22 نوفمبر، 2024 10:11 م
Search
Close this search box.

بعد المهندس وسليماني… ماذا يريد ترامب

بعد المهندس وسليماني… ماذا يريد ترامب

يبدو ان التاريخ بعد مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني سيكون فاصلًا لما قبل تنفيذ العملية وستدخل الأحداث مرحلة اكثر خطورة على بلادنا فعملية الاغتيال التي نفذتها طائرة أمريكية خلقت نقطة ارتكاز بين زمنين جعلت المواجهة اكثر قربا بين قطبي الصراع الإقليمي المتمثل بواشنطن وطهران، بسبب حجم الخسارة الكبيرة التي اصابت النفوذ الإيراني في المنطقة خاصة وان سليماني لم يكن صاحب مشروع عسكري فقط إنما ” أجاد” فن السياسة مع مختلف الأطراف وكان يمتلك القدرة على ادارة الحوار والإقناع في أربعة محاور (سوريا، العراق، لبنان، اليمن) وهو جالس في طهران، وحتى ابو المهدي المهندس الذي تطارده امريكا منذ أربعة عقود لم تتوقع بان سيكون صيدًا سهلًا بهذه الطريقة.
لكن القصة بدأت بعد اقتحام السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، ووجود ابو مهدي المهندس مع زعيم تحالف الفتح هادي العامري والأمين العام لعصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي ومستشار الامن الوطني فالح الفياض في المقدمة، والهتافات التي أطلقت مع احراق بوابات السفارة بعبارات تمجد طهران وتطالب امريكا بمغادرة العراق، حتى وجدت واشنطن “سليماني قائدي” خطت على جدران سفارتها، لتعتبره ادارة البيت الابيض “إهانة” كبيرة قد تفتح الأبواب للمزيد من التجاوزات في حال عدم مواجهتها برد يتجاوز حجم “الإهانة”، وليس كما حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبريرها بان العملية جاءت ردًا على تورط سليماني والمهندس بمقتل العديد من الجنود الأمريكان او الاستعداد لعملية كبيرة ضد واشنطن، واصبح السبب الحقيقي واضحا ولا يمكن تفسيره بغير تعرض السياسة الأمريكية للإحراج بعد اقتحام سفارتها في اكثر منطقة كانت تعتقد انها محصنة ومحمية بالحلفاء.
صحيح ان عملية الاغتيال غيرت من قواعد الاشتباك في المنطقة وأصبحت بداية لسلسلة عمليات ضد من تصفهم امريكا “بأذرع” ايران، بطريقة مشابهة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، الذي استغلت خلالها واشنطن استهداف مركز التجارة العالمي لإعلان الحرب ضد أفغانستان والنظام العراقي السابق “بحجة” مواجهة الخطر الذي يهددها حتى تمكنت من “الإطاحة” بحجر العثرة الذي كان يمنع واشنطن من فرض نفوذها الواسع في الخليج، قبل ان تصطدم بطهران، فالرئيس الأمريكي يحاول الاستفادة من ورقة اقتحام السفارة ليكمل ما بدأته السياسة الغربية بعد 2001، لكن ردة الفعل على مقتل المهندس وسليماني وعدم اجماع الكونغرس على عملية الاستهداف التي أطلق عليها “البرق الأزرق” جعلت ترامب يلجأ لمحاولة إقناع ايران بان مرحلة سليماني انتهت والنظرية يجب ان تكون “رأس سليماني” مقابل الموافقة على شروط الحوار والمفاوضات، وهذا اصبح واضحا من خلال تغريدة الرئيس الأمريكي التي خاطب فيها القادة الإيرانيين قائلا، “لم يسبق ان انتصرت ايران في اي حرب… ولكنها لم يسبق ان خسرت باي مفاوضات”، وهذا يعكس الحذر الأمريكي من تخطيط طهران لردة فعل كبيرة انتقاما لمقتل سليماني، التي قد تكون في العراق او سوريا او اليمن، او تتجاوز على مصالح واشنطن في البحر او السعودية اوالبحرين، لذلك نرى بان ترامب مرة يغازل طهران وأخرى يهدد بالتصعيد.
لكن تلك التطورات ستدفع واشنطن لمحاولة ايجاد منفذ يبعد الصراع المباشر مع جنودها من خلال “فتنة” تخلقها داخل حدودنا بين الفصائل المسلحة المحسوبة على ايران والجهات الشيعية التي تبتعد عن محور طهران باستغلال روح الانتقام التي دعت لها بعض الفصائل وخاصة كتائب حزب الله بعد إعلانها عن فتح باب التطوع للاستشهاديين لتنفيذ عمليات انتحارية ضد من وصفتهم “بالصليبيين”، في حين خاطب ترامب الجهات المعترضة بالكونغرس، من خلال الإشارة الى مقاطع مصورة نشرت عن هتافات لبعض المتظاهرين بعد مقتل المهندس وسليماني، بالقول، “انظروا.. الشعب العراقي كم هو سعيد بقتلنا للجنرال سليماني”، ليتدخل بعدها وزير الخارجية مايك بومبيو في تغريدة تضمنت صورًا ومقاطع فيديو لمتظاهرين يهتفون فرحًا”، واكتفى بذلك من دون اي تعليق، وهو ما يثبت نوايا واشنطن خلال الأيام المقبلة.
فامريكا ستحاول استغلال جميع المواقف “لشحن” الأجواء، لكن المرجعية الدينية استبقت تلك الاحداث خلال خطبة الجمعة حين ما علقت على استهداف المهندس وسليماني، بان “هذه الوقائع وغيرها تنذر بأن البلد مقبل على اوضاع صعبة جدا، لتدعو بعدها الجميع الى ضبط النفس”، تجنبا لعودة بلادنا إلى سنوات العنف الطائفي، بعد تصاعد الخطابات التي تدعو باستهداف المصالح الأمريكية والمتعاونين معها، وهو ما قد تستغله بعض الأطراف لتصفية الحسابات بحجة “استهداف المتعاونين مع واشنطن”، الأمر الذي دفع زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى إصدار امر بجهوزية جيش المهدي ولواء اليوم الموعود وجميع الفصائل التابعة للتيار الصدري باعتباره مسؤول المقاومة العراقية الوطنية، لتكون على أتم الاستعداد لحماية العراق، كما تحدث خلال التغريدة التي كانت بدايتها تعزية لإيران بمقتل سليماني، لكن تغريدة السيد الصدر قد تكون ردًا على بيان الأمين العام للعصائب الشيخ قيس الخزعلي الذي كان بنبرة تهديد واضحة حينما دعا “المقاومين والمجاهدين الى “الجهوزية، كون القادم فتح قريب ونصر كبير”، ليختتم البيان بآية قرآنية تتحدث عن نصر المؤمنين والثقة بوعد الله، وهذا ما يفسر مخاوف اختلاط الأوراق اثناء ردة الفعل الانتقامية وهذا ما تسعى لنقله واشنطن داخل اراضينا.
الخلاصة… ان اغتيال الجنرال سليماني والحاج ابو مهدي المهندس بهذه الطريقة تتحمله الجهات التي خططت وتقدمت لقيادة اقتحام السفارة الأمريكية لكونها وفرت الفرصة المناسبة لواشنطن لتنفيذ رغبتها بالتخلص من ابرز القيادات التي تشكل تهديدًا واضحًا للولايات المتحدة، فهذه “غلطة الشاطر” التي طال انتظارها، لتستخدمها الإدارة الأمريكية بتثبيت نفوذها حتى لو كان على حساب استقرار وامن المنطقة، اخيرا… السؤال الذي لا بد منه هل سيكون للعقلاء رأي مسموع؟..

أحدث المقالات