23 نوفمبر، 2024 2:47 ص
Search
Close this search box.

بعد الإستماع إلى طارق عزيز، “إجتثاث” البعث واجب !

بعد الإستماع إلى طارق عزيز، “إجتثاث” البعث واجب !

يحدد السيد طارق عزيز منذ البداية السبب الرئيس في مسخ طبيعة العراق الحديث، فيقول إنه “ضعف القيادة.” وأفهم من هذا إن صدام حسين قد تآمر على القيادة السياسية لحزب البعث العربي الإشتراكي، واستخدم كل الأساليب غير المشروعة كي يصل إلى رئاسة الحزب والدولة، ولو لم تكن القيادة السياسية للحزب ناقصة لما وصل من وصل من التافهين ( والتعبير لعزيز نفسه) من أمثال الدوري ورمضان ومزبان وعجلان إلى قمة الهرم، ولما قامت الحروب، ولم يحدث ما حدث، لكن من المستحيل إعادة التاريخ إلى الوراء. التأريخ لا يعيد نفسه. الحقيقة إن الرجل في الحلقة الأولى لا يذكر شيئاً عن تربيته الأولى، وهو أمر مهم جداً، كما لا يذكر سنوات وجوده في بيروت ورئاسته لتحرير مجلة مغمورة هي “البيت”، كانت تهتم بأخبار المشاهير من نجوم المجتمع اللبناني. كما إنه لا يذكر شيئاً عن عمله في صحيفة البغداد أوبزرفر. وللعلم فإن طارق عزيز هو الذي نشر محاضرة صادق جلال العظم التي ألقاها في النادي المسيحي في بغداد، وأدى هذا إلى خروج الإسلاميين للتظاهر في زمن عبد الرحمن عارف. ما أثار إنتباهي أولاً أن عزيز يفسر جنوح صدام إلى القسوة بسبب أنه فلاح. والحقيقة أن هذا تفسير عجيب إن لم يكن ساذجاً. فصدام لم ينحدر من عائلة فلاحية من ناحية. ومن ناحية أخرى فالفلاحون عموماً لا يتصفون بالقسوة. ويقول إن صداماً بنى عراقاً صناعياً، ثقافياً مزدهراً، لكن الكل يعرف بأن حلم كل سيدات العراق في عهد الثورة البيضاء هو الحصول على جهاز “ست البيت” للطبخ، وهو المثال العملي الأبسط، فعن أية صناعة يتحدث الرجل؟ وما هي الثقافة العراقية الوطنية التي أفرزتها تلك السنين غير ثقافة عبادة القائد الرمز، الضرورة، وتأليهه؟ ما الذي أضافه السيد عزيز وكل جماعته إلى مفهوم الوحدة العربية، أو إلى الحرية، أو إلى الإشتراكية؟ لاشيء غير التمزق، والتشرذم، والقمع، وسرقة أموال الشعب.
أما حينما نأتي مع الرجل إلى أمور السياسة الدولية فإننا نرى منه العجب. يقول إنه لم يكن موافقاً على إحتلال الكويت وذلك لأن هذا سيؤدي إلى المواجهة العسكرية مع أمريكا، ويضيف بأن القرار نفسه هو قرار “إجتهادي”، لم يأت عن قناعة، لكن لم يكن على قيادي مثل السيد عزيز أن يعبر عن رأيه بسهولة. ونسأل إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يلجأ إلى الإستقالة مثلاً، وإعتزال الحياة السياسية جملة وتفصيلا؟ ما الذي جعل عزيز يدور حتى النهاية في عجلة الموت والدمار؟ ولو فعل ذلك لإستحق أن يدخل اسمه التاريخ، وليكن من الباب الضيق، ولما قادته خطاه في نهاية المطاف إلى محاكمة ذليلة جاهزة. يقول إن صداماً حينما يصمم على شيء فلا أحد يثنيه عن رأيه. إذاً ما صدام هذا غير دكتاتور أرعن؟ أما حكاية مرض صدام الجسدي أو النفسي الذي قد يتخذه عزيز ذريعة لإشعال نار الحرب، فإن أحدث الدراسات تؤكد اليوم إن هتلر لم يكن يعاني من أي مرض. وبطريقة الإستدلال، أو التماثل الوظيفي- وهاتان طريقتان علميتان في البحث- يمكننا القول إن صداماً لم يكن مريضاً قط، بل كان رجلاً نفذ ما كان يؤمن به بحرفية واقتدار نادرين، واستحق ما استحقه. العجيب إن السيد عزيز مازال مؤيداً لإحتلال الكويت، وحينما نسأله عن الداعي يقول إن الأمر بدأ منذ الملك فيصل الأول، وغازي، والسويدي. وأنظروا هنا جيداً، فالجمهوريات التي قضت على الملكية تعود الواحدة بعد الأخرى إلى الطروحات الملكية.
أما الحرب العراقية الإيرانية فأمرها عجيب مع طارق عزيز. يقول إنها كانت للتسوية؟ إيران لها أطماع في العراق- وهذا صحيح مئة بالمئة، وهل تقام المصالح الدولية بغير الأطماع المتبادلة؟ أنظروا إلى رأي عزيز هذا: قامت الحرب لأن الخميني إدعى الإمامة، وهذه تبقى منقوصة بغير السيطرة على المراقد الشيعية في كربلاء وسامراء والنجف! وأعتقد أن السيد عزيز بسذاجته هذه يعتقد أن الخميني ساذج مثله، أو بسذاجة سيده، وإن ساسة إيران الحديثة بسذاجة رفاقه الذين يصفهم هو بالتافهين. إذاً كانت الحرب دفاعاً عن النفس، وإن صداماً لا مصلحة له بدخول إيران، إذاً لماذا دخلها صدام؟ من يجيبنا على هذا السؤال؟ لماذا، وألف لماذا. من زين له الدخول، ومن أغواه بهذه اللقمة السائغة التي وقفت في البلعوم ولم ينفع معها شرب برميل كامل من الماء؟ يقول عزيز إن أسباب الحرب نسبية، بضربة تأديبية، لكن القادة السياسيين يقفوف على كتب التاريخ يدرسونها، أما العسكريون فيقفون على دراسة الخرائط، وقبل أن يقوموا بأية خطوة، فما الذي جعل صداماً يمزق معاهدة الجزائر علناً، ويسارع بإدخال عجلاته الحربية إلى الأراضي الأيرانية، ويطلق رصاصة الحرب الأولى؟ حدثنا، بالله عليك، يا سيادة الأخ طارق عزيز.
أما تفسير طارق عزيز للحرب الكيمياوية فيقول إنها “تكتيكية”، فهل سمعتم بهذا؟ كان إلقاء القنبلة الذرية على اليابان أمراً “تكتيكاً” لا ستراتيجياً انتهت به الحرب العالمية الثانية، فهل تريدون أكثر من هذا؟ ثم يخرج علينا عزيز بتفسير جديد وكأنه واحد من أهل الكهف، يقول إن إيران ضربت حلبجة بالسلاح الكيمياوي قبل العراق. ولنأخذ بهذا، لكن ما الذي يجعل العراق يثني على إيران بالسلاح الكيمياوي؟ يقول عزيز إنه لم يطالب بوقف الحرب، لماذا؟ الجواب لأنها قامت، أي إذا قال صدام، قال العراق كله. ولأنها لا بد أن تنتهي بإنتصار القائد الفذ الفريق الركن صدام حسين التكريتي. الحرب كما يقول عزيز هي لمصلحة العراق، وهذا صحيح لو حسبنا الخسائر المادية والبشرية التي أصابت العراق.
الخلاصة أني كنت أعتقد أن السيد طارق عزيز بعثي مثقف، لكني بعد سماعي لكل ما قال وبإنتباه شديد توصلت إلى أنه غوغائي مسيس، لا يحتفظ بأي حب غير حبه لسيده الأكبر الذي أوصله إلى أعلى المراتب التي قد لا يستحقها. ومهما يكن، أعرف تماماً أن الشعوب لا تموت، وإن الحرية هي أكبر كرامة وهبها الله للبشر. لا يصح إلاّ الصحيح.

أحدث المقالات

أحدث المقالات