ابرمت روسيا والولايات المتحدة اتفاقاً يقضي بتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية ، على امل ان يؤدي ذلك إلى تفادي القيام بعمل عسكري أمريكي ضد سوريا ويبعد شبح حرب قد تشعل المنطقة كلها .
وبموازة ذلك ، اضطلع العراق بدوره الاقليمي والدولي ، اذ طرح مبادرة لحلحلة الازمة السورية تتضمن وقف اطلاق النار وانسحاب العناصر الاجنبية وتحديد موعد لاجراء الانتخابات .
ويطالب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد محادثات استمرت ثلاثة أيام في جنيف بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف بأن تسلم الحكومة السورية “قائمة كاملة” بمخزوناتها من الأسلحة الكيماوية خلال أسبوع ، وسيبدأ المفتشون الدوليون العمل بسرعة للتخلص من كل الأسلحة الكيماوية لدى سوريا بحلول منتصف العام القادم وهو “هدف طموح” على حد وصف كيري في مؤتمره الصحفي الذي عقده مع نظيره لافروف .
وبموجب اتفاق جنيف ستؤيد الولايات المتحدة وروسيا آلية للتنفيذ من خلال الأمم المتحدة، لكن شروط هذه الآلية لم توضع بعد ، وبموجب بنود الاتفاق الأمريكي الروسي فإن مجلس الأمن الدولي سيشرف على العملية ، ويجب على سوريا أن تسمح لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن تستكمل تفتيشا أوليا على مواقعها الكيماوية بحلول تشرين الثاني.
كما ينص على أنه ينبغي أن يسمح قرار لمجلس الأمن بإجراء تقييمات منتظمة للسلوك السوري وفي حالة عدم الالتزام يجب على المجلس “اتخاذ إجراءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.” ، وقد يشتمل الفصل السابع على استخدام القوة لكنه قد يقتصر على أنواع أخرى من العقوبات.
ما حصل من تطورات بشأن نزع فتيل ضربة عسكرية أميركية ضد سورية يمكن أن تكون مدخلاً لتطورات دراماتيكية في مسار الأزمة السورية ككل، إذا ما تم البناء عليها لوقف الحرب، والشروع في تسوية سياسية للصراع ، ويتضح ذلك من خلال امرين :
الاول ، ان هذا الاتفاق ، جاء بعد مفاوضات وصفت بالشاقة ، وجه ضربة لآمال معارضي الأسد في ترجيح كفة الحرب لصالحهم ، بعد ان كانوا يتوقعون قبل أسبوعين ضربات جوية أمريكية في أية لحظة ردا على ادعاءات باستخدام السلاح الكيمياوي – بالغاز السام – على المناطق التي يسيطرون عليها .
والامر الثاني ، ان روسيا استطاعت ان تفقد الولايات المتحدة ظلها ، اذ إن الاتفاق “لم يذكر شيئا عن استخدام القوة ولا شيء بشأن أية عقوبات تلقائية ” ، ويركز الجهود الدولية بهدف مشترك وهو إزالة ترسانة الأسلحة الكيماوية ، لتجنب السيناريو العسكري الذي سيكون كارثيا للمنطقة وللعلاقات الدولية ككل “، خصوصا بعد موافقة الحكومة السورية على المبادرة الروسية لفرض رقابة دولية على اسلحتها الكيميائية.
وعلى الرغم من ذلك ، فأن الولايات المتحدة ، الساعية لتدمير العرب ، ارادت على الجانب الاخر عدم تغييب ثقلها الدولي باظهار نوع ما من التهديد ، اذ قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عقب اعلان الاتفاق ، إنها لم تجر تغييرا لتوزيع القوات الأمريكية وإنها مازالت في مواقعها وان التهديد الجاد باستخدام القوة العسكرية كان السبب الرئيسي في إحراز تقدم دبلوماسي ومن المهم أن يفي نظام الأسد بالتزاماته بموجب الاتفاق ، كما ان ذلك يدل بالضرورة على التوقيت المباغت للتدخل الروسي لتبديد الاحلام التوسعية في المنطقة .
وعلى المدى المنظور ، تأتي المبادرة العراقية بعودة قوية للدبلوماسية العراقية الى القيام بدور في حل ازمات المنطقة ، ومن هنا تأتي جولة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي على دول الجوار ضمن اطارين ، احدهما تحقيق تفاهم في القضايا الثنائية على اساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاحترام المتبادل ، والاخر طرح مبادرة لحل الأزمة السورية ، ففي طهران ، تطابقت الرؤى بين العراق وايران بأن الحل العسكري لن يضع حدا للازمة في هذا البلد و’ان الطريق الافضل هو الحل السياسي بمشاركة كافة الاطراف وصنع الارضية للديمقراطية ، اذ يامل العراق موافقة دول الجوار على المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء نوري المالكي من تسعة نقاط الدعوة لوقف اطلاق نار فوري وشامل على كامل الاراضي السورية ،ووقف عمليات تزويد اي طرف من اطراف الصراع بالمال والسلاح وانسحاب جميع المقاتلين الاجانب من الاراضي السورية الذين يتعاملون بلاوعي ويسببون تراكما وتوسعا وانتشارا في الازمة ، ودعم استمرار التحقيق المحايد الذي تجريه منظمة الامم المتحدة حول استخدام السلاح الكيمياوي، ورفض التدخل الاجنبي في الشأن السوري من دول الجوار والعالم ، الى جانب الزام النظام والمعارضة بجدول زمني لاجراء مفاوضات مباشرة باشراف عربي ودولي ووضع خارطة طريق لاجراء انتخابات حرة في سوريا تحت اشراف عربي ودولي يعقبها تداول سلمي للسلطة.
مرة أخرى، إن المستوى الذي بلغته الأزمة السورية من وقوع عشرات آلاف الضحايا ومئات آلاف الجرحى، وتهجير ولجوء الملايين من أبناء الشعب السوري ، بات يفرض تحركاً دبلوماسيا مكثفاً وسريعاً لتفادي مخاطر تداعيات الأزمة على دول الجوار، خاصة العراق.