8 أبريل، 2024 4:39 ص
Search
Close this search box.

بعد هيروشيما وتشيرنوبيل .. العراق الأكثر تلوثا في المنطقة

Facebook
Twitter
LinkedIn

25.666 ألف حالة إصابة بمرض السرطان في العراق أحصتها منظمة الصحة العالمية خلال عام واحد فقط ، فيما أوردت جريدة الوفد المصرية تقريرا لها في يوليو من عام 2017 قالت فيه إن مستشفى الإشعاع والطب الذري في بغداد تستقبل (12000) حالة سنويا تقريبا ، وهو رقمٌ لم يبلغه أي بلد في العالم سوى اليابان بعد إلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في أغسطس عام 1945 ، بحسب وصف الصحيفة .

أرقام مفزعة لم تؤهل العراق لتعلن فيه حالة إنذار تستنفر من خلالها الجهود لمعالجة آثار كارثة باتت تعصف به وتختطف أرواح أبنائه ، ولم يكن الأمر ليثير الشك والريبة قبل أن يختفي اسم العراق من قائمة أكثر دول العالم تلوثا ، وهو ما يوحي بوجود تواطؤ للتعتيم على ظاهرة تعد بالأصل من المسلمات في ظل ما تعرضت له البلاد طول ثلاثة عقود مضت من هجمات اعتمدت سياسة الأرض المحروقة .

ففي تقرير أصدره موقع ” EcoExperts ” نهاية العام 2017 قال فيه أن دول الخليج هي الأكثر تلوثا في العالم وفي مقدمتها السعودية ثم الكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات، وسلطنة عمان، ثم تركمنستان وليبيا وكازاخستان وترينيداد وتوباغو ، ورغم أن حصيلة الضحايا والوفيات في العراق كبيرةٌ نسبيًا في المنطقة بسبب التلوث بأنواعه ، إلا إن أسمه لم يدرج ضمن إحصائيات رسمية خشية الحرج على ما يبدوا من وجوب إيراد عناوين المتسببين به وهم معروفون ، فلطالما تبجحوا بنوع الأسلحة والقذائف وكمياتها التي استخدمت خلال الحرب على العراق منذ عام 1991 وحتى عامنا هذا .

اليورانيوم الذي ألقي على العراق يعادل 250 قنبلة ذرية
عقب غزو العراق، كشف الخبير “سكوت بيترسون ” خلال تقرير نشرته صحيفة “كريستشن ساينس مونيتور” في عام 2003 عن وجود تلوّث إشعاعي ناجم عن مخلّفات حربيّة لأسلحة اليورانيوم في بغداد ، مشيراً إلى أنه يفوق الحدود المسموح بها دوليّاً بما يتراوح بين ألف وعشرة آلاف ضعف.
وفي محافظة البصرة جنوبي العراق فاقت نسبة التلوث الإشعاعي هناك الـ130 في المائة في حين يجب أن لا تتجاوز النسبة الـ 0.3 بالمائة بحسب تصريح لعضو مجلس المحافظة “مجيب الحساني” نهاية عام 2017 ، مبيناً أن نسبة التلوث في قضاء الزبير هي الأعلى في المدينة ، وهو ما أكده رئيس اللجنة الأمنية في البصرة “مهدي ريكان” والذي قال إن عشرات آلاف الأطنان من الحديد الملوث إشعاعيا موجودة في مزرعة خلف المدينة الكرفانية بقضاء الزبير غربي المحافظة ، كاشفا عن تسجيل حالات سرطانية وتشوهات ولادية في المناطق السكنية القريبة من تلك المكبات ، ولم يسلم حتى النبات والحيوان حيث تخطّت مستويات الإشعاع فيهما قرابة الـ 14 مرّة عن الكميّة المعتمدة معياراً للسلامة من قبل منظمة الصحة العالميّة .
وإلى الشمال الغربي من البصرة وصولا إلى مدينة الفلوجة والتي استخدمت القوات الأميركية فيها أسلحة محرمة دوليا كالفسفور الأبيض خلال المعركتين الأولى والثانية بعد عام 2014 ، وثقت مستشفيات المدينة عدد الأطفال المشوهين خلقيّاً للعام المنصرم فقط بـ(215) حالة ثم تليها محافظتي ذي قار وميسان من حيث حصيلة تشوهات الأجنة .
أما في ديالى غرب بغداد ، كشفت مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة في كانون الثاني عام 2018 عن تسجيل ( 650 ) إصابة بالسرطان منذ عام 2013 وحتى اليوم وكانت نسبة الأطفال منها تبلغ 12 بالمائة ، محذرة من ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بأمراض عدة خلال السنوات الأخيرة .
وإلى أقصى شمال العراق وصولا إلى محافظة دهوك فقد أعلنت مديرية الصحة هناك في الأول من شباط عام 2018 أن المحافظة شهدت العام الماضي تسجيل ) 954 ) حالة إصابة بمرض السرطان .
البروفيسور الكندي “هاري شارما” نشر عام 2008 بحثاً ذكر فيه أن أكثر من 100 ألف مدني في البصرة أصيبوا بالسرطان بين عامي1991 – 1998 كان 75 في المائة منهم أطفالاً ، كاشفا عن أن ما بين 5 و 12 في المائة من الذين تعرضوا للإشعاعات قد يموتون خلال عشرين عاماً أو أقل ، ولكن أخطر ما قاله شارما في بحثه هو أن الأطباء لاحظوا عقب عام 1991 حصول تغير جذري في فترة “كمون” وهي المدة الزمنية الطويلة منذ بدء التعرض وحتى ظهور المرض وتسمى طبياً بـ(Latent period) مبينا أن الأمراض التي كانت فترة ظهور أعراضها بين 15- 45 سنة ، أصبحت بتأثير استخدام اليورانيوم المنضب ما بين عشرة أشهر وخمس سنوات ، وهو أشبه ما يمكن وصفه بالجريمة المنظمة .
ويضيف الكاتب أن العقدين الأخيرين شهدا انتشارا للأمراض السَرطانيّة في المجتمع العراقي على نحو كارثي، وبلغت الإصابات أكثر من مليون إصابة ، وما زال العدد يرتفع باستمرار ، ويموت من هذه الإصابات سنويا ما يتراوح بين 10 آلاف و12 ألف شخص، فضلا عن عشرات آلاف الإصابات والوفيات سنويا غير المسجلة.
حجم الإصابات يتوافق مع ما أوردة سابقا تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2005 والذي قدّر عدد المواقع الملوّثة بأشعة متأتيّة من أسلحة يورانيوم مُنضّب في العراق بما يزيد على 1000 موقع ، موزعة على سبع محافظات ، فيما اعترفت على خجل وزارة البيئة العراقية بوجود نحو 363 موقعا ملوثا يحتاج إلى مليارات من الدولارات وعشرات السنين لمكافحته ، وهو تلوث نجم عن استخدام قوات التحالف الدولي لأسلحة تحوي كميات قدرت بـ 1500 – 2100 طناً من اليورانيوم بحسب تصريح رئيس قسم إدارة البيئة بالأكاديمية العربية في الدنمارك الدكتور “كاظم المقدادي” عام 2009 ، وفي كتاب صدر عن منظمة المجتمع العلمي العربي والذي تناول موضوع التلوث الإشعاعي في العراق ، وردت فقرة فيه أشارات إلى أن اليورانيوم المنضب الذي استعمل في العراق يساوي في ذريته ما يعادل 250 قنبلة ذرية. ، وهي كارثة ما زالت تداعياتها مستمرة في ظل الفوضى العارمة في البلاد ، فقد حذر مجلس محافظة بغداد مؤخرا من وجود 50 معملا لصهر المعادن تستخدم فيها مواد مشعة ومسرطنة محظورة .

كل راكب سيارة في العراق يحتاج 27 شجرة لتزويده بالأوكسجين
تعددت أنواع التلوث في العراق حتى تشوهت بيئته بشكل ملحوظ ، وفي دراسة حديثة نشرت في “المجلة العلمية لتقييم ورصد البيئة” وجدت أن التلوث الحاصل في الهواء بسبب القنابل والشظايا في العراق يعتبر سبباً بارزاً لحدوث تشوهات خلقية وارتفاع بنسبة أمراض السرطان في الأطفال ، ويقول أحد باحثي التقرير بعد تحليل أجراه على أسنان الأطفال العراقيين المصابين بتشوهات ، أن أسنانهم تحتوي على نسبة كبيرة من معدن الرصاص مقارنة بأطفال من بلدان أخرى .
فيما أفاد موقع “نومبيو” العالمي والذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم ، بأن كل راكب سيارة في العراق بحاجة إلى 27 شجرة لإنتاج الأوكسجين له ، وقال الموقع حسب آخر تحديث له في شهر كانون الأول من عام 2018 ، إن ما تخلفه السيارات في العراق من ثاني أوكسيد الكاربون سنويا يبلغ ما نسبته (318.28.2 (kg وهو ما يعني أن كل شخص راكب في السيارة يحتاج (27.03) شجرة لإنتاج ما يكفي له من الأوكسجين ، وأضاف الموقع أن تلوث الهواء في العراق الذي شمل أربعة محافظات، وهي بغداد والبصرة ودهوك وأربيل والسليمانية بلغ ( 73.13 ) فيما تشكل جودة المناطق الخضراء والمتنزهات في هذه المحافظات ما نسبة ( 39.29 ) وهي تعد نسبة منخفضة جداً ، ولا أمل على المدى القريب لتجاوز هذه الأزمة في ظل موجة جفاف ستزداد شدتها في الفترة من 2017 إلى 2026 بحسب تقرير لمنظمة الأغذیة والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة .

كل فرد في العراق حصته نحو لغم أرضي واحد مدفون في الأرض
من مظاهر التلوث البيئي الأخرى في العراق هي مشكلة الألغام التي باتت تؤرق الملايين في مناطق متفرقة من البلاد ، حيث يهدد ما يقدر بنحو 25 مليون لغم مدفون في أراضيه قرابة الـ(2117) تجمعاً مدنياً يعيش فيها قرابة ( 2.7 ) مليون مواطن عراقي بحسب النائب في البرلمان ووزير البيئة الأسبق قتيبة الجبوري.
ووفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة ، يتطلب البحث عن هذه الألغام نحو 19 ألف متخصص في إزالتها ، وهو رقم أعلى بستين ضعفاً من العدد المتوفر حاليا ، ويكشف التقرير أن هذه المهمة تستلزم عشر سنوات على الأقل للتخلص من جميع الألغام.
النتيجة الإجمالية للموت المدفون تحت الأرض والتي توصل إليها مركز إعادة التأهيل البدني التابع لمنظمة الصليب الأحمر في العراق هي أن عدد مبتوري الأطراف بسبب الألغام يتراوح بين 80 و100 ألف شخص ، وما يزيد من خطورة مشكلة الألغام هو عدم وجود خرائط عسكرية توضح مكان انتشار حقول الألغام بدقة .

ذريعة “الأمن القومي” مبرر للتعتيم على كارثة الموت بالتلوث!
معظم دول العالم تولي موضوع التلوّث الإشعاعي اهتمامًا خاصا مع شعور حكوماتها بالمسؤوليّة ، حتى أن بعضها يعلن حال الطوارئ لمجرد وجود شك في حدوث حالة تلوّث ما ، إلا أن الأمر في العراق مختلف تمامًا ، فقد وجدت دائرة التوعية والإعلام البيئي في وزارة الصحة والبيئة مطلع عام 2017 مخرجا لتكتيم الأفواه الداعية لاتخاذ إجراءات عاجلة وفورية تتوافق وحجم الكارثة في العراق ، حيث بررت موقفها بالتعتيم على المعلومات وعدم الإعلان والإفصاح عن المواقع الملوّثة بالإشعاع بأنه يتعلّق بالأمن القومي للبلاد !.

كل هذا وأكثر في عراق اليوم الذي كان في وقت ما يصنف كأفضل بيئة نقية تميز بها لكثرة ما فيه من أشجار نخيل وبساتين منحته تسمية أرض السواد والتي جعلت منه محطة لاذت به أقوام وأمم على مدار العصور ، فاحتضن أقدم حضارات العالم على مر التاريخ والتي وثقت تاريخها ألواح طينية لا صخرية كدلالة على خصوبة التربة التي شقتها آلاف الروافد ونهرين عظيمين وفرا واديا تجاوزت مساحة صلاحية الزراعة فيه نحو 50 مليون دونما أنتج تنوعا من المحاصيل لقلما وجد في بلدان أخرى لوفرة المياه وحسن المناخ وطيب الأجواء ، وامتيازات أخرى باتت تغادره اليوم الواحدة تلو الأخرى لتترك خلفها ارض بور يلفها الجفاف وتسكن شقوق يباسها الوحوش ليتحول العراق من بلد معطاء إلى دولة مسجلة متوفاة سريريًا تستجدي ما يُبقي فيها بعض النبض بعد تسببت سياسة الأحزاب الحاكمة فيه بتعطيل الصناعة والزراعة استجابة لرغبات أجندات إقليمية بحسب ما كشف واقر به عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي رحيم الدراجي .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب