19 أبريل، 2024 6:18 م
Search
Close this search box.

بعد خطبة النهاية الداعشية على سنة العراق تقديم قيادات مقبولة

Facebook
Twitter
LinkedIn

نحن مدعوون لإعادة النظر، مدننا تهدمت من الرمادي إلى الموصل، ومن الفلوجة إلى تكريت إلى هيت وعنه والحويجة وبيجي، لم يبق حجر على حجر لماذا؟ ما الذي تعلمناه حقا.

إصدار داعش الأخير “وأنتم الأعلون” بمثابة خطبة النهاية للإرهابيين، وتأثيره كالحبوب المنومة. البارحة أردت مشاهدته فنمت مباشرة، وفي الصباح أردت أن أكمل فنمت مرة ثانية على الكرسي. الكلام ممل. فهذه الضجة والمفرقعات كلها لأجل الدين والشريعة، وبصراحة لا يريد الناس هذا النوع من تطبيق الشريعة ولا فائدة ترجى من هذه العقول. العراقيون ملوا من استخدام الدين وصاروا يريدونه أن يبقى مناسبات وأعيادا وبرامج رمضان لكن أكثر من هذا.

السؤال المناسب اليوم بينما داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة ما الذي تعلمناه حقا؟ ألا يعتقد بعض السنة حقا بأنهم “الأعلون” وأن الشيعة مجرد هنود روافض “شروكية” عملاء الفرس صفويون؟ هل داعش حصرا يعتقدون بأنهم الأعلون؟ أم هذا أصلا جوهر المشكلة في العراق بسبب الصراع الجنوني على الحكم؟ ألم يقل الشيخ علي الحاتم أمير الدليم للحكومة العراقية عام 2012 بألا يرسلوا جنودا إلى الأنبار فلم يعد عنده “دشاديش” لهؤلاء الجنود بعد تجريدهم من بزّتهم العسكرية وكان يقول “جثثهم” ملأت الفرات.

السياسي والإعلامي العراقي ناجح الميزان قال على الهواء مباشرة ومن على قناة الجزيرة بأنه مع داعش ضد الشيعة عملاء إيران، لقد كانت لحظة تاريخية يجب أن تجمد المشهد. التدافع الطائفي الذي اخترناه نحن السنة، فلم نستسلم لحكم شيعي، وتضخم التدافع بالصراع وتدفق المال حتى صرنا نتقبل فكرة داعش، نقصد هنا فكرة ابن تيمية والشيخ ابن عبدالوهاب عن كفر الشيعة وذبح الكفار، تأسيس دولة إسلامية سنية في العراق والشام كنواة لإمبراطورية عسكرية.

لا أعرف لماذا الكذب واللف والدوران، بالعكس حين سقطت الموصل في البداية خرج الشباب يحتفلون بسياراتهم ويقولون إن الله قد خلصهم من السيطرات الحكومية.

ثم أننا لم نكن نعرف من يكون داعش بالبداية، كنّا نظنهم مقاتلين سنة ضد الشيعة، مع الوقت ومع تطور الموقف الأميركي والغربي عرفنا بأننا قد وقعنا في فخ وورطة. تلك اللحظة التي فلت فيها لسان ناجح الميزان هي نفسها لحظة البيعة التي قدمها شيخ قبيلة طي بالموصل لداعش. كانت بيعة خالصة وصادقة من زعيم إحدى القبائل الأربع الكبرى التي تسيطر على مدينة الموصل. حين رأى الشيخ الموقف العالمي والدولي فيما بعد هرب إلى البارازاني شمال العراق وقال بأنه كان مرغما. ربما هو مرغم على البيعة، ولكن ليس على إلقاء كلمة بليغة في مديح داعش وشتم الشيعة.

نحتاج وقفة مع أنفسنا لحل هذه المشكلة أولا، ما هي المشكلة؟ الغيرة على الدين والدفاع عن عقيدة التوحيد وتكفير الذين يشتمون الصحابة وأمهات المؤمنين، إلى درجة انزلق فيها كثيرون في حضن داعش. المراجعة أفضل من أن نحمل ثأرا سنأخذه من الشيعة مستقبلا، فالذنب ليس عليهم وحدهم بل القسم الأكبر ذنب قادتنا السياسيين. يحق للسعودية سحق المتطرفين والإخوان المسلمين ولكننا لا نفهم قادة من الإخوان العراقيين يمجدون السعودية رغم أن موقفها واضح منهم. هذا هو مستوى قياداتكم السنية المتملقة التي تهمل حريق الموصل وتتحدث عن خطر وهمي يهدد مكة فقط لاستجداء الدعم المالي.

بدلا من القفز مباشرة إلى أسطوانة ايران واعتبار الثلاث سنوات الداعشية حلما لم يحدث، أعتقد الأفضل الاعتراف بغياب العقل السني العراقي وتهربه من المسؤولية بتزويره للحقائق. نحن مدعوون لإعادة النظر. مدننا تهدمت من الرمادي إلى الموصل، ومن الفلوجة إلى تكريت إلى هيت وعنه والحويجة وبيجي، لم يبق حجر على حجر لماذا؟ ما الذي تعلمناه حقا؟

الشيعة هم جيش المشاة الأميركي الذي قضى على عاصمة أكبر تنظيم إرهابي عالمي، الدواعش فجروا في أوروبا وأميركا وذبحوا البيض. الشيعة هم جيش المشاة الذي حارب الإرهاب بإسناد جوي أميركي لهذا رفع الرئيس ترامب اسم العراق من قائمة الدول المحظورة، فالعراق دولة حليفة.

كلمة رئيس الوزراء العراقي في معهد السلام الأميركي بواشنطن بعد لقائه بالرئيس ترامب في البيت الأبيض كانت إيجابية وتمثل دفعة كبيرة لمستقبل الحكم وجاء فيها “لن نسمح بدور للحشد الشعبي في السياسة، ولا يمكن أن يدخل السلاح في الانتخابات. و‏‏الإصلاح واجب في العراق ومهم بالنسبة إلينا، ينبغي أن نُعيد ثقة الشعب في نظامه، سيكون من المحزن إذا أعتقد الشعب أن الديكتاتورية أفضل من الديمقراطية. و‏بعد أن نطبّق قانون الحشد الشعبي، أيّ مجموعة تَحمل السلاح خارج سيطرة الدولة تعتبر غير قانونيّة. و‏هناك أزمة إقليمية كبرى طرفاها السعودية التي تسعى إلى دعم السنة العرب وإيران التي تريد دعم الشيعة”.

عمليا هناك ربع مليون مشرد في المخيمات من الموصل وحدها اليوم. رئيس الوزراء حيدر العبادي صرّح بأنه سيحل الميليشيات والحشد ولا يريد تدخلا إيرانيا لكن كربلاء لم تتهدم وطهران لم يقصفها الجنرال ماتيس والشيعة ليسوا نازحين. الحكم شيعي في بغداد حاليا والباقي مجرد وعود كما قال أدونيس “لنا الأحلام ولهم الأسرة” لهم البلاد ولنا التحليلات السياسية. أين ذهبت الوعود بمنطقة آمنة في سوريا مثلا ألم يصرح ترامب بذلك؟

نتفاءل بوعود أميركية صغيرة والحقيقة مدننا تهدمت بالكامل وشعبنا مشرد. نفرح لأن ترامب صرّح بأن إيران تشكل خطرا وأن الخزانة الأميركية وضعت شركات تابعة لحزب الله تحت الحصار، أو تثبيت أسماء شيعة من البحرين بقائمة الإرهاب. خطوات أميركية صغيرة لا تؤثر جدّيا على واقع الحياة البائسة لسنة العراق ولا تهدّد إيران بشكل جدّي. ومقابل هذه الخطوات الصغيرة نسمع بدعوى قضائية أقيمت الاثنين الماضي أمام المحكمة الاتحادية في مانهاتن في محاولة لتحميل السعودية مسؤولية تلك الهجمات التي شنتها القاعدة وأسفرت عن سقوط نحو ثلاثة آلاف قتيل في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا. كان الأجدر بالإدارة الأميركية الجديدة إلغاء قانون”جاستا” سيء الصيت لأنه من تراث عهد أوباما المشؤوم، لكنه لم يفعل.

سنة العراق يتفاءلون كثيرا بسبب الإحباط ويبنون أوهاما لا أساس لها من الصحة، فمهما يكن من أمر داعش حركة متطرفة سنية وليست شيعية، والسنة قياداتهم السياسية من الإخوان المسلمين القريبين من أردوغان. والخوف الحقيقي على المنطقة من تركيا فهي ثاني جيش في حلف الناتو وتعدّ نفسها لقيادة العالم الإسلامي في لحظة يكون فيها الإسلام السياسي قد ضعف تماما.

إيران – من جهة أخرى – محكومة بالحاجز المذهبي ولا تشكل خطرا عالميا كتركيا بتراثها العثماني المجيد. تركيا الأردوغانية ساهمت بظهور داعش وتفتيت الموصل وحلب ولا أعتقد بأن ترامب متلهف لدعم السياسيين الإخوان في الساحة العراقية، وحتى يظهر قادة حقيقيون للمجتمع السني العراقي لا مفر من الاعتماد على القادة الشيعة في إدارة البلاد.

يمكن للسيد العبادي انتهاج طريق بعيدة عن إيران ولكن هذا لا يعني أن يتحوّل العراق إلى “بوابة شرقية” جديدة ضد العدوّ الفارسي. القادة الشيعة عندهم مؤسسة عمرها سبعة قرون مرّ عليها السلاجقة والبويهيون والعثمانيون والمماليك والإنكليز ولا أعتقد بأنهم يثقون برئيس أميركي متقلب ويشهرون العداء لحليف تاريخي لهم كإيران، خصوصا وأنهم شنقوا بأيديهم حليفا سابقا للولايات المتحدة مثل صدام حسين. يمكنهم التظاهر بالابتعاد عن إيران لتفادي حربا داخلية بين الشيعة وقد نجحوا حتى الآن في تفاديها.

المهم في هذه الورقة أن نتحمّل نحن السنة جزءا من المسؤولية، فتاريخنا المقاوم للاحتلال الأميركي وميراثنا البعثي والداعشي والإخواني لا يؤهلنا للتحالف مع الولايات المتحدة، والعداء لإيران وحده لا يكفي لمنحنا مفاتيح بغداد ولا حتى الاعتماد علينا في قيادة مستقلة لمدننا. أولا علينا تقديم قيادات سنية مقبولة ومدّ يد العون للكفاءات والمثقفين السنة المقنعين لتأسيس خطاب سياسي جديد بدلا من التهريج الإخواني والردح العشائري الذي أوصلنا في النهاية إلى داعش. علينا باختصار التخلص من فكرة الإيمان والتفوق الذي يجعلنا “الأعلون” على بقية الشعب.

نقلا عن العرب

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب