أم أن التدخل مرتبط بعوامل جيوسياسية وعسكرية تقتضي البقاء حاليا..؟؟ (تحليل أولي)
تصنّف المؤسسة العسكرية التركية الأراضي الجنوبية المحاذية لحدود تركيا وبالتحديد شمالي إقليم كردستان العراق( بأنّها ذات إهتمام عسكري وأمني وتخضع للرصد والمتابعة والمراقبة الإستخباراتية ).. واستمر هذا الوضع حتى عام 1991 حيث شهدت تلك المناطق انسحابا للقوات العراقية أدت إلى نشوء فراغ للسلطة أقلق السلطات التركية خاصة بعد تسلل جماعات كردية معارضة إلى المنطقة وأصبحت منطلقا للقيام بعمليات عسكرية على الحدود وداخل العمق التركي ..
هذا الوضع المعقد دفع تركيا إلى عقد اتفاقية مع النظام السابق تسمح للقوات التركية التوغل داخل الأراضي العراقية إلى مسافة 10-15 كم لملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني واستنادا للاتفاق جرت العمليات الآتية:
1. عمليات الفولاذ الأولى في عام 1992 وشارك فيها 15 خمسة عشر ألف جندي تركي.
2. عملية الفولاذ الثانية في عام 1995 وهي الأضخم وشارك فيها 35000 خمسة وثلاثون ألف جندي تركي أي ما يعادل فرقة عسكرية كاملة.
3. عملية المطرقة وشاركت فيها مجموعة من الألوية التركية المقاتلة.
رافق العمليات تغيير مهم في التصنيف العسكري التركي وهو توسيع المجال الحيوي للأمن القومي التركي إلى خارج الحدود التركية ليشمل شريطا محاذيا لتلك الحدود يمتد إلى عمق غير محدد داخل الأراضي العراقية..
وبعد عام 2003 رابطت قوة عسكرية تركية وبشكل دائم في مدينة العمادية العراقية وحتى الآن وكالآتي:
1. كتيبة مغاوير في قرية كاني ماسي الحدودية مهمتها تأمين الحدود ومنع تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني.
2. كتيبة مدرعة في مطار بامرني الصغير.
3. وحدة عمليات خاصة مهمتها تأمين الاتصال والتنسيق مع السلطات في إقليم كوردستان
وفي تطور لاحق أرسلت تركيا قوة عسكرية ترافقها المدرعات والمدفعية الى منطقة بعشيقة وأقامت معسكرا لتدريب (الحشد العشائري) التابع لمحافظ نينوى السابق وذلك في ربيع عام 2015 وتقصدت تركيا إعلان ذلك التحرك وتغطيته عبر وسائل الإعلام لتحقيق عدة أهداف تركية من أهمها:
* الإعلان رسميا عن دخول الرقم التركي في معادلة الصراع المحتدم عند حدودها الجنوبية وعبر تدخل عسكري مباشر في شمالي العراق.
* البحث عن دور عسكري في معركة تحرير الموصل يمنحها بعدا سياسيا مؤثرا في صناعة مستقبل الأحداث في المنطقة.
* مشاكسة النفوذ الإيراني في إطار الصراع الإقليمي.
* ضمان الاستقرار في إقليم كوردستان باعتباره منطقة اهتمام عسكرية ومجال حيوي للأمن القومي التركي وبالاتفاق مع السلطات الكردية.
* الحد من نشاط حزب العمال الكردستاني.
وقد أثار هذا التحرك العسكري حفيظة الحكومة العراقية التي طالبت رسميا بانسحاب فوري للقوات التركية من الأراضي العراقية.
خلاصة:
الأحداث التي شهدتها تركيا وأهمها الانقلاب العسكري الفاشل تثير سؤالا مهما وعلى النحو الآتي:
هل يؤثر تغيير النظام السياسي في أنقرة على نهج التدخل العسكري التركي في شمالي العراق ؟؟
الجواب كلا .. لا تتأثر الإجراءات العسكرية المتخذة حاليا بتغير النظام السياسي لأنها مرتبطة بنظرة جيوستراتيجة عسكرية وجيوسياسية وتقدير موقف للمخاطر المحتملة عند الحدود الجنوبية مع العراق وسوريا، ولكن الوضع قد يشهد تغييرا جزئيا مع زوال الخطر المترتب على فراغ السلطة وذلك لا يلغي تصنيف المناطق العراقية المذكورة في متن التحليل وإدراجها ضمن دائرة الإهتمام العسكري والمتابعة الأمنية والمراقبة الدائمة.. مما يرجح فرضية عدم انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية في المديين القريب والمنظور لأن المبررات التركية لا زالت قائمة مستغلة ضعف النظام السياسي في بغداد والخلاف المستشري بين فرقاء السياسة وظروف الحرب المفروضة على العراق بسبب عدوان داعش…
وهذا الوضع مدعاة لتوحيد الجهود والمواقف لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية والسياسية التي تتهدد حاضر الوطن ومستقبله وبما يعيد للعراق دوره الريادي ومكانته الإقليمية والدولية…
*مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع