حين سقط صنم الدكتاتورية والظلم والقمع، هلل العراقيون وطاروا فرحا وغبطة وسرورا، وصورة سقوطه لم تغب عن بال من عاشها واقعا أو من سمعها مناقلة على شفاه معايشيها، إلا أن الذي غاب هو الفرحة والغبطة والسرور، وحل محلها الحزن والألم والامتعاض أضعافا مضاعفة، وهي آخذة بالتزايد طرديا مع ما يفعله ساستنا في مجالسنا الثلاث، وما تنتجه بنات أفكارهم وما تلوكه ألسنتهم وما تدلقه على صدورنا أيديهم، من مشاكل وتداعيات أودت بنا وبالبلاد الى حيث لا يحسد عليه مخلوق على وجه المعمورة. فقد حازت البلاد من جرّاء سياساتهم على الدرجات العليا في الفساد.. فيما نالت الدرجات الدنيا في توفير أبسط حقوق المواطن.. وشكا من سوء تخطيطهم القضاء والتعليم والطب والصناعة والتجارة والزراعة، وكذلك السياحة والعمران والبنى الخدمية التحتية، وتجمهرت الأكف والأيدي العاملة باحثة عن لقمة تسد رمقها في “مسطر” او شركة أهلية تشكو بدورها فقدان السيولة النقدية وجمود حركة العمل في البلاد، ونتج عن هذا كله كساد وفقر ونكوص حاد في مستوى البلد الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن الأمني.
وقد عرف المواطن نقاط الخلل في المعادلة، تلك المعادلة التي وضع طرفيها بطيبة قلبه في صناديق الاقتراع ثلاث مرات، ولم يدُر في خلده أنه سيلدغ من جحر استأمنه يوما، لاسيما وأن تركات العقود الماضية أبت الرحيل مع الراحلين، ومازالت بصمات الغدر والنكول وغمط الحقوق شاخصة في من أخلف المتسببين بها سابقا، فالخلف اليوم في سدة الحكم ليسوا بأحسن من السلف الغابرين بشيء، ولاهم أقل شرا وأبعد شررا من المقبورين، فهم أكملوا المشوار الذي انقطع عنه المسيؤون، فجاءوا بالأسوأ من الأفعال، والأردأ من ردود الأفعال. ولاأظن أحدا من العراقيين ينسى ماقالته مواطنة عراقية تفترش (بسطية) بسيطة جدا، حين سألها صحفي يقوم باستطلاع آراء الشارع العراقي قائلا: “حجية شنو رأيچ بصدام وبالسياسيين اليوم؟” أجابته حينها بمرارة وألم تحمله العراقيات جميعهن: “والله يايمه صدام وجهه أسود لكن ذولي بيضوا وجهه”..! بإجابة هذه العراقية الحرة مختصر مفيد عن هول مافعله حكامنا بعد تسنمهم زمام أمر البلد خلفا للمقبور، والشاهد على كلامها من أفعالهم حي ويومي وتفصيلي في أركان حياة العراقيين جميعا.
وفي الحقيقة، فإن المواطن حاول بطرائق سلمية، واتباع أٌقرب السبل وأكثرها أمانا -حسب ظنه- لتغيير شيء من أوضاع بلده، وقد كان تكرار تجربة الانتخابات بعد أربع سنين من التجربة الأولى خير فرصة له، لعل اختياره هذه المرة يأتي له بما ينصفه ويضمن حقوقه، إلا أنه كرر الخطأ ذاته مثنى وثلاث ليس لقلة وعيه، بل لدهاء المرشحين الذين خدعوه بأفانين ماأتت به أفكارهم الدنيئة، بعد أن رسموا على وجوههم صبغة النزاهة والأمانة والعفة، وهم بعيدون عنها بعد مشرق الأرض عن مغربها، وصح فيهم قول الإمام علي عليه السلام:
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها
عند التقلب في أنيابها العطب
والأمر حتى اللحظة لايعدو كونه سوء اختيار، وضعفا في استقراء الأحداث قبل وقوعها، أو هو عدم نضج قوة الفراسة وملكة التخمين التي كان على الناخب التحلي بها في انتقاء شخص الحاكم والمسؤول، لكي يتفادى أخطاء من سبقوه، ولايقع في حبائل الخديعة في الآتي من السنين.
[email protected]