إن أبرز سؤال ربما قد يتبادر في أذهاننا في الوقت الراهن هو ماحجم الكارثة التي سيخلفها وباء كورونا العالمي بعد انقضاءه؟، يعتقد البعض أن وفاة مليون شخص بسبب الإصابة بفيروس كورونا هو الكارثة الأكبر عالميا التي سيخلفها هذا الوباء، لكن قد لا يتفق البعض الآخر مع هذه الرؤية.
نعم، وفاة مليون شخص بسبب فيروس كورونا هي كارثة إنسانية، ونتمنى أن يرفع الله تعالى عنا هذا الوباء بأقل عدد من الوفيات، لكن الكارثة الأكبر تتعلق بالضربة الموجعة التي تلقاها الاقتصاد العالمي، فالكثير من الشركات الكبيرة في طريقها إلى الإفلاس، وهناك الكثير ممن سيفقدون وظائفهم، وأكثر من نصف سكان العالم سيكونون في خطر الفقر المدقع، الأمر الذي يجعل الكارثة أكبر خطورة هو أن الاقتصاد العالمي مترابط ومتداخل مع بعضه بحسب النظام العالمي الحالي (العولمة)، مما يعني أن أي سقوط في قطاع ما سيؤثر على باقي القطاعات فليس هناك دولة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الكلي.
فبحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية (تأسست في عام 1919 ومقرها مدينة جنيف في سويسرا)، فأن حوالي 200 مليون عامل بدوام كامل سيفقدون وظائفهم في الربع الثاني من عام 2020 بسبب جائحة هذا الفيروس والأضرار التي تسبب بها في جميع القطاعات، ومن ناحيتها توقعت وكالة الأمم المتحدة المكلفة بوضع معايير العمل العالمية أن يتعرض قطاع خدمة الفندقة والغذاء والنقل والتصنيع وقطاعات الأعمال التجارية والأنشطة الإدارية لخسائر فادحة، وارتفعت معدلات البطالة بشكل مفاجئ منذ ظهور الوباء، مما قامت عدة شركات بتسريح عدد من موظفيها بالفعل وربما تضطر إلى تسريح الأعداد المتبقين من باقي الموظفين خلال الأشهر القادمة -إن أستمر الأمر على هذا الحال-.
ففي أفريقيا مثلا، سجلت دولة جنوب أفريقيا بالفعل بطالة قياسية تجاوزت 27% قبل أن يصبح الضرر أكبر بسبب أزمة الوباء، حيث دخلت البلاد في إغلاق لمدة 21 يوما بدأت العمل به بتاريخ 27 مارس، مما أدى إلى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية بشكل مفاجئ، وفي أفريقيا وحدها سيتم شطب 20 مليون وظيفة، وقد بدأ تسونامي البطالة الذي سيقضي على 200 مليون وظيفة بدوام كامل قبل حلول شهر أغسطس.
وفي تقرير لها قالت منظمة العمل الدولية، “إن أكثر من 81% من القوى العاملة العالمية التي يبلغ عدد أفرادها 3,3 مليار نسمة تتأثر حاليا بإغلاق أماكن العمل بشكل كامل أو جزئي”.
أن آثار هذه الجائحة الوبائية تجاوز بشكل ملحوظ آثار الأزمات المالية العالمية التي ضربت العالم في عامي 2008 و 2009 والتي شهدت انهيار المؤسسات المالية وتراجعا ملحوظا في النشاط الاقتصادي، فالعاملون في الاقتصادات المتقدمة والنامية يواجهون كارثة حقيقية بسبب الانتشار السريع للفيروس، وبعض المناطق حول العالم لديها الملايين من الأشخاص الذين يعملون في قطاعات غير رسمية وغير مهيكلة مقترنة بنقص الحماية الاجتماعية والكثافة السكانية العالية وضعف القدرات، وهذا الأمر بالفعل يشكل تحدي كبير على المستوى الصحي والاقتصادي للحكومات.
وعلى الرغم من أن جميع مناطق العالم تعاني من تداعيات هذا الفيروس، إلا أن الدول العربية وأوروبا شهدت أسوء تأثيرا على العمالة من حيث النسبة المئوية، بينما تقع أكبر الخسائر عدديا في دول آسيا والمحيط الهادئ وهي المنطقة الأكثر ازدحاما بالسكان في العالم، وبشكل عام في الربع الثاني من 2020 تتوقع منظمة العمل الدولية من المرجح أن تنخفض نسبة ساعات العمل إلى 6-7%، والجدير بالذكر، أن عشرات الملايين من العمال غير الرسميين قد تأثروا بالفعل من جراء الأزمة الحالية.
ومن جهتها سجلت منظمة اوكسفام الخيرية غير الحكومية المزيد من المناشدات الإنسانية (اتحاد دولي لـلمنظمات الخيرية التي تركز على تخفيف حدة الفقر في العالم، وتأسست في أكسفورد، في عام 1942 علي يد مجموعة من الناشطين الاجتماعيين وأكاديميين)، لتقديم المساعدات للدول النامية قبيل اجتماع البنك الدولي الأسبوعي ومجموعة دول العشرين (التي تمثل ثلثي التجارة في العالم وأيضا تمثل أكثر من 90% من الناتج العالمي الخام، والهادفة إلى الجمع الممنهج لدول صناعية ومتقدمة هامة بغية نقاش قضايا أساسية في الاقتصاد العالمي).
وقد جاءت هذه المناشدات إلى جانب إصابة 1.5 مليون شخص ووفاة ما يقارب 90 ألف شخص فأن العواقب الاقتصادية لوباء فيروس كورونا يمكن أن يدفع نصف مليار شخص في جميع أنحاء العالم إلى الفقر، وفي تقرير أصدرته المنظمة الخيرية بعنوان (ثمن الكرامة) أشارت فيه المنظمة العالمية إلى أن مابين 6-8% من سكان العالم قد يلحقون بركب أولئك الذين يعيشون حاليا تحت خط الفقر، بعدما أوقفت الحكومات دورات اقتصادية بأكملها من أجل احتواء الفيروس.
كما يتوقع أن مابعد جراء الإصابة بفيروس كورونا التاجي، يمكن أن يعيد مكافحة الفقر على مستوى العالم 10 سنوات إلى الوراء، بل ربما 30 سنة في مناطق معينة مثل أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن أكثر من نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.8 مليار نسمة مهددون بأن يصبحوا تحت خط الفقر عند انتهاء هذه الجائحة، وبسبب عدم وجود أنظمة حماية اجتماعية حقيقية في أغلب الدول النامية فأنها ستكون الأكثر فقرا، ومن هنا جاءت أكثر التوصيات الدولية والمنظمات الإنسانية بضرورة منح مساعدة مالية مباشرة للأشخاص الأكثر تضررا، وبإعطاء الأولوية في تقديم الدعم للشركات الصغيرة، وربط المساعدات المخصصة للشركات الكبيرة بتدابير تصب في مصلحة الفئات الضعيفة، ودعت المنظمات أيضا إلى إيفاء الدول الأكثر فقرا من سداد ديونها في مواعيد استحقاقها هذا العام.
إذا خطوة هذه الجائحة على الاقتصاد والحياة الاجتماعية هو أكثر بكثير من خطرها على الصحة، فبينما عدد المتضررين صحيا لا يفوق عددهم 2 مليون فأن عدد المتضررين اقتصاديا واجتماعيا قد يصل للمليارات، حيث سيواجه الكثير من الأشخاص خطر غياب وظيفة يجنون من وراءها قوت عيشهم، بالإضافة إلى خطر النقص الغذائي الذي يلوح في الأفق، ولا ننسى إننا مقبلون على شهر مايو حيث يكون العالم أمام مواجهة جائحة كبرى سنويا تهدد القطاع الزراعي ألا وهي آفات الجراد الصحراوي الذي ربما سيتضاعف أعداده عن الموجه السابقة التي وصل عددها إلى 400 مليار جرادة، بسبب نقص مواد المكافحة وطريقة الاستخدام وخوف العاملين في هذا القطاع من التجمعات العمالية وانتشار الفيروس.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2020 Ⓒ
http://mcsr.net