23 ديسمبر، 2024 6:39 ص

بعد الزيارة الأممية…هل تحتاج التفاهـمات الى طريق جديد؟

بعد الزيارة الأممية…هل تحتاج التفاهـمات الى طريق جديد؟

جاءت زيارة السيد الامين العام للامم المتحدة ومرافقيه في ظروف دقيقة وحساسة تمر بها البلاد وسط الهواجس والعواصف المقلقة والمنذرة بشيء ما محلياً واقليمياً ، وهي تحتاج بلا شك الى قراءة واعية ، تتحّسب لحقائق الامور وطبيعة ما يجري ، وسير تطورها ومواجهة ذلك بمنطق سياسي سليم مرن، قادر على اعادة المسار. فالتجربة السياسية الجديدة كان ميدانها التحول من الشرعية التقليدية المعبأة بأشد الايديولوجيات المنافية لروح الانسان والتقدم التي حكمت البلاد لثمانية عقود، وربما اكثر الى شرعية تستقر على قواعد دستورية وقانونية.
الحضور الدولي الجديد في ساحة البلاد، توكيد معنوي ومادي بضرورة تجاوز العقبات بحكمة ، والانتباه الى اهمية تظافر الجهود الداخلية في تطويق الازمات عبر الوصول الى برنامج اصلاح قائم على التفاهمات المعلومة والحقائق الواضحة للجميع ، بغية اعادة الانفاس الى البنية المتهالكة للدولة ، التي أكلها الفساد ومخلفاته من فوضى ادارية ومالية وصلت حد تهديد رمق المجتمع ولا سيما في طعامه.
حضور السيد الامين العام للامم المتحدة جلسة البرلمان الاتحادي ، دفع دولي آخر الى تأكيد ضرورة اليقظة ازاء قضايا البلاد الاساسية ، فضلا عن اهمية الرصد والمتابعة والبناء ، وهو الميدان الاساسي لعمل اي برلمان ، ومثل هذا الدور غاب عن البرلمان الاتحادي ، الذي انخرط في توجسات الصراعات والاصطفافات السياسية طبقاً لجغرافية البرلمان السياسية الموزّعة بين عديد القوى ، والدخول في خنادق التشابك من دون التفكير الجدي وعلى مّر الاعوام السابقة في بناء أرضية مشتركات تكون قواسم ثابتة ، يسعى الى تطويرها الجميع ، بهدف تقريب الاولويات الوطنية وتحديد مسار واضح وشفاف للعمل البرلماني .
من شأن الاتفاقات الجماعية البرلمانية على قضايا وطنية واساسية منطلقة من روح الدستور، ان يجسد دوراً تاريخيا للبرلمان ، يمكن ان يلعبه في انتشال البلاد من سوء الاوضاع، ويجنح به الى مستقبل افضل وتلك مأثرة نفتقدها.
انعدام الدور البرلماني الفاعل يجد صداه ، فيما تعانيه البلاد من شتى انواع الازمات بسبب الفساد المستشري الذي طال السكوت عليه بأكثر مما ينبغي ، وبأكثر مما تحتمله طبيعة الظروف وطبائع الاشياء ، وهكذا فان الاحساس بالسخط تزايد قوة وعمقا ، بسبب غياب قنوات الشرعية التي يستطيع السخط الجماهيري ان يعبر بها عن نفسه ، وفي مقدمتها البرلمان الذي تحاصره الآن اصوات الاحتجاجات المدوّية التي تنبّه الى ان النبض الجماهيري ما يزال يدق بقوة .
ان تكون الجماهير هي آخر قلاع التعبير، امر يفت في عضد اية شرعية مهما كانت.
من شأن دور برلماني جديد ، واع وممثل للحاجات الحقيقية للمجتمع ، أن يضعه في مكانه الطبيعي بعدّه واحدا من اهم مؤسسات البلاد التشريعية والرقابية التي لها علاقة مباشرة بالبناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
قدَّم الوفد الاممي توصيات رأي ومشاورات في مجالات سياسية ومالية عديدة ، تهدف الى إعانة خروج البلاد من قمم ازماتها الماحقة المحدقة الناجمة عن اداء حكومي سيئ .
ومن دواعي الأسف ان يفكّر الآخرون في تعزيز امكاناتك الذاتية وقدراتك ، في الوقت الذي تنقلب فيه على نفسك ، وهو حال الوضع المعقّد المتباطىء على الصعيد الرسمي.
الاصلاحات تحتاج الى اراداة وطنية ، تستقي رؤيتها الجديدة من طبيعة مسار العملية السياسية على مّر الاعوام الماضية ، بكل تناقضاتها ونواقصها وكوارثها في الفساد الاداري ، وترّهل
هيكلية الدولة ، وتعطيل عملية البناء والتنمية ، وهي ما تتطلب تصحيح المسار، بكل ما تقتضيه من تنقية للأجواء ، ووقف الانتهاكات الدستورية ، ومحاولة اشراك جميع القوى السياسية والمجتمعية في صياغة الاصلاح الجديد ، الذي بدأ مشواره بتشكيل لجنة لاختيار الوزراء الجدد في حين غيبوا عنها الكورد، وسواء كان هذا التغّييب ، عمديا أو سهوا ، فأنه مؤشر على الاصرار على عدم الالتزام بالتعايش مع بقية العراقيين ، خاصّة ان الكورد هم المكوّن الرئيس الثاني في البلاد ، وهو ما يسيئ ايضا الى العلاقة العضوية مع الشعب الكوردستاني ومشاعره وفي مقادير الثقة والاعتماد.
من واقع حركة المجتمع الدولي السياسية والمدنية ، يتجلى بوضوح انخراط المجتمع الدولي في تأكيد عمليات الاصلاح في أمكنة متعددة تصل حدودها الى مستوى قارات العالم ، وهي ما تبين ان الاصلاح اضحى شأناً عالمياً لا يستهان به.
مجموعة المشكلات الدولية المتراكمة في بلدان الشرق، وشمالي افريقيا ناجمة عن التخلف ، والاستبداد الطويل والجهل وضيق الافق ، وغياب البرامج التنموية البشرية والاقتصادية ، وكلها عوامل ضغط قاهر دفعت مجتمعات وشعوبا الى الهجرة وركوب مخاطرها، بسبب ما يتعرضون له من محّن ، ليصبح شجنهم مشكّلة معقّدة ، أقلقت الدول الاوربية وغيرها التي وجدت نفسها امام سيل عارم من البشر المفتقد للامن والطعام والحرية ، وسط اوضاع دولية عقدّها الارهاب الاسود ، ومشاريع موته المجاني المتفشي ، لتصبح المشكلات ذات ابعاد فنية لوجستية خطيرة ، وهي اثمان باهظة يدفعها المجتمع الدولي وشعوبه ، جراء غياب الاطر السياسية السلمية للكثير من الانظمة ، خاصة في مجال الحريات الديمقراطية والشفافية ، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية ، التي تستدعيها الضرورات الواقعية للحياة ، وهي ما تتسبب في هلاك الالوف من البشر من دون نوازع حقيقية اخلاقية او قانونية .
وقد ذكرت المنظمة الدولية للهجرة بان اعداد المهجرين العراقيين داخل البلاد وخارجها يفوق الثلاثة ملايين ونصف ، وهي مساحة هجرة كبيرة ينبغي التوقف عندها مهما كانت دواعيها.
ان مبادئ ومتطلبات التعايش السلمي في بلد واحد ، تستدعي ان يسارع كل طرف الى طمأنة الطرف الآخر على حقوق واحترام خصوصياته وتضمينها على اساس التكافؤ، وهو عنصر التوازن في المعادلة ومثل هذه الطمأنة ضرورية لمختلف العراقيين لانها السبيل الوحيد لبناء مسارات مشتركة للجميع.
في غمرة الأزمة وتداعياتها هل تحتاج التفاهمات الى طريق جديد؟!.