9 مارس، 2024 9:24 م
Search
Close this search box.

بعد قرن من الوجود -الدولة العراقية مهددة بالفناء

Facebook
Twitter
LinkedIn

الجزء الثاني
ذكرنا في الجزء الاول من هذا المقال أن هذه الدولة قد ولدت بناء على رؤية قوى العالم المنتصر في الحرب العالمية الاولى وبعد نضال مرير خاضه أبناء العراق ضد المحتل البريطاني وقلنا أن عامل الارض لهذه الدولة كان ولازال يمثل مشكلة كبيرة لاتتعلق بالحدود فقط وانما بكامل الوجود فالعراق يقع بين دولتين كبيرتين وهما تركيا وايران وهما وريثتان لامبراطوريتين تناوبتا احتلال أرضه خلال الفترة المظلمة من تاريخه وشهدت أرض العراق صراعا بين الدولتين للاستحواذ عليه وقد أستعرضنا جذور التهديد التركي الذي انتهى في حينه باعلان تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15 آذار 1927.
وفيما يتعلق بالجارة ايران (التي كان اسمها بلاد فارس حتى عام 1934) فكانت الحدود المائية في شط العرب هي أس الخلاف بينها وبين الدولة العثمانية وقد بدأ التخطيط الدقيق للحدود العراقية الإيرانية عام 1911 بناء على طلب كل من روسيا القيصرية وبريطانيا واللتين كان لهما أطماعاً استعمارية في المنطقة وفي 1913-1914 تشكلت لجنة من بروتوكول القسطنطينية لتعريف الحدود المعدلة بحيث تكون السيطرة على كامل شط العرب للدولة العثمانية أي أن خط الحدود يطابق الضفة الشرقية للممر المائي عدا في المنطقة المحيطة ببلدة المحمرة (خرمشهر) حيث تتبع خط القعر.
عند قيام الدولة العراقية عام 1921 لم تكن ايران راضية عن نشوء هذه الدولة وكانت تحاول دائما الحصول على مكاسب اقليمية وأرى أن عددا كبيرا من المؤلفين والباحثين قد تناولوا بكثير من التفصيل هذه الفنرة واعطوا وصفا دقيقا لتلك المحاولات وخلصوا الى أن (موقف ايران حيال قيام دولة عراقية حديثة كان سلبيا) ولم تقبل ايران الاعتراف بالدولة العراقية رغم الضغط البريطاني ومحاولات الحكومة العراقية الودية معها وفي 20 نيسان 1929 سافر وفد عراقي للمشاركة في احتفالات تتويج الشاه رضا بهلوي فتم خلال الزيارة اعتراف ايران بالمملكة العراقية في 25 نيسان 1929 وفي اب من نفس العام تم عقد اتفاقية لتنظيم العلاقات بين البلدين في المجالات المختلفة.
في سنة 1934 م قام رضا شاه باستبدال اسم البلاد القديم (فارس) الى ( إيران) أي بلاد الآريين بعد أن ضم كل الأقاليم التي كانت تتمتع بالاستقلال أو بحكم ذاتي مثل عربستان وبلوشستان ولرستان إلى الدولة الإيرانية الجديدة.
في عام 1934 شككت ايران في قانونية كل من معاهدة أرضروم وبروتوكول اسطنبول وتم حل الخلاف عام 1937في معاهدة الحدود الإيرانية العراقية باتباع الخطوط العامة للحدود القديمة ما عدا المنطقة المحيطة مباشرة ببلدة عبادان الإيرانية، حيث نـُقِلت الحدود من الضفة الشرقية إلى خط القعر مثلما حدث حول المحمرة قبل عقدين.
في عام 1941 دعمت حكومة الشاه حركة مايس وكان هدفها التخلص من الوجود البريطاني في العراق لانه كان يمثل قوة للحكومة العراقية في صراعها مع ايران وفي 16 ايلول 1941 تولى محمد رضا الحكم في ايران بعد أن أجبر غزو بريطاني – سوفييتي مزدوج في 25 اب1941 والده رضا شاه على التنحي واقامت ايران في عهد الشاه الجديد علاقات طيبة مع بريطانيا وأمريكا.
في24 شباط 1955 وقع العراق وتركيا اتفاقا عسكريا بينهما وبدأ يستخدم مصطلح (حلف بغداد) وانضمت الى الحلف كل من إيران وباكستان والمملكة المتحدة وكان نوري سعيد أحد مهندسي هذا الحلف من أجل تعزيز علاقة العراق بدول الجوار والحصول على دعم الولايات المتحدة تحت عنوان مواجهة المد الشيوعي وقد انسحب العراق من الحلف في اذار 1959 بعد اقامة النظام الجمهوري في 14 تموز 1958وقد أدى ذلك الى توتر العلاقات مرة اخرى مع ايران وفي هذا السياق فسخت ايران في 19 نيسان 1959 معاهدة الحدود الإيرانية العراقية 1937 ورسمت من جانب واحد حدوداً على شط العرب.
وفي الخامس من تشرين الاول عام 1965 انتقل رجل الدين الايراني المعارض أية الله الخميني من منفاه في تركيا الى مدينة النجف الاشرف ومثل هذا الانتقال حدثا مهما سوف يلقي باثاره على المنطقة والعالم .
بعد 17 تموز 1968 ووصول حزب البعث للسلطة في العراق وفي اوائل عام 1969 م اشتدت الخلافات حول الحدود المائية المشتركة بين البلدين وقد قام النظام في العراق آنذاك بترحيل اعداد كبيرة من الايرانيين المقيمين في العراق في ظروف سيئة جداً وبعد فشل تنفيذ اتفاق 11 اذار 1969 الموقع بين الحكومة العراقية والملا مصطفى البارزاني دعمت ايران الاخير في حربه ضد الحكومة المركزية واستمر العداء بين الطرفين حتى تم ابرام اتفاقية الجزائر في 6 اذار 1975 بوساطة الرئيس الهواري بومدين وفيها تم تقسيم مجرى شط العرب مناصفة بينهما واستقرت العلاقة هادئة حتى بداية انتفاضة الشعب الايراني ضد حكم الشاه في التاسع من كانون الثاني عام 1978والتي كان يحركها اية الله الخميني من منفاه في العراق.
تأزمت العلاقة بين الحكومة العراقية والسيد الخميني مما دعاه في 4 تشرين الأول 1978 الى مغادرة النجف الأشرف متوجهاً إلى الكويت التي امتنعت عن استقباله بعدها قرّر السفر إلى باريس التي وصلها في السادس من تشرين الأول وفي اوائل شباط عام 1979 عاد الى ايران على متن طائرة فرنسية بعد هروب شاه ايران من البلاد يوم 16 كانون الثاني ليتوج ثورة الشعب الايراني باسقاط الحكم الامبراطوري يوم 11 شباط 1979.
ومن ذلك اليوم بدأ صراع من شكل اخر بين البلدين فعلى الجانب الاخر وفي العراق كان صدام يمضي بسرعة للاستحواذ على السلطة وتصفية ابرز القيادات الحزبية وتم له الامر في تموز 1979 عندما تسلم رئاسة الدولة العراقية بازاحة احمد حسن البكر وباعدام معظم اعضاء القيادة الذين كان يشك بولائهم لشخصه أو الذين لم يرغبوا بأن يتولى قيادة العراق في تلك الظروف بعد اتضاح عزمه على محاربة ايران ومحاولة اسقاط النظام الجديد فيها بدعم من قوى اقليمية ودولية.
كان الصراع بين البلدين في ظاهره -قبل هذا التاريخ وبعد ولادة الدولة العراقية – صراع حدود وتقبل النظام الشاهنشاهي في ايران حقيقة وجود الدولة العراقية واحتفظ لنفسه بأذرع في العراق يمكن أن تحركها عند الحاجة لزعزعة الوضع فيه الا أن الامر تغير تماما بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران واقامة النظام الجديد المستند الى نظرية ولاية الفقيه.
في مطلع عام 1970 م شرع السيد الخميني تدريس سلسلة بحوثه حول الحكومة الإسلاميّة أو(ولاية الفقيه) وتم نشر هذه المجموعة من الابحاث في كتاب تحت عنوان (ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلاميّة) ـ في ايران والعراق ولبنان وفي موسم الحج ـ و قد عرض هذا الكتاب ابعاد الجهاد وأهداف النهضة والمباني الفقهيّة والاصولية والعقلية للحكومة الإسلاميّة والمباحث النظرية التي تتناول اساليب الحكومة الإسلاميّة وقد بنى السيد الخميني قاعدة فكرية ضخمة وأتباع ومريدين في العراق مما شكل تهديدا للنظام الاستبدادي فيه الذي قام على اثرها باعتقال او اعدام العشرات من أتباع هذا المنهج.
بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران ظهر مفهوم اخر وهو تصدير الثورة الى البلدان الاسلامية وقد نص الدستور الايراني صراحة على ذلك في فقرة اسلوب الحكم في الاسلام على مايلي (وبالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم.
كما نص الدستور وتحت عنوان الجيش العقائدي على ما يلي (يتركز الاهتمام، في بناء القوات المسلحة للبلاد وتجهيزها، على جعل الإيمان والعقيدة أساساً وقاعدة لذلك. وهكذا يصار إلى جعل بنية جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة تقوم على أساس الهدف المذكور ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والنضال لبسط حاكمية القانون الإلهي في العالم (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم).
لقد تصاعد الصراع بين العراق وايران خاصة بعد تنامي النشاط الفكري والحركي للتنظيمات الموالية لنظام الجمهورية الاسلامية داخل العراق واعلان نظام الجمهورية الاسلامية العداء الواضح للنظام العراقي والتهديد باسقاطه واثر ذلك شن نظام صدام حملة اعتقالات واعدامات طالت الالاف من الشباب والطلبة والكسبة ورجال الدين كما قرر صدام الغاء اتفاقية الجزائر 1975 التي وقعها مع شاه ايران ليمهد بذلك للحرب التي بدأت بعد مناوشات محدودة الى هجوم كاسح على الاراضي الايرانية يوم 22ايلول 1980 ولتستمر الحرب المدمرة ثماني سنوات وتنتهي يوم 8 اب 1988 بقبول ايران بالقرار رقم 598 الصادرعن مجلس الامن الدولي في تموز 1987 بعدما عجز أي من الطرفين تحقيق هدفه في النصر الحاسم أوأسقاط الاخر.

يتبع الجزء الثالث

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب