27 يوليو، 2025 10:35 ص

بعد 73 عامًا على انقلاب 23 يوليو 1952 في مصر سقط الملك، وولد الجنرال

بعد 73 عامًا على انقلاب 23 يوليو 1952 في مصر سقط الملك، وولد الجنرال

في مثل هذا اليوم قبل ثلاثة وسبعين عامًا، استيقظت القاهرة على بيان مقتضب أذاعه ضابط شاب من الجيش المصري، يُعلن فيه إسقاط النظام الملكي. كان ذلك فجر 23 يوليو 1952، التاريخ الذي سُجّل في الذاكرة العربية بوصفه لحظة فارقة، قيل إنها حرّرت مصر من الاحتلال والفساد، وأطلقت شرارة “التحرر القومي”.

لكن بعد أكثر من سبعة عقود على ذاك التحول، يلوح السؤال بصيغته الأخطر : هل كان انقلاب يوليو انتصارًا للحرية، أم إعلانًا لميلاد الجمهورية العسكرية التي لا تزال تحكم مصرحتى اليوم؟

 

لم يكن جمال عبد الناصر، الرائد الشاب حينها، مجرد مشارك في الانقلاب، بل كان العقل المدبر الفعلي له، وصاحب الخطة والمنهج والهدف.

إلى جانبه، تشكلت نواة من الضباط الطموحين الذين حملوا اسم “الضباط الأحرار”، وكانوا من صغار ومتوسطي الرتب، أما اللواء محمد نجيب، فقد اختير ليكون واجهة الانقلاب، يضفي عليه شيئًا من القبول الرسمي والشعبي، قبل أن يتم إقصاؤه لاحقًا حين باتت السلطة في قبضة ناصر وحده .

وهكذا، تشكّل منذ اللحظة الأولى ازدواج بين الصورة المعلنة والواقع الحقيقي للسلطة .

 

الانقلاب لم يُسقط النفوذ البريطاني دفعة واحدة، بل بدأ بمفاوضات مطولة، واستمر التواجد العسكري البريطاني في قناة السويس حتى عام 1954. لكن يمكن القول إن 23 يوليو كان بداية النهاية للهيمنة البريطانية في مصر، وإن لم تكن قطيعة تامة في لحظتها. وفي المقابل، استثمرت السلطة الجديدة هذا “النصر الرمزي” لبناء مشروع سياسي داخلي، سرعان ما تحوّل إلى دولة مغلقة، لا تقبل الشراكة ولا المعارضة .

 

اللافت أن شعارات الضباط الأحرار في بدايتها كانت مشروعة :

القضاء على الإقطاع، العدالة الاجتماعية، تحرير الاقتصاد، بناء جيش وطني، وإنهاء حكم الأسرة العلوية .

بعضها تحقق بصورة جزئية، كما في قانون الإصلاح الزراعي، وتوسيع التعليم المجاني، وتحديث البنية الإدارية للدولة .

لكن الآليات البيروقراطية واحتكار القرار أفرغت تلك الإصلاحات من جوهرها، وتحولت من أدوات للتحرير إلى وسائل للضبط والضبط المضاد، فحلّت أجهزة الأمن محل النقابات، والحزب الواحد محل التعدد، والخطابة محل الفعل .

 

الجماهير المصرية، منذ الأربعينيات، كانت تطالب بإصلاح حقيقي، لكنها لم تطلب عسكرة الدولة ولا احتكار السياسة .

كانت تريد التحرر، فوجدت نفسها بعد سنوات أمام نظام يقايضها على الحرية باسم الوطن .

لم يكن إلغاء الأحزاب وحل البرلمان وتحويل الصحافة إلى منابر تمجيد، إلا بداية لبناء دولة بوليسية صارمة، على الطريقة الستالينية .

زعيم لا يُناقش، جهاز أمني لا يُراقب، وشعب يُستدعى للهتاف لا للاختيار .

 

منذ تلك اللحظة، دخلت مصر عهدًا جديدًا لم يعرف فيه المدنيون طريقًا إلى السلطة .

جمال عبد الناصر، ثم أنور السادات، فحسني مبارك، وصولًا إلى عبد الفتاح السيسي ، الكل من أبناء المؤسسة العسكرية .

وحده محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، لم يُسمح له بإكمال ولايته، وأُقصي بانقلاب عسكري جديد في 2013، بما يؤكد أن انقلاب يوليو لم يكن حدثًا عابرًا، بل تأسيسًا لبنية سياسية كاملة تستند إلى قوة الجيش وتستبطن منطق السيطرة لا المشاركة .

 

لقد أرادت مصر في لحظة يوليو أن تتحرر من التاج البريطاني، لكنها وضعت رأسها تحت قيادة العسكر .

تحررت الأرض، لكن الإنسان بقي أسيرًا. تحققت بعض مطالب العدل الاجتماعي، لكن على حساب كل أشكال الحريات .

سقط الملك، لكن المَلَكية عادت بأزياء جمهورية وألقاب ثورية .

 

بعد 73 عامًا، يمكن القول إن انقلاب 23 يوليو لم يكن فقط انقلابًا على نظام ملكي متآكل، بل كان ، ربما دون قصد من بعض أصحابه ، انقلابًا على الديمقراطية الوليدة، وعلى فكرة الدولة المدنية، وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها دون وصاية من بندقية .

ما بدأ بوعد، انتهى بوهم .

وما رُفع باسم الجماهير، اختُزل لاحقًا في شخص الزعيم وجهاز المخابرات .

إنها الثورة التي أسقطت الملكية، وأقامت على أنقاضها جمهورية الجنرالات .

أحدث المقالات

أحدث المقالات