17 نوفمبر، 2024 3:49 م
Search
Close this search box.

بعد قرن من الوجود -الدولة العراقية مهددة بالفناء

بعد قرن من الوجود -الدولة العراقية مهددة بالفناء

الجزء الاول
كانت بريطانيا تعرف جيدا أهمية العراق وتوجت اهتمامها ذلك باحتلاله أثناء الحرب العالمية الأولى1914-1918 كنتيجة لما وضعته اتفاقية سايكس –بيكو 1916 من تقاسم لتركة السلطنة العثمانية وقد وقف العراقيون مع السلطة العثمانية لمواجهة هذا الاحتلال تحت شعار ان الواجب الديني وواجب الوطن أعز علينا من كرامتنا وحقوقنا التي هضمتها الدولة العثمانية وتقدمت جيوش المجاهدين يتقدمهم رجال الدين وشيوخ العشائر لمقاومة جيش الاحتلال بعد ان تمكنت قواته من احتلال الفاو في 6 تشرين الثاني 1914 ثم احتاجت الى اكثر من سنتين من المعارك والمواجهات للوصول الى بغداد واحتلالها في 11 آذار 1917.
في 15 تشرين الثاني 1918 احتلت بريطانيا الموصل وألحقتها ببقية أراضي العراق التي احتلتها أثناء الحرب وتم هذا خلاف ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية سايكس – بيكومما أثار احتجاج فرنسا التي ما لبثت أن تنازلت عن مطالبتها بالموصل لبريطانيا بموجب معاهدة سيفرالموقعة في 10 آب1920مقابل حصول فرنسا على لواء إسكندرون شمال غربي سوريا.
وقد قضت اتفاقية (مودروس) وهي هدنة ابرمت في 30 تشرين الأول 1918 وانتهت بموجبها الحرب العالمية الأولى إثر هزيمة الدولة العثمانية بفصل معظم أراضي ولاية الموصل بالعراق عن الدولة العثمانية
في عام 1918 قامت ثورة النجف ضد الاحتلال البريطاني وتم قمعها بفوة مفرطة بعدها تم تنظيم استفتاء 1919الذي شاركت فيه قطاعات واسعة من وجهاء المدن وشيوخ العشائر والذي يعد وثيقة مهمة من تاريخ العراق الحديث ويمثل وعيا متقدما لابناء العراق تجاه الاحتلال البريطاني وفرضته الارادة الوطنية لابناء العراق ومراجع الدين حيث وقع الجميع على مضبطة طالبوا فيها باستقلال البلاد العراقية بحدودها الطبيعية عن كل تدخل أجنبي في ظل دولة عربية وطنية يرأسها ملك عربي مسلم مقيد بمجلس تشريعي وطني وتكون هذه الحكومة مستقلة استقلالاً تاماً بلا حماية ولا وصاية أو انتداب .
ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أصبح العراق تحت الانتداب البريطاني، وذلك بقرار من مؤتمر الحلفاء في سان ريمو الذي انعقد في 25 نيسان1920 وكان للعراقيين رأي أخر في ثورة العشرين في 30 حزيران 1920 التي أجبرت قوى الاحتلال على التفكير جديا باقامة دولة العراق وبتشجيع من القوى العربية الحليفة للانكليز على غير ماخططوا له من اخضاع العراق لحكمهم المباشر كما هو الحال في الهند وقد تم ذلك فعلا ولكن الاحتلال جعل هذه الدولة خاضعة للانتداب البريطاني و تشكلت في 25تشرين اول 1920 أول حكومة عراقية مؤقتة برئاسة الشيخ عبد الرحمن الكيلاني نقيب اشراف بغداد وخلال مؤتمر الشرق الاوسط الذي عقدته بريطانيا في القاهرة في اذار 1921 تتوج تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 23 أب 1921 بتنصيب الراحل فيصل الاول ملكا عليها .
لقد كان العراق في حينه يمتلك مقومات الدولة وهي الارض أو الاقليم وهو معروف تاريخيا منذ الاف السنين و الشعب وهو المكون الأهم في ظل وجود الأرض ، أما السلطة أو الحكومة فقد كان العراق مقسما الى ولايات ثلاث مستقلة عن بعضها ومرتبطة مباشرة بالسلطنة العثمانية وقد تم تأسيس الدولة واقامة حكومة واحدة لتضم ولايتي بغداد والبصرة قبل أن يتم ضم ولاية الموصل اليها بضغط شعبي وارادة وطنية فذة وبدعم بريطاني بتوقيع اتفاقية انقرة بين العراق وتركيا عام 1926 -وكما سنبين ذلك لاحقا- وبذلك أصبح العراق دولة كاملة المقومات.
باعتقادي أن الارض والشعب هما المكونان الماديان الاساسيان لوجود الدولة وما السلطة او الحكومة الا هي التعبير الرسمي عن ذلك الوجود ولقد واجهت الدولة العراقية تحديات كثيرة منذ نشأتها والى يومنا هذا وربما اصبحت هذه التحديات حقيقة تهدد وجود وكيان الدولة العراقية بعد مائة عام من نشأتها وهي محور مقالنا هذا.
لقد ولدت هذه الدولة بناء على رؤية قوى العالم المنتصر في الحرب العالمية الاولى وكان عامل الارض مشكلة كبيرة لاتتعلق بالحدود فقط وانما بكامل الوجود فالعراق يقع بين دولتين كبيرتين وهما تركيا وايران وهما وريثتنان لامبراطوريتين تناوبتا احتلال أرضه خلال الفترة المظلمة من تاريخه وشهدت أرض العراق صراعا بين الدولتين للاستحواذ عليه وقد تم استخدام الدين والمذهب لاحقا للوصول لذلك الهدف فتحول الصراع الى نزاعات واصطفافات مذهبية أثرت على وحدة العرب في العراق رغم تمسكهم بأصولهم القبلية والعرقية وبسبب خصوبة أرض العراق وثرواته ووجود المشاهد المقدسة فيه فقد شهدت أرضه استيطان الاقوام القادمة من ايران وتركيا وربما شجعت الدولتان رعاياهما لهذا النزوح من أجل احدات التغيير الديموغرافي فيه.
يتلخص التهديد التركي لوجود الدولة العراقية بموضوع ضم ولاية الموصل للعراق بالضد من ارادة تركيا -رغم ان الموصل ترتبط جغرافيا وتاريخيا ببلاد الرافدين ولا حق لتركيا فيها- فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 أبرمت الدول المتحالفة المنتصرة (معاهدة سيفر) في يوم 10 آب 1920 وتقاسمت بموجبها أراضي الدولة العثمانية، وأعطت معظم القوميات غير التركية في الدولة العثمانية استقلالها، ولكن الأتراك رفضوا هذه المعاهدة وخاضوا حربا شرسة ضد الحلفاء وقد حققوا انتصارا كبيرا خلال حرب 1922-1923.
وفي أعقاب ذلك عُقد (مؤتمر لوزان) الثاني وتم توقيع (معاهدة لوزان) يوم 24 تموز 1923 بين القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى (خاصة بريطانيا وفرنسا ) والإمبراطورية العثمانية وتضمنت كثيرا من المضامين وأهمها إعادة النظر في وضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، كما قضت بتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من تشرين الثاني عام 1914.
لكن تركيا ظلت تطالب بإعادة الموصل إلى سيادتها حتى بعد إلغاء معاهدة سيفر والتوقيع على معاهدة لوزان 2 والتي نصت على أنه إذا فشل التفاوض المباشر بين تركيا والعراق في حل القضية في أسابيع فعندئذ تحال القضية إلى عصبة الأمم للبت فيها، وهذا ما حدث.ونشأ نتيجة ذلك ما أصبح يسمى (مسألة الموصل) والتي تدخلت بها عصبة الأمم وبذلت مساع لتسويتها بالتراضي إلا أنها لم تستطع فاتخذت العصبة في 16كانون الأول 1925 قرارا بعودة الموصل إلى العراق .
ثم دخلت بريطانيا والدولة العثمانية في مفاوضات ثنائية لحل نزاعهما بشأن الموصل أسفرت عن توقيع (اتفاقية أنقرة) بين الجانبين والمملكة العراقية بالعاصمة التركية يوم 5 أيار عام 1926.
ومن أهم مضامين اتفاقية انقرة:
– تبعية ولاية الموصل للعراق وتنازل تركيا عن أي ادعاءات بشأنها.
– ترسيم الحدود بين البلدين بشكل نهائي طبقا لما يسمى “خط بروكسل” واعتبارها غير قابلة للانتهاك
– حصول تركيا على نسبة 10٪ من عائدات نفط كركوك في الموصل لمدة 25 سنة
– إعطاء تركيا حق التدخل العسكري في الموصل وشمالي العراق لحماية الأقلية التركمانية القاطنة هناك إذا تعرضت لأي اعتداء، أو لحق بوحدة الأراضي العراقية أي تخريب.
وأعلنت تركيا اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15 آذار 1927 كما أصبح قرار عصبة الامم بضم ولاية الموصل للعراق نافذا في 3 تشرين الثاني 1932.

يتبع الجزء الثاني

أحدث المقالات