8 أبريل، 2024 7:25 م
Search
Close this search box.

بعد ثماني سنوات من الاحتلال وخروج القوات الامريكية : قراءة في المشهد العراقي

Facebook
Twitter
LinkedIn

كانت تجربة ادارة العراق على مستوى الرئاسات والحكومات التي ارتقت مواقع المسؤولية منذ الاحتلال ولحد الان ضعيفة وواهنة اعتمدت على الاطر التجريبية والسياسات المنحرفة عن الواقع غير خاضعة لتخطيط مبرمج اوخضعت لتخطيط مشتت لايمت لبرامج انماء وتكوين الدولة بأي صلة كانت، وفي ذلك اكثر من دلالة على ان كل الاطراف السياسية التي كانت خارج الحدود عندما كانت تسمي نفسها بالمعارضة لم يكن لديها اية برامج او مخططات او حتى رؤى مفصلة لكيفية ادارة العراق بعد ان يتم تغيير النظام فيه، وكما يبدو فأن كل هذه الفصائل اعتمدت على الاوراق والمخططات الامريكية التي هي بالتأكيد تخدم اجندة الاحتلال واغراضه البغيضة ، وكان اول من عرض هذه الاوراق وتلك المخططات الحاكم الامريكي بريمر سئ الصيت ، بعد ان اوهم كل الذين دخلوا خلف الدبابات بأنهم مشاركون بالعملية السياسية وهم اول من كان يدرك ويعلم علم اليقين بأنهم لاعلاقة لهم بأي حرف كتب في تلك المخططات ،وما عليهم سوى التنفيذ فقط ، وهذا ماأشارت اليه الكثير من الملاحظات التعليقية التي وردت في كتاب بريمر(عامي في العراق) والتي تعني فيما تعنيه السخرية من الذين شاركوا في الاجتماعات او النقاشات وكأنه يريد ان يوضح للقارئ وبشكل خبيث من ان كل الذين ذكروا في الكتاب لا دور حقيقي لهم في تأسيس ماسمي بالعراق الجديد . اللهم الا مبادرة مهمة انطلقت وامام الملايين من العراقيين عندما ظهر في التلفزيون احد المعممين من اسرة بحر العلوم ليعلن اعتبار يوم دخول الاحتلال لبغداد الذي صادف في التاسع من نيسان هو يوم وطني للعراق!!! .
فمنذ ذلك التأريخ ولحد الان كيف نقرأ ونقييم المشهد العراقي؟
منذ البداية ولدت تجربة سياسية فاشلة بكل المقاييس لأنها بنيت على اسس فئوية وطائفية وقومية ، ولم تكن لعامة الجماهير اية حصة فيها اذا لم يكونوا جزءا من هذا المكون او ذاك، ولهذا هضمت ومسخت حقوق الشعب بالكامل، رافق ذلك تفكك الظروف الاجتماعية بفعل الفوضى والارباك التي سعى الاحتلال لخلقها وتعميمها لكي تخرب كل البنى التحتية للبلد ومن ثم ترك الحالة الاجتماعية معومة مسلوبة الارادة والقوة مجردة من كل المبادئ والاخلاق ، الامر الذي ادى بالضرورة لبروز فئات وجماعات وكيانات وتيارات ومليشيات اتاحت لها تلك الظروف ان تعبث كما تشاء وان تتحكم في كل الكيان العراقي لتقضي على ماتبقى فيه ، وهذه الحقلة هي الجزء الاساسي من مضمون اوراق الاحتلال الامريكي للعراق،بالاضافة الى ذلك برزت شخصيات ومسميات غريبة عن الساحة العراقية ارادت من خلال نشاطاتها وتصريحاتها ان تخلط الاوراق وتستبيح كل القيم والمبادئ من اجل الولوج من الاماكن الضيقة الى مواقع   متقدمة في الدولة على اساس اصلاح الوضع المتردي في العراق ، وسرعان ما انكشفت نواياها واغراضها الدنيئة بعد ان فسحت المجال لاخرين ان ينهجوا نفس المنهج طالما كانت الفوضى هي السائدة ، وبموجبها استطاعت هذه الكيانات ان تتسلق السلم الوظيفي دون الاعتماد على الخبرة والكفاءة والشهادة العلمية وبأسناد ودعم من تيارات وأحزاب دينية اولا وسياسية ثانيا بهدف توسيع رقعة السيطرة والتوغل في كل كيان الدولة ،الامر الذي ادى لان تعم ظاهرة الفوضى والارباك في كافة الاعمال الادراية واصابة الاداء الوظيفي بالشلل التام،وازاء ذلك من الطبيعي والدولة بهذه الحال ان ينمو حجم الارهاب وتزداد خطورته وتتعدد اتجاهاته ليضرب في كل مكان وأي زمان ،بل واصبح الارهاب وكأنه ورقة جديدة ومستحدثة خلقتها كل الظروف المشار اليها اعلاه لعبت بها كل الاطراف المعنية مصالحها بالشأن العراقي ،ابتداءا بالاحتلال مرورا بكل الاحزاب العاملة في العراق وخارج العراق وبدعم مباشر وسافر من دول اقليمية تسعى لتحقيق اجندات اقل ماتوصف بأنها ثأرية انتقامية توسعية،وهنا لم يكتفي اللاعبون بهذا القدر من الايذاء بل لعبوا بأخطر واقذر ورقة الا وهي الطائفية البغيضة ،اذ حاولوا من خلالها ان يشقوا صف العراقيين ووحدة العراق وأن يجعلوا من العراق بركة من الدم الهدف من ذلك هو الهاء الشعب وجعله مرعوبا خائفا يائسا وبالتالي يمكن ان يقبل بكل شئ ويخضع مستجيبا لكل مايحصل من استلاب للحريات ومصادرة الحقوق الى قتل للديمقراطية والحرية اللتين اصبحتا عبئا ثقيلا على الدولة وعلى كل الكيانات كونها قد تكون سلاحا قويا بيد الشعب للمطالبة بأستحقاقاته الوطنية التي غيبتها المصالح والملذات الخاصة .
هذه الاوضاع واخرى غيرها جعلت المشهد العراقي طيلة الفترة المنصرمة يعيش حالة ضبابية ان لم تكن سوداوية، فكل شيئ فيها معتم ،لا وضوح ولاتفاصيل تدلك او تجعلك تشعر بأن ثمة نهاية للنفق المظلم ! فما اصطلح على تسميته بخارطة الطريق بالنسبة للعراق، اتضح فيما بعد بأنه خارطة بدون طريق!اذ يبدو ان هذا الطريق غير معبد، لأن كل شيئ فيه متوقف، او تم ايقافه لاغراض وغايات مصلحية بحتة بغض النظر عن مصلحة الشعب، فالاداء الوظيفي من سيئ الى اسوأ،المشاريع الخدمية متوقفة،الكهرباء معطلة،الاعمار والبناء مجرد كلام،فرص العمل معدومة،المصانع الانتاجية مخربة،الاقتصاد الوطني مدمر، النفط العراقي يسرق، الفساد الاداري منتشر، برلمان الشعب ليس للشعب،المحاصصة البغيضة قانون الحكومة، البطالة منتشرة،التعليم مضطرب، لامدارس جديدة، لامستشفيات حديثة،لامستوصفات، لامتنزهات، لاشوارع معبدة،لا مشاريع سكنية، واكثر من نصف مليون شهيد ابرياء زهقت ارواحهم نتيجة كل الظروف المذكورة اعلاه..الخ من لاءات تكثر ولا تقل! فكيف تريد الحكومة ان تجعل الابتسامة ترتسم على وجوه العراقيين؟ وماذا فعلت الدولة العراقية في ثماني سنوات مضت؟ الم تبادر قيادات الدولة والحكومة لاجراء مراجعات تقييمية لما حصل وسيحصل في العراق؟اما كان الاجدر ان ينظر للعراقيين على انهم اصحاب القضية وان استحقاقاتهم يجب ان تكون في المقدمة؟ ام ان قدرهم ان يتركوا وطنهم ويعيشون الغربة في كل مكان من العالم؟ الا يشعر البعض ممن تعنيه هجرة العراقيين بالحرج والخجل اذا ماادرك ان العراق كان عبر مر العصور هو بيت كل العرب وكل الشرفاء اينما وجدوا؟
 الم يحن الوقت لاجراء مراجعة دقيقة وشاملة لتقييم الكادر الوظيفي لمؤسسات الدولة وفرز العناصر غير الكفوءة لاتاحة الفرص امام الكفاءات الحقيقية؟
اكد باحثون اجتماعيون ان الفقر يلعب دورا اساسيا في الانحراف السلوكي لدى الاحداث في العراق، مؤكدين الى ان تصاعد معدلاته ادت الى زيادة العنف والجريمة في المجتمع!
اوضح مدير برامج الصحة النفسية في الهيئة الطبية الدولية ان اعداد الذين يعانون من الازمات النفسية في العراق تبلغ وفقا لما اوردته احصائيات منظمة الصحة العالمية ووزارة التخطيط العراقية حوالي ستة ملايين شخص يعانون من حالات نفسية بمختلف الانواع.
اخر تقرير اصدرته بعثة الصليب الاحمر في العراق اشار الى ان حجم معاناة النساء العراقيات وتعرضهن للخطف والاغتصاب والبيع ومن ثم للاضطهاد المادي والنفسي على يد ذويهن والمجتمع قد بلغت اعدادا مخيفة وغير طبيعية!
وزارة التخطيط العراقية اكدت في مسح اجرته بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان حجم البطالة في العراق وصل الى حد الثلث من سكان العراق!
فهل يعقل ان بلدا مثل العراق يعد من اهم البلدان المصدرة للنفط وثاني دولة في العالم من حيث احتياطي النفط ، يعاني من ازمات البطالة والفقر، وتردي الوضع المادي والنفسي والاجتماعي؟ ودعونا نتسائل ايضا ماالذي ادى الى ذلك كله ؟ وماهو دور الجهات المعنية بكل ماينشر من احصاءات وبيانات وارقام تشير الى كارثية الاوضاع في هذا المجال او ذاك ؟الم تكن هذه المعلومات بمثابة عوامل مساعدة تفيد الدولة في كيفية التوجه لمعالجة الازمات والمشاكل التي تواجه المجتمع؟
  
ازاء ذلك كله لااعتقد ان اشكاليات التغيير يمكن ان تحلها التوافقات السياسية كما جرت العادة على استخدام هذا المصطلح ،لكن يمكن اذا توفرت توافقات وطنية وضميرية فيها من نكران الذات اكثر مما فيها من حب الذات ، اقول يمكن في المرحلة الاولى ان نقف عند عتبة التغيير، شرط ان لايكون على طريقة اوباما عندما استخدم كلمة التغيير كشعار له في حملته الانتخابية ! نريده تغييرا عراقيا وبروح عراقية هدفها خدمة الشعب اولا وقبل كل شيئ.
هذه قراءة سريعة للمشهد العراقي الحالي ، لاتتضمن الحلول ،على افتراض ان لدينا حكومة وبرلمان ومنظومة سياسية هم المعنيين بالحلول ، وبعكس ذلك يبرز السؤال المهم : ماجدوى وجود هذه المؤسسات ؟ واين استحقاقات الوطن والشعب ؟ 

كاتب ومحلل سياسي – عمان

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب