23 ديسمبر، 2024 8:31 ص

بعد سقوط أفغانستان …هل تبيع أمريكا الأكراد في بازار المصالح ؟!

بعد سقوط أفغانستان …هل تبيع أمريكا الأكراد في بازار المصالح ؟!

تفاجئ العالم بانسحاب القوات الأمريكية من افغانستان مخلفة ورائها العديد من الأسلحة الفتاكة التي أصبحت بيد الحركة المتطرفة “طالبان” العدو الأول للحكومة الأفغانية الحليف المفضل لديها. هذه هي الولايات المتحدة تضرم النار في بلداننا ثم ترحل. تجّمع دبلوماسيها في المطار كل منهم في انتظار طائرته، وبعد ذلك يبقى عملاؤها وحلفاؤها حيرى ولقمة سائغة لحركة طالبان المتطرفة. فكيف يمكن توصيف مشهد النفاق الأمريكي في التعاطي مع الحلفاء في المنطقة؟

 

على مدى سنوات طويلة تدخلت أمريكا عسكرياً في مناطق كثيرة وبحجج واهية، وارتكبت خلال ذلك جرائم عديدة لم تتم محاسبتها عليها، بل على العكس استمرت في تزكية نيران الصراعات المسلحة في منطقتنا، وذلك تبعاً لمصالحها ولم يعد سراً على الإطلاق أن واشنطن دعمت وأرسلت المسلّحين المتطرفين إلى سورية، بهدف تدمير سورية ولتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية في هذا البلد.

 

اللافت هنا، تتبع الولايات المتحدة نفس المبدأ في سياستها نحو سورية، من خلال السيطرة على حقول النفط والاستفادة من استخراج البترول التي تعتبر من العوامل الأساسية التي تبقي القوات الأمريكية في هذه المنطقة، وعلى الجانب الآخر فإن المجموعات الكردية التي تسيطر على قطاع كبير من هذه المناطق السورية تلعب دور “حراس” الموارد النفطية تعتمد عبثا على مواصلة الدعم الأميركي. وتزامنا مع هذه المستجدات الأخيرة، تتمسك الولايات المتحدة بالسيطرة على هذه المناطق، لضمان استمرار سرقة النفط والتحكم بالممرات البرية في شرق سورية لذلك يحاول البيت الأبيض تبرير سرقته للنفط ، بذريعة محاربة الإرهاب ، وحماية الديمقراطية الدولية ومصالح الأكراد الذين يعملون أيضاً ضد الحكومة السورية، بينما الرئيس الأمريكي أعلن في أكثر من مرة بأنه يريد النفط السوري، من الواضح أن هذا التخبط في سياساته الخارجية ليس بالأمر الجديد، كما ترى الولايات المتحدة في تواجدها شرق سورية ورقة يمكن أن تستخدمها لتأمين مصالحها في أي تسوية للأزمة السورية مستقبلا ، بعد آن فقدت كل أوراقها هناك بفضل صمود الجيش العربي السوري.

 

ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان. ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.

 

على الجانب الأخر، فإن للولايات المتحدة تقليد عريق في التخلي عن الأكراد في أحلك لحظاتهم. مثال عندما أعلنت انسحاب جزء من قواتها وسمحت لتركيا بشن عملية “نبع السلام” العسكرية ضد المجموعات الكردية في شمال سورية عام 2019، والنتيجة هي سقوط عدد كبير من الضحايا وفقدان سيطرة الأكراد على قطاع من أراضيهم وكذلك ظهور وإنتشار المجموعات الإرهابية والمتطرفة في هذه المنطقة.

 

ومن الواضح أن القوات الأمريكية التي غادرت أفغانستان اليوم ستضطر عاجلا أو آجلا إلى مغادرة الأراضي السورية مستقبلا وسيترك الأكراد في مواجهة المشاكل العديدة التي لم يتم حلها فحسب بل على العكس أيضا تفاقمت بسبب السياسة الإجرامية للبيت الأبيض الذي يمنع مشاركة الشعب الكردي في عملية تسوية الأزمة السورية.

 

عليه… نتمنى من أمريكا وعملائها أن ترفع يدها عن سورية وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات والقوى المتطرفة المتفاقمة، ولا بد من وقف كل أشكال الدعم الغربي لهذه المجموعات في سورية ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح ، ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الشعب السوري لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، قالت الرسالة: ” نحن نحب هذا البلد، ومهما كانت المتاعب والصعوبات، التي نعانيها فيه، فلن نسمح بتخريبه، أو تدميره أبداً”.

 

مجملاً… إن العدوان الذي تقوده أمريكا وعملاؤها لهو أقوى دليل على الحقد الذي يملأ صدور تلك العصابة المتطرفة التي تقتل السوريين وتسرق نفطهم وتحتل أراضيهم وتدعم انقسامها، وبوقاحة لا مثيل لها تتحدث عن دعم الشعب السوري.

 

أخيراً…إننا اليوم ومن خلال مراجعة الحال السياسية للدول والأطراف التي راهنت على الولايات المتحدة في ظل أزمات المنطقة المُفتعلة، يمكن رؤية أمثلة كثيرة وجديدة، على من باعتهم واشنطن في بازار التوافقات، أو استغنت عنهم لأجل مصالح وأهداف خاصة، وهذا ما يلخص السياسة الأمريكية بشكل واضح وبسيط ” المصالح الأمريكية أولا “.

[email protected]