بعد الضربات الأميركة للمنشات النووية الايرانية (فوردو ونطنزأصفهان) أعلنت ايران الدفاع عن نفسها بأي ثمن، وأنها تدرس خيار إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي , وانها قادرة على ذلك عسكريا,فالقوة البحرية الإيرانية أقوى بحرية بالعالم وتتصدر المركز الـ37 بين أقوى 145 دولة ، حسب مؤشرات موقع “غلوبال فاير باورالأميركيلعام 2024 لذا أصبحت عنصراً محورياً في استراتيجية إيران العسكرية في الدفاع المتقدم على غرار الصواريخ والطائرات المسيرة.
تنقسم القوات البحرية الإيرانية إلى قسمين: القوات البحرية التابعة للجيش، والقوات البحرية التابعة لحرس الثورة الإيرانية، ويمتلك كل منهما قواعد بحرية خاصة به, وتنتشر في منطقتين جغرافيتين في حوض بحر قزوين شمالا ، وفي سواحل الخليج العربي وخليج عمانجنوبا ، وفي مضيق هرمز الواصل بينهما، فالنفوذ الجغرافي لإيران من خلال مضيق هرمز على الشحن العالمي على ما يزيد 20% من النفط العالمي يمنحها “القدرة على التسبب في صدمة في أسواق النفط، ورفع أسعار النفط، ودفع التضخم.
استوردت الصين، أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، 5.4 مليون برميل يوميًا عبر مضيق هرمز في الربع الأول من عام 2025، بينما استوردت الهند وكوريا الجنوبية 2.1 مليون و1.7 مليون برميل يوميًا على التوالي, وانّ الولايات المتحدة تستورد نحو 700 ألف برميل من النفط الخام والمكثفات يمر من خلال المضيق يومياً ـ وهو ما يمثل نحو 11 % من إجمالي وارداتها من النفط و3 % من استهلاكها من البنزين , في حين المملكة العربية السعودية تصدّر حوالي 6 ملايين برميل من النفط الخام يومياً عبر مضيق هرمز, وبالمجمل فانه أكثر من 90% من الصادرات النفطية والغازية للسعودية والكويت والإمارات وقطر عبر مضيق هرمز.
قدّرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أنّ حوالي 20 مليون برميل من النفط مرّت عبر المضيق بشكل يومي خلال النصف الأول من عام 2023 وهذا يُعادل قيمة تجارة تصل قيمتها إلى 600 مليار دولار سنوياً , وأن حصة أوروبا مجتمعة من النفط الذي يمرّ عبر المضيقتبلغ أقل من مليون برميل يوميا , لهذا فان إغلاق مضيق هرمز بالنسبة لإيران، يُعدّ شكلاً من أشكال “القوة الرادعة” – وهو أشبه بامتلاك سلاح نووي , لهذا فان من منظور الاقتصاد العالمي لا توجد أماكن تُضاهي أهمية مضيق هرمز من الناحية الاستراتيجية.
بعد ان دخلت امريكا الحرب الى جانب اسرائيل , فايران قادرة على مهاجمة السفن الامريكية والتمكن منها , الا نتذكر كيف فشلتالحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا في وقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر؟! فمن الصعب مواجهة العمليات البحرية غير المتكافئة، وبخاصة عندما تحدث في مياه بعيدة, فإذا شنت إيران هجمات بحرية على الأصول البحرية الأميركية والشحن التجاري في الوقت نفسه وعبر مناطق جغرافية متعددة، فحتما ستتمكن من التغلب على القوات البحرية الأميركية , لاسيما تملك البحرية الإيرانية كاسحات ألغام وقطعا برمائية مختلفة، وسفن هجوم سريعة وسفن إنزال وزوارق سريعة مسلحة بالصواريخ والألغام البحرية، وسربا بحريا مكوّنا من طائرات ومروحيات، اضافة الى منظومة دفاع صاروخية ساحلية, ويمكن للغواصات الخفيفة العمل في مياه الخليج الضحلة، الأمر الذي يجعلها واحداً من أكبر التهديدات، التي تواجه الأسطول الأميركي في المنطقة، وخصوصاً حاملات الطائرات الامريكية لا تمتلك قدرات على المناورة، كما أن هذه الغواصات مجهزة بطوربيد حوت الذي يعدّ من الأسرع .
يتوقع الخبراء أن تكون إحدى أكثر الطرق الإيرانية فعالية لوقف حوالي 3000 سفينة تمرّ عبر الممر المائي كل شهر، وهي زرع الألغام باستخدام قوارب هجومية سريعة وغواصات , ومن المحتمل أن تشن البحرية الإيرانية والبحرية التابعة للحرس الثوري، هجمات على السفن الحربية والتجارية الأجنبية.
وفى ظل هذه المعطيات، لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا ان ايران سوف لا تغلق مضيق هرمز إغلاقًا كاملًا، بل تصعيدًا جزئيًا على شكل عمليات تهديد للملاحة، أو استهداف محدود لناقلات نفط، بما يسمح لطهران بإيصال رسالة الردع دون أن تتحمل كلفة باهظة , لان الاغلاق الكامل سيمثّل بلا شك مشكلة اقتصادية هائلة في العالم بالنظر إلى تأثيره على أسعار النفط وسيضر بايران نفسها ويضر بحلفائها, فأي خطوة تتخذها إيران لعرقلة تدفق النفط عبر المضيق قد يهدد علاقاتها مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وهي علاقات طالما عملت إيران على تحسينها بصعوبة في السنوات الأخيرة , وإن إغلاق مضيق هرمز سيكون له أثر عكسي على علاقة إيران بعميلها النفطي الوحيد، الصين , اذن اغلاق المضيق يتعارض مع مصلحة الجميع وبما فيها ايران نفسها
وبالنتيجة إن استمرارعمل مضيق هرمز “ضروري للغاية” لصحة الاقتصاد العالمي.
د. راجي العوادي
باحث اكاديمي وكاتب مستقل