يقول أغلب أهالي الانبار ان المحافظة مقبلة على أزمة خطيرة ، ربما الاسوأ ، ليس في تاريخ الأنبار فقط بل في تاريخ العراق بشكل عام ، بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها المحافظة ، وبعد ان هدد رئيس الوزراء نوري المالكي بإنهاء ساحات الإعتصام في المحافظة وأمهلها بضعة أيام ، قبل اقتحامها من قبل قوات الحكومة.
ويرى المتبعون للشأن السياسي أن تصريح السيد مقتدى الصدر وتحذيره من مغبة مداهمة ساحات الاعتصام في الانبار هو إحساس بالخطر البالغ الذي سيعقب أي قرار يتخذه المالكي بمداهمة ساحات الإعتصام، التي يرى فيها السيد مقتدى الصدر انها لاتحل المشكلة بل تؤدي الى تفاقمها، وكان الاولى بالمالكي من وجهة نظر السيد مقتدى الصدر ان يطارد جماعات القاعدة لا ان يهدد أهالي الانبار ، ويخسر التحالف الوطني بكياناته السياسية نظرة أهل الأنبار الإيجابية أزاء مواقفهم الداعية الى الاستجابة لمطالب المتظاهرين ، بدل من التهديد بإجتياح هذه الساحات، التي ما إن تتم مداهمتها، حتى يضع المالكي، في نظر مراقبين وأطراف سياسية عراقية،آخر مسمار في نعش العملية السياسية، ليودعها الى مثواها الأخير.
ويشير متابعون للشأن السياسي العراقي أن الانبار أصبحت الان بين نارين : كلاهما مر ، بين سطوة القاعدة وتنفيذها لهجمات نوعية استهدفت قادة عسكريين عراقيين ومراكز شرطة وشخصيات أمنية وسياسية وبين تهديد المالكي لساحات الاعتصام، وعدم تلبيته مطالب المعتصمين رغم مضي عام كامل على اندلاع تلك الاعتصامات التي وجد فيها أهل الانبار ، كما يقولون ، فرصتهم لفرض شروطهم على الحكومة للاستجابة لها، والا بقي وضعهم على ما هو عليه، في انه ليس بمقدور القائمين على ادارة المحافظة السيطرة على وضعها الداخلي ولا في صد هجمات القاعدة التي تتسع انشطتها يوما بعد يوم، وتظهر عجز الحكومة عن مواجهتها، رغم مطاردتها وملاحقتها بهجمات مختلفة على أكثر من صعيد.
ويرى المتتبعون للوضع في محافظة الانبار أن أهالي هذه المحافظة ، بل وكل المحافظات الست التي تشاركهم حالة الاعتصام يجدون أنفسهم الان امام وضع حرج جدا ، ويعزون السبب الى ان عدم تنفيذ مطالب المتظاهرين ربما وجدته القاعدة فرصتها للانتشار وتنفيذ عمليات رادعة ، بحيث لم يعد هناك تمييز بين المعارضين للحكومة ولسياستها في عموم محافظات العراق الست وبين القاعدة التي تستغل السخط الشعبي الداخلي على الحكومة لعدم تنفيذها المطالب المشروعة لتقوم بمهام تحرج الدولة واجهزتها على اكثر من صعيد ، وباتت الدولة وكانها ليس بمقدورها التصدي لانشطة القاعدة في الانبار ومحافظات أخرى.
وما زاد في نشاط القاعدة بحسب مراقبين هو ظهور جماعات مسلحة في بغداد على العلن وممارسة انشطتها بدعم حكومي ما اعطى للقاعدة ( مشروعية ) التحرك في هذه المحافظات بعد ان عبر اهالي المحافظات الست المنتفضة عن خيبة املهم من ظهور هذه الميليشات المدعومة من الحكومة، وعدوها خطوة غير موفقة اعادت إشتعال الوضع العراقي برمته ووجدت فيها الجماعات المسلحة فرصتها لأن تنشط مرة اخرى، مع قبول شبه شعبي بعودة نشاطات القاعدة طالما ان هناك ميلشيات شجعت الحكومة على ظهورها مرة اخرى، ما ادى الى خلط الاوراق، في وقت يواجه المالكي محاولات لاستبعاده من تولي ولاية ثالثة ، ما استدعى منه ان يعيد الميليشيات المسلحة الى الواجهة ليهدد منافسيه الذين رفضوا ترشيحه مرة اخرى لولاية ثالثة، ووجد فيها المالكي فرصته للانتقام من منافسيه بأن سمح للميليشيات والجماعات المسلحة لأن تظهر على الساحة مجددا وتعيد تأزيم الوضع العراقي الذي يجد فيه المالكي ربما ضالته في اعادة ترتيب الامور لصالحه تحت ذريعة مواجهة القاعدة، وهي لعبة خطرة حاول المالكي ان يلعبها من جديد مع منافسيه، لكي يؤكد لهم انه سيبقى الوحيد القادر على حمايتهم من هجمات القاعدة.
ويشير مراقبون يتابعون الوضع انه اذا ما أقدم المالكي على تصفية ساحات الاعتصام هذه المرة فأن أهل الانبار ربما سيتحالفون مع القاعدة مرة أخرى، طالما ان المالكي يهدد وجودهم ويستهدف شخصياتهم وهم لن يقبلوا بأي تهديد لنشاط سياسي سلمي يرون فيه انه الوحيد الذي ينصرهم امام شعبهم وامام العالم، ولو استجاب المالكي لطلبات اهل الانبار لكان قد كسب ودهم قبل فترة بل وضمنوا له ولاية ثالثة، لكن المالكي هو من ضيع هذه الفرصة في ان يكون بمقدوره ان يتحالف مع اهل الانبار ضد منافسيه من التحالف الوطني الذي ادخلهم في احراج مع اهل الانبار أكثر من مرة، وضاع كل أمل بان يتم تصحيح المسار العراقي نحو الافضل وتجنيب البلاد مخاطر حرب اهلية لاتبقي ولا تذر.