23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

بعد تمكن القوات العراقية من طرد تنظيم داعش من الرمادي

بعد تمكن القوات العراقية من طرد تنظيم داعش من الرمادي

هل يمكن اعادة الحياة للمدينة التي دمرت بشدة يا ترى؟
بقلم ايرين كانينغهام “جريدة واشنطن بوست”
باتت عاصمة محافظة الانبار العراقية التي كانت مزدحمة يوما، باتت عبارة عن حقل كبير للركام والانقاض.

لقد تمكنت القوات العراقية من طرد مقاتلي تنظيم داعش المتطرف خارج المدينة الشهر الماضي، وذلك بعد سيطرة الاخير عليها لما يقرب من 7 اشهر، حيث اعلنت الحكومة العراقية تحرير المدينة من سيطرته. وقد كان ذلك انتصارا مهما للقوات العراقية. غير ان مدى الدمار الذي حاق بالمدينة يثير قلق الكثيرين حيال موعد اعادة بناءها اذا ما قدر لها ان يعاد بناءها اصلا.

ان ما سيحصل لاحقا في الرمادي التي تبعد بحدود 130 كيلومترا الى الغرب من بغداد، سيكون بمثابة اختبار للعراق اذا ما كان سيبقى بلدا موحدا، وما اذا كانت المناطق ذات الكثافة السنية الكبيرة ستستطيع العيش بسلام في ظل دولة ذات اغلبية شيعية كبيرة. ان العديد من سنة العراق لا يثقون بحكومة بلادهم التي يقودها الشيعة ويشعرون انها تتعمد اهمالهم. لكن اعادة اعمار وبناء الرمادي سيتطلب بضعة مليارات من الدولارات حسب مسؤولين عراقيين، وذلك في وقت تعاني فيه واردات البلاد تقلصا هائلا نتيجة لانهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية. وفي هذه الاثناء، يبدوان خطط تأمين المدينة بواسطة الآلاف من المقاتلين من ابناء العشائر السنية انما انهارت وحسب.

ان الخلافات الابتدائية حول تأمين المدينة يمكن لها ان تهدد عملية اعادة اعمارها، وتمنع سكانها من العودة الى ديارهم. كما ان المشاكل الامنية يمكن لها ان تستعيد التوترات القديمة ما بين الزعماء الشيعة والسنة هنا.

عن هذا الموضوع، يتحدث السيد رائد الدهلكي، وهو مشرع سني ورئيس لجنة النازحين في البرلمان العراقي، يتحدث قائلا “لقد دمرت الرمادي كليا، وليس هنالك من قوات لتأمين المدينة، فضلا عن انعدام الثقة ما بين الحكومة والسكان”.

لقد فر اكثر من نصف مليون انسان من الانبار منذ تصاعد القتال في الرمادي خلال الربيع الماضي، وذلك حسب بيانات صدرت عن منظمة الهجرة الدولية. كما ان ما يقرب من 3 ملايين عراقي نزحوا عبر ارجاء البلاد ايضا. واضاف الدهلكي “ان الرمادي تمثل مركز الطائفة السنية في العراق”.

واضاف كذلك “اذا ما برهنت الحكومة عن تباطئها في اعادة البناء، فأن ذلك يعني ان السنة لن يكون لهم مستقبل في العراق”.

كانت الرمادي التي تعد مدينة نابضة بالحياة وان كونها من اوائل مراكز التمرد السني التي اضطربت ما بعد الغزو الاميركي للعراق ربيع العام 2003، كانت تضم ما يقرب من 400000 من السكان. وقد تنعمت المدينة بمرحلة من الاستقرار النسبي القصير اثر نجاح برنامج تسليح المقاتلين من ابناء العشائر السنية الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة بغية طرد الجهاديين من هناك. الا ان العلاقة ما بين الزعماء السنة وحكومة بغداد الشيعية بدأت بالتدهور، الامر الذي مكن الجهاديين من كسب موطئ قدم ومراكز قوة متنامية من جديد. وبالنهاية، امكن لتنظيم داعش ان يستولي على المدينة شهر آيار من العام الماضي.

منذ ذلك الوقت، نفذ التخالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ما يزيد عن 800 من الضربات الجوية قرب الرمادي اوفي داخلها في مسعى منه لتشتيت وضرب مقاتلي تنظيم داعش. وقد تسبب القتال بتدمير ما يقرب من كامل البنية التحتية في المدينة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمصانع والجوامع التي سوي بعضها مع الارض كليا.

عن هذا الموضوع، تحدث اللواء علي جميل من فرقة مكافحة الارهاب التي تعد قوة نخبة عراقية خاصة قادت معارك الرمادي، تحدث قائلا “لقد كان انتصارا مكلفا جدا”.

ضمن احد الايام القريبة، كان اللواء جميل يستعرض الدمار والخراب الذي لحق بمركز المدينة حيث تحصن مقاتلو داعش في مواقع مثل المستشفيات والمباني الحكومية. لكن عند سؤاله عن آلاف المقاتلين السنة الذين يفترض ان ينشرهم المسؤولون العراقيون والاميركيون مباشرة بعد تأمين تحرير المدينة ومناطقها. كانت ردة فعل جميل انه هزأ بهذا الكلام.

وقال جميل معلقا “ليس هنالك غيرنا هنا، وليس هنالك اي مقاتلين من ابناء العشائر. لقد قالوا انهم سينتشرون هناك بمجرد ان يتم تسليحهم، الا ان ذلك لم يحصل. اننا لا نصدقهم، حيث ان زعمائهم لا يريدون الا اخذ الاموال من الحكومة وحسب”.

تبعا لبضعة مسؤولين وقادة عراقيين، فأن ما يقرب من 500 من المقاتلين من ابناء العشائر يتوزعون على الخطوط الامامية في ضواحي الرمادي، حيث تقاتل القوات الامنية ضد الجهاديين وسط بيئة مليئة بمتفجرات مصائد المغفلين والالغام ما بين بساتين اشجار النخيل. لكن في زيارة لمركز الرمادي، وجد المراسلون الصحفيون الشوارع مهجورة وخالية. وحتى ان زعماء العشائر السنية اقروا بأن آلاف المقاتلين السنة لم يصلوا لتنفيذ دوريات الحماية في المدينة حتى الان.

ويقول هؤلاء ان سبب تأخير وصول المقاتلين يعود الى ان الحكومة المركزية فشلت في توفير المرتبات والاسلحة اللازمة للآلاف من الرجال الذين تطوعوا لهذه المهمة. اما الحكومة، فأنها تقول من جانبها انها تخشى وقوع تلك الاسلحة بيد تنظيم داعش، فضلا

عن كونها تريد التأكد من ان هؤلاء المقاتلين غير مرتبطون بالتنظيم المتطرف الذي يعد تنظيما سنيا كذلك.

عن هذا الموضوع، كتب المحلل الاسبق لدى جهاز الاستخبارات المركزية الاميركية والخبير الحالي في شؤون الشرق الاوسط لدى مركز بروكنغز، السيد كينيث بولوك، كتب ما بعد تحرير الرمادي قبل شهر قائلا “ان هذه التأخيرات تؤثر سلبا بشكل اساسي الى درجة يكاد ينعدم معها وجود اي معنى لعملية المصالحة ما بين الزعماء الشيعة والسنة”.

خلال السنوات التي سبقت سيطرة تنظيم داعش، واضب الزعماء السنة على اتهام حكومة العراق التي يتزعمها الشيعة ومعها القوات الامنية العراقية، اتهامهم بتعمد قمع الاقلية السنية في العراق. ويعرب الشيخ رافع الفهداوي، وهو احد زعماء عشائر الانبار من عشيرة البو فهد، يعرب عن قلقه من احتمالات تصاعد التوترات في حال تم تأخير عملية اعادة بناء المدينة.

ويقول الفهداوي معلقا “اننا بحاجة لما يشبه خطة مارشال لاعادة بناء الرمادي”، وذلك في اشارة منه الى مبادرة الولايات المتحدة العملاقة لمساعدة دول اوروبا الغربية ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لكن الفهداوي استدرك بالقول “نحن لا نعتقد ان الحكومة العراقية ستساعدنا. فحينما يصل الامر للحكومة، فأن اهل الانبار يحملون غيضا كبيرا في صدورهم”.

يريد الفهداوي ومعه آخرون تحقيق قدر اكبر من السيطرة المحلية على الشؤون الحكومية في الوقت ذاته الذي يريدون فيه البقاء جزءا من الدولة العراقية بشكلها الحالي.

اما محافظ الانبار صهيب الراوي، فقد علق عن هذا الموضوع بالقول “كلما منحت الحكومة المركزية سلطة اكبر للحكومة المحلية، كلما كان اسهل ادامة وتحقيق امن المدينة”.

واضاف الراوي قائلا “حينما كانت شؤون الامن تدار من قبل بغداد، فأن مشاكل كثيرة حصلت”.

وختم الراوي يقول “ان الحكومة العراقية بحاجة الان لنشر رسالة المواطنة وخلق جو من الامن والامان”.