22 ديسمبر، 2024 3:47 م

بعد سنة على تأسيسها ..هل أثبتت الجامعات التقنية الأربعة قدرتها على الاستمرار ؟

بعد سنة على تأسيسها ..هل أثبتت الجامعات التقنية الأربعة قدرتها على الاستمرار ؟

قبل أيام ، مرت سنة كاملة على تأسيس الجامعات التقنية الأربعة ( الوسطى ، الفرات الأوسط ، الجنوبية ، الشمالية ) وهي جامعات تم تأسيسها بالصلاحيات الممنوحة لمجلس الوزراء بموجب التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 ، بعد أن تمت هيكلة هيئة التعليم التقني التي كانت ترتبط بها الكليات والمعاهد التقنية كافة والبالغ عددها أكثر من 47 تشكيل وتمتد من الشمال إلى الجنوب ( عدا إقليم كردستان ) ، والتي كانت تمثل اكبر بيروقراطية ترتبط بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي منذ تأسيسها لغاية 2014 ، ومع إن الشروع بتأسيس هذه الجامعات مر بظرفين مهمين على الأقل وهما وقوع بعض المحافظات والمناطق تحت سيطرة ( داعش ) ، وضعف القدرات المالية للعراق بعد الانخفاض الكبير بأسعار النفط عالميا ، إلا إن الجهات المعنية بالتنفيذ مضت دون توقف اعتمادا على الإمكانيات المتاحة وإيجاد بدائل للمستجدات الأمنية ، وبذلك باشرت الجامعات التقنية أعمالها في بداية العام الدراسي 2014 / 2015 .

ورغم إن تأسيس الجامعات التقنية الأربعة لم يتم بعملية قيصرية نظرا للمقدمات الكبيرة التي سبقت الانتقال ، والتي تضمنت عقد المؤتمرات وتشكيل لجان ووضع الفرضيات والجداول وتنفيذ حملات إعلامية كبيرة رافقت ذلك بكل شفافية ، إلا إن بعض الأصوات ظهرت لانتقاد التغيير ، وهي حالة طبيعية ترافق كل تغيير إذ إن كل تغيير لا بد إن ترافقه مقاومة للتغيير حتى وان كانت المقاومة ضعيفة كالتي شهدها الانتقال للجامعات التقنية ، وعندما نقول ضعيفة فليس الغرض التقليل من شأنها قط وإنما لتحديد الحجم والتأثير ، فمقاومة التغيير القوية غالبا ما تقترن ببعض الممارسات الحادة كالتظاهرات والاعتصام والامتناع عن العمل أو غيرها ، كما إن ما يدعو إلى تسميتها ضعيفة إن اغلبها تظهر بصيغة آراء بأسماء مستعارة وغير حقيقية ويتم زجها في المواقع والأماكن وفي مساحات غير مضاءة بشكل كامل ، مما يعيق مناقشتها والرد عليها واستثمارها للتعديل والتصحيح ، حيث لم توضع أية موانع قانونية أو إدارية أو مهنية للتعبير عن وجهات النظر المعارضة بخصوص إنشاء الجامعات التقنية الأربعة قط .

ومن ابرز الانتقادات التي وجهت ، إن تأسيس الجامعات قد تزامن مع الوضع الأمني ، وما تم الرد عليها إن الانجازات الكبيرة غالبا ما تتم صياغتها في الزمن الصعب فإذا تم إيقاف الفعاليات المخططة فمن الممكن أن تتحول ( نصرا ) للعدو ، أما تزامن تأسيس الجامعات مع سياسات التقشف التي يعيشها البلد فان التأسيس قد سبق إصدار موازنة 2015 المتقشفة ب 5 أشهر على الأقل ، وما فعلته الجامعات هو التعايش مع التقشف من خلال اعتماد الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة وتوظيفها بالشكل الصحيح ، كما تم التلميح بان تشكيل أربعة جامعات قد أضاف 4 رؤساء جامعات و8 مساعدين وقرابة 32 قسم إداري وغيرها من المتطلبات الإدارية ، وهي حالة طبيعية سواء أنشأت جامعات تقنية أو أكاديمية لأنها من الأمور الأساسية ولا تشكل عبئا على الدولة لأنها وردت في نصوص قانونية ولا يمكن تقليصها نظرا للحاجة لها في العمل الجامعي ،علما بأنه لم يتم تكليف سوى رئيسي جامعتين اثنين أما المساعدين فهم من نفس الكادر ورواتبهم اقل مما كانت عندما كانوا أساتذة ، والأقسام أيضا من نفس الكادر ولم يتم تعيين شخص واحد إضافي أو صرف دينار واحد مضاف ، أما التأخير الذي حصل في بداية التأسيس بخصوص الرواتب والترفيعات وغيرها ، فان سببه تأخر إصدار موازنة 2015 التي أصبح بموجبها لكل جامعة تقنية تخصيصها المالي المستقل عن الهيئة .

إن من الأمور التي تم انجازها خلال العام الأول هو تثبيت الملاك ونقل الموجودات وإيجاد المقرات وتشكيل اللجان الأساسية للتأليف والمناهج والترجمة والترقيات العلمية ، ناهيك عن إصدار المجلات العلمية المحكمة وإقامة الندوات والمؤتمرات والعمل على تطوير الورش والمختبرات ، والمهم في الموضوع إن الكليات والمعاهد ضمن الجامعات التقنية أنجزت أمورها ضمن السياقات الجامعية دون استثناءات ، ولكن المنتقدين يقولون ماذا تم اختراعه واكتشافه وإضافته من انجازات علمية ترقى إلى مستوى العالمية ؟ ، وهي طموحات مشروعة وتمثل واجبا على الجامعات التقنية لأنه يجب أن تنجز ( لاحقا ) أكثر مما حققته أثناء ارتباطها بهيئة التعليم التقني بعد أن منحت لها الاستقلالية الكاملة ، ولكن هذه الأمنيات ستبقى بذمة الجامعات التقنية خلال السنوات القادمة بعد أن اختارت طريقها في المبادرة والتفرد والإبداع ، وهو ما ينتظره الجميع منها في القادم من الأيام ، فالغرض الأساسي من إنشاء الجامعات التقنية هو أن تكون مراكز للإبداع والتطوير وتحقيق السبق والمبادرة ، ليس بليلة وضحاها وإنما بمقياس الانجاز العلمي والتربوي وإنتاج الإبداع و براءات الاختراع .

ومن الأمور التي أثارت التساؤلات هو مصير هيئة التعليم التقني ، فالبعض يقول هل ستبقى متسلطة على مقدرات الجامعات التقنية أم إنها ستلغى وتكون جزءا من الماضي ؟ وهي تساؤلات مشروعة لان إلغائها أو تعديل مهامها يستوجب المرور من خلال القنوات القانونية التي تتطلب إعداد التعديل التاسع لقانون وزارة التعليم العالي من خلال مشروع قانون يتبناه مجلس الوزراء ، والقرار الذي تم الاتفاق عليه في اجتماع هيئة الرأي للوزارة الذي انعقد في جامعة بابل والذي صوت عليه الجميع باستثناء صوتين ، يقضي بإبقاء الهيئة وتشكيل لجنة لاقتراح مهامها وواجباتها بشكل يضمن التواصل الدولي والإقليمي والعربي مع المنظمات المعنية بالتعليم التقني ، لان التنسيق مع جهة واحدة أفضل وانجح من التنسيق مع جهات متعددة ، وقيام الهيئة بمواصلة العلاقة مع الاتحاد الأوربي وغيره من المنظمات الدولية بخصوص تنفيذ اتفاقية إستراتيجية التعليم المهني والتقني ( TVET ) التي تستمر لغاية عام 2023 , ناهيك عن التنسيق مع الجهات المانحة للاستفادة من المزايا العلمية والمادية ، باعتبار إن الجهات العالمية يمكن إن تقدم المنح والمساعدات لهيئة التعليم التقني وليس للجامعات التقنية .

وصحيح إننا لا نستطيع الإجابة الموضوعية عن عنوان مقالتنا لأنه يحتاج إلى استخدام أدوات عديدة للقياس والتقويم ، ولكن المتابعات الميدانية تشير إلى حصول تغيير ايجابي في أداء الكليات والمعاهد التقنية ، أبرزها تحقيق الاعتبار العلمي والاجتماعي للمنتسبين كافة لأنهم تحولوا إلى جزء من الهوية الجامعية التي يفهمها المجتمع بشكل مباشر وواضح ، والتواجد الميداني المستمر للقيادات الجامعية نظرا للتقارب الجغرافي ، وتيسير انجاز المتطلبات العلمية والإدارية من حيث الترقيات والعلاوات ونشر البحوث وغيرها من التفاصيل العديدة ، ولا يخلو الأمر من ضرورة التأني ببعض القرارات لحين تكامل الإمكانيات ، فقد سعى البعض إلى تحقيق ما يسمى الاكتفاء الذاتي ، رغم إن هذا المفهوم ليس من الصحيح تطبيقه بشكل كامل ومن دون دراسات جدوى اقتصادية وعلمية ، فمنذ عام 1979 تأسس مركز تطوير الملاكات الذي يعد من أفضل وأقدم بيوت الخبرة في مجالات التدريب والتطوير التقني والاستشارات وهو يقدم خدماته لجميع الجامعات التقنية ويمكنه المساعدة في إنشاء مراكز مشابهة لكل جامعة باستثمار كوادره وخبراته ، ولكن بعض الجامعات التقنية قامت بإنشاء مراكز بديلة له والتنكر لخدمات SDC وعدم التعامل معه وكأنه منظمة خارج إطار الدولة والتعليم ، وفي ذلك هدر للفرص المتاحة والموارد والتسبب بتعطيل المركز الذي يمول من المال العام .

ونعتقد بأنه من باب الواجب الوطني والمهني الإشادة بالجهود التي بذلت للانتقال من وضع هيئة التعليم التقني إلى الجامعات التقنية بهذا الوقت القصير ، فالتعليم التقني يستقطب أكثر من 25% من مدخلات التعليم الجامعي في الدراسات الأولية ، وقد انطوى عن هذا الانتقال تقديم تضحيات من شخص السيد رئيس هيئة التعليم التقني في عام 2014 ، الذي لا نريد ذكر اسمه لكي لا يفسر الأمر على انه دعاية له ، فهذا العراقي المخلص هو من تولى تحويل امبرطورية الهيئة إلى أربعة جامعات بكل التفاصيل ، وقد تنازل عن ارتباط 48 موظف بدرجة مدير عام به ، ليتحقق حلم المخلصين في التحول الى الجامعات التقنية لتكون أكثر معاصرة وارتباطا مع التقانة العالمية ، وهو لم يساير غير ضميره وآراء زملائه إذ استقرأوا الطموحات المشروعة للعراقيين الاصلاء الذين يريدون الخير للعراق ، وخلال عام مضى من المثابرة والمبادرة ، فان فكرة الجامعات التقنية الأربعة تحولت إلى بداية تمهد لمشروع انجاز وطني ، ومن يشكك بهذا المشروع عليه أن يتابع أداء تلك الجامعات لينتقد بشكل موضوعي وعلني للتصحيح ، كما عليه أن ينتظر القادم من الأيام لان فيه الكثير ، فمن يعملون بإخلاص في هذه الجامعات لا ينتظرون المدح بل مرضاة الله والشعب ، ومن خلال ما تحقق يمكن القول بثقة إن الحلم يسير للتحقق بإذن الله وان الجامعات التقنية تسير بالاتجاه الصحيح .