهابيه وكانوا يقتحموا المكاتب ويخربوا الاجتماعات والاحتفالات التى يقيمها الاعداء, ميليشيا SA ما يسمى فريق الحمايه. هذه الاجراءات وسلوك العنف والقوه يقدم صورة واضحه حول الاستعداد والقوة والثقه والقدره على التنفيذ والعمل وكان هذا ما بحتاجه اليه شرائح واسعه من الشعب الالمانى. كانت خطابات هتلر الموجهه مباشرة للجمهور والتى تمثل نوعا فريدا فى الخطابة القائمه على دور مسرحى ودرامى, يقدمه هتلر باندفاع وحماس وانفعال وثقة عاليه عالية بالنفس, يلهب الحضور التى تتطلع اليه, تنصت اليه وتتابع حركاته والتعبيرات التى تصدر عنه. كانت خطاباته حزمه كبيره متجدده من الافتراءات والاتهام والتهكم والسب والشتيمه والانتقاص من السياسيين وتحملهم الاوضاع الحاليه لالمانيا, ويسمع الحضور ما هم بحاجة اليه, م يضمد ويخفف الجروح والمعاناة والمستقبل المجهول , خاصة الرفض القاطع لمعاهدة فرساى والعقوبات الماديه المفروضه والخيانة الكبرى بضرب الجيش, المنتصر دائما, بالخنجر من الخلف ز والخطاب يتكلل اخيرا بعد الااعاد والتكرار من سيطره اليهور على المانيا وخطر الصهيونيه العالمية والبلشفيين.