أثبتت نتائج انتخابات مجالس المحافظات 2013 في العراق حقائق جديدة واعادت ترسيم الخريطة السياسية الجديدة في العراق وما ستؤديه الى قراءة استباقية واستشرافية لواقع الانتخابات النيابية القادمة.
المجلس الاعلى بقيادة السيد عمار الحكيم حصل على 58 من مقاعد كتلة المواطن البالغة 61 بينما حصلت منظمة بدر بقيادة هادي العامري على 20 مقعداً من مقاعدة ائتلاف دولة القانون والبالغة 108 وبفارق ثلث مقاعد المجلس الاعلى.
ولعل هناك من يتوهم بان المجلس وبدر لو كانا مؤتفلين في ائتلاف واحد لحصلا على 78 مقعداً بمجموع مقاعدهما (58+20=78) وهذا خطأ فادح بل قد يتراجع رصيد المجلس الاعلى في حال ائتلافه مع منظمة بدر ولعلها هي الاخرى تتراجع في حال هذا الائتلاف لحسابات واضحة في فهم الناخبين.
لعل صعود المجلس الاعلى جاء على خلفية ثغرات واضحة في اداء حزب الدعوة واهتزاز مصداقيته بالاضافة الى الحملة الانتخابية المبكرة التي ابتدأها السيد عمار الحكيم في اغلب المحافظات قبل سنتين حتى الحملة الانتخابية الاخيرة عبر التحشيد الجماهيري وما ساعده ابتعاده عن اخطاء الحكومة والحكومات المحلية فليس للمجلس الاعلى محافظ واحد في عموم محافظات البلاد.
وتدعونا هذه النتائج للمجلس الاعلى ومنظمة بدر الى مقارنة قهرية لمعرفة اسباب الاخفاق لمنظمة بدر وعناصر النجاح للمجلس الاعلى ويستدعي ذلك الى مراجعة سريعة لاداء بدر وتجاوز مرحلة الاخفاق كما يستلزم ذلك الى اهمية استثمار المجلس الاعلى لهذا الانتصار والحفاظ عليه في الانتخابات النيابية القادمة وهي الاهم بكل الاعتبارات لا سيما ان المجلس الاعلى اصبح امام اختبار عسير بسبب ما اطلقه من وعود وبشائر لناخبيه اثناء الحملة الانتخابية.
ليس من الصحيح عزو اسباب صعود المجلس الاعلى الى ثغرات حزب الدعوة واداؤه الاخير المتخبط بل ان ما حصل عليه ائتلاف دولة القانون من مقاعد كان بسبب وهج السلطة واستغلال امكاناتها بالاضافة الى ائتلاف ست كيانات كبيرة داخله وهي منظمة بدر وحزب الدعوة المركزي وتنظيم العراق والفضيلة وتيار الاصلاح والمستقلون وهي بالحسابات الدقيقة يكون المجلس الاعلى اولاً وتيار الاحرار ثانياً وحزب الدعوة ثالثاً ومنظمة بدر والفضيلة رابعاً.
وبرؤية حيادية وموضوعية يمكن القول ان منظمة بدر تمتلك كوادر وعناصر جهادية ذات التأريخ الجهادي المشرق اكثر مما يمتلكه المجلس الاعلى رغم امتلاك الاخير الى قيادات سياسية مؤثرة كالمهندس باقر جبر الزبيدي والدكتور عادل عبد المهدي والشيخ جلال الدين الصغير وغيرهم لكن فرصة الاستفادة منها بالنسبة لمنظمة بدر اصبحت منعدمة بخلاف المجلس الاعلى.
والملفت ان السيد عمار الحكيم استطاع توظيف عناصر التأثير لديه من الكوادر الاعلامية والسياسية والجماهيرية بشكل ذكي وناجح بينما اداء العامري اتسم باسلوب نافر ورافض لعناصر التأثير وتعامل معها بعقلية شيخ العشيرة الذي يحاول التعامل بعقلية اصدار الاوامر والتوجيهات دون ان يستفيد من هذه الامكانات التأثيرية رغم ان امكانات المنظمة من الاموال قد فاقت امكانات المجلس الاعلى لاسباب واضحة جداً لا مبرر لكشفها لو عرفنا جهات التمويل وما انفقته على المنظمة من ملايين الدولارات التي لا يعرف كيف واين تمّ استخدامها وانفاقها.
عقلية العامري منغقلة على كل المبدعين ويتحسس من الاعلام بشكل خطير ولا يفرق بين الاعلام المضاد والاعلام المؤيد لنشأته القروية وطبيعته الشخصية ضيقة الافق بينما السيد عمار الحكيم ينفتح على الجميع ولا يجد تحسساً من الطاقات لكسبها وجذبها ولا يصغي لمقربيه في تقييم الافراد بطريقة تنافسية وانتقامية واستبعادية.
ولعل الخصوصية التي تميز بها السيد عمار الحكيم بسبب نشأته الدينية والتربوية فهو يعيش توجهاً قيادياً لا يؤمن بالتابعية لاحد او الانقياد لاخرين الا انقياده للمرجعية الدينية وطاعته الواقعية لتوجهات هذه المرجعيات بينما هادي العامري فلا يعيش الا منقاداً وتابعاً فمن انقياده الى السيد الشهيد محمد باقر الحكيم الى السيد المرحوم عبد العزيز الحكيم حتى ارتمائه باحضان المالكي والاصغاء اليه اصغاء التلميذ لاستاذه واصغاء الجندي لقائده.
وثمة خصوصية اخرى جدير بالاشارة والاثارة وهي ان السيد عمار الحكيم انفتح على الشباب وابناء الداخل ولم يعر اهمية كبرى الى التأريخ والتضحيات والتغني بالامجاد والاطلال والملاحم بل كان يراهن على الحاضر والواقع ومتطلباته ولذلك حاول تشكيل سياسي ظل وهو فرسان الامل بينما هادي العامري قرب بعض عناصر بدر من الشخصيات القديمة التي استهلكت تماماً وانضمت اليه بحثاً عن المصالح الشخصية والامتيازات الحزبية.
والخصوصية الاخرى هي ان السيد عمار الحكيم لا يتوجس من قيادات المجلس الاعلى التي اثببت ولاءها له وانسجامها معه واندكاكها به كالشيخ همام باقر حمودي وجلال الصغير وباقر جبر الزبيدي وعادل عبد المهدي وحامد الخضري وعبد الحسين عبطان وعزيز كاظم علوان بينما وجود قائد بدر السابق ابو مهدي المهندس كان عامل قلق لدى العامري وشكل صراعاً خفياً على موقع القيادة واسهم في ايجاد تكتلات داخل بدر منقسمة بين المهندس والعامري وهو ما اضعف دور بدر لما هو معروف من ابو مهدي المهندس من عقلية متمرسة بالمؤامرات والمخططات والمناورات كما يبدو واضحاً من مسيرة هذا الرجل المثير للجدل.
وللانصاف فان هادي العامري هو الاكثر مصداقية وصدقاً من ابو مهدي المهندس وهو الاكثر ثباتاً واتزاناً بخلاف المهندس المعروف بالاعيبه ومناوراته المشبوهة.
على هادي العامري ومن هذه اللحظة الاستعداد المبكر للانتخابات النيابية القادمة وقراءة اداء بدر في بغداد والمحافظات وخاصة تلك المحافظات التي شهدت اخفاقاً في دورها ومعالجة هذه الاخفاقات بشجاعة وتغيير بعض المسؤولين المقصرين، وعليه الانتباه الى محافظات النجف والناصرية والكوت فهي الاقل اصواتاً للبدريين رغم وجود الالاف من البدريين في هذه المحافظات. ولابد ان يعقد هادي العامري مؤتمراً موسعاً لبدر، وان يتحرك على مجاهدي الهور والداخل الذين شعروا بالاهمال وعدم التفاعل معهم وايجاد رؤية سياسية واعلامية مدروسة من اجل النهوض مجدداً في اداء بدر فان الفرصة مازالت مؤاتية ومناسبة.
ولابد للعامري ان يتخلص من عقدة النقص والدونية التي تحرك سلوكه، للتخلص من التبعية حتى في حال وجوده مع دولة القانون عليه ان يتبنى خطابا ينطلق من واقعه كبدر لا ان يكون ظلا للمالكي، وصدى لصوته، وعليه ان يبحث بين البدريين عن الكفاءات ويتخلص من العناصر المصلحية التي شوهت سمعته وافقدته الثقة بين البدريين.
وعلى هادي العامري استثمار هذه الفرصة قبل فوات الاوان فان اية مجاملة او بطأ في التغيير والمراجعة سيفوت عليه فرصة النجاح وتجاوز الاخفاق فان انتخابات مجلس النواب على الابواب.