لم يكن العراقيون يدركون بعد 14 عاما على سقوط الصنم في ساحة الفردوس وإعلان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن من على منصة خشبية وُضعت وسط حاملة الطائرات ابراهام لينكولن ما عُرف لاحقاً بالوعود الأميركية الأربعة للعراق (الأمن، الحرية، الرفاه، الديمقراطية)، في مستهل خطابه الذي أعلن فيه “النصر وانتهاء معركة تحرير العراق”، ان تكون الأوضاع في بلادهم بهذا السوء بسبب انعدام الخدمات وانتشار الفساد والبطالة وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية وهو ما جعل المحتفلين بيوم التاسع من نيسان يراجعون حساباتهم، ويعيدون النظر بالوعود التي أطلقها ساسة التغيير ومن جاء برفقة القوات الأميركية، ونتيجة للسياسة الخاطئة وعدم قدرتهم على إدارة البلاد بالصورة التي تحقق تطلعات المواطن الذي انتظر أكثر من 35 عاما للخلاص من سلطة البعث القمعية التي ادخلت البلاد بحروب احرقت الأخضر باليابس وعزلت العراق عن محيطه العربي والاقليمي، كما ساهمت سياسة احزاب السلطة الْيَوْمَ، بالتشويش على استذكار شهادة المرجع الديني محمد باقر الصدر كونها ارتبطت بيوم وصولهم للسلطة.
وهنا لابد من تسميت الأشياء بما تستحقه من تسميات لائقة، فاحزاب السلطة لا تتحمل وحدها مسؤلية عدم احتفال غالبية العراقيين بيوم التاسع من نيسان، كوّن الأميركان ساهموا بشكل كبير بإضاعة الفرحة بهذا الْيَوْمَ من خلال الأخطاء التي ارتكبوها بحق الشعب العراقي ولعل أكثرها فداحة حينما أعتبر بوش الابن قوات بلاده قوات احتلال فهو بدلا من ان يفعل كما فعل اسلافه الأنكليز من قبل ويعتبر نفسه محررا وليس محتلا ليجعل من التواجد الأميركي في العراق مرحبا به، لكن ان يعتبر نفسه محتلا فهو امر صعب الأستساغة لدى المواطن العراقي الذي يمتلك جذورا بدوية تجعله يرفض الخضوع والعيش تحت رحمة الأجنبي، جميع تلك الأسباب جعلت من ذكرى التاسع من نيسان مناسبة غير محببة لدى غالبية العراقيين وليس جميعهم فهناك من يحتفل بهذا الْيَوْمَ ويدعو لجعله عيدا وطنيا، صحيح ان أميركا خلصت العراقيين من كابوس كان يجثم على صدورهم لكنها لم تكمل جميلها وجاءت بساسة اكثر فسادا من صدام وحاشيته.
فالظروف التي يعاني منها العراق الْيَوْمَ ليست أفضل مما كانت قبل 2003، وباعتراف العديد من المعارضين لنظام صدام حسين وخاصة من أعضاء مجلس الحكم الانتقالي الذي شكله الأميركيون بعد دخول بغداد وضم 25 عضواً، فبعضهم أعلن في أكثر من مناسبة ندمهم على المشاركة في هذا المجلس وترحيبهم بالقوات الأميركية، ليغادروا العراق مرة اخرى الى بلاد المنفى، وبحسب بعض الإحصاءات والارقام المسربة من المؤسسات الحكومية عن حجم الدمار والخسائر خلال السنوات التي اعقبت التغيير في العراق، والتي أظهرت مقتل نحو 430 ألف عراقي وإصابة 620 الف مواطن منذ عام 2003 وحتى مطلع عام 2017 الحالي، اضافة الى وجود 3.4 ملايين مهجّر خارج العراق موزعين على 64 دولة عربية وأجنبية، إضافة إلى 4.1 ملايين مهجر داخل العراق من بينهم 1.7 مليون يعيشون في معسكرات ومخيمات في محافظات عراقية مختلفة.
كما سُجل وجود 5.6 ملايين يتيم تتراوح أعمارهم ما بين شهر واحد إلى 17 عاماً، فضلا عن تدهور الاقتصاد بشكل كبير حيث بلغت مجمل الديون العراقية 124 مليار دولار لصالح 29 دولة يضاف إليها صندوق النقد الدولي وستشركات نفط غربية وديون نادي باريس أبرزها الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والكويت اضافة الى ملفات الفساد المستشارية في حميع موسسات الدولة، كل هذا يجعلنا امام سؤال واحد، الى أين يتجه العراق بعد 14 عاما على سقوط الصنم؟.
نقلا عن العالم الجديد