8 أبريل، 2024 12:09 ص
Search
Close this search box.

بعد اكثر من عقدين لزمن مضى

Facebook
Twitter
LinkedIn

رياض شابا …ذكريات عمر عن الابداع الصحفي
عام 1973 كان بداية عملي الفعلي في الصحافة ، وفي مجلة الاذاعة والتلفزيون ، الذي يرأس تحريرها المرحوم زهير الدجيلي ، وكنت حينذاك في المرحلة الاخيرة بقسم الصحافة كلية الاداب جامعة بغداد ، ادرس صباحا في الكلية ، ومساءا اعمل في المجلة ، حين بدأت العمل شعرت بالرعب والخوف من فشلي في العمل لانني وجدت نفسي وسط عمالقة الصحافة العراقية انذاك ، وانا اصغرهم سنا ومبتديء في الصحافة ،اذ لم يكن عمري قد تجاوز الثانية والعشرين عاما ، لكن سرعان ماتبدد الخوف بعدما تلمست ود ولطف واحترام الموجدين لي ، بل واندماجهم معي وهم يطلعوني على تفاصيل وافكار واوليات العمل الصحفي ، وكانت رعاية زهير الدجيلي لي واهتمامه بي دافعا اخرا لأن يجعلني اطمأن من ان وجودي بالمجلة يمكن ان يمنحني فرصة للتطور وتنمية قدراتي لأكون قادرا على اقتحام عالم الصحافة ، لذلك تقبلت فكرة زهير لان ابدأ عملي في قسم الارشيف وتأكيده على ضرورة الاطلاع وقراءة ماينشر في المجلات والصحف التي ترد للمجلة للتعرف على تنوع اساليب الكتابة وطرائق التحرير بل وحتى التمعن والتدقيق في الصور المنشورة وعلاقتها بالموضوع، والتعرف ايضا على اساليب التصميم ، ادركت حين ذاك ان طلب زهير كان مهنيا بحق وبداية صحيحة للعمل التدرجي في الصحافة ، لاسيما وانني كنت ادرس كل هذه المفردات اكاديميا في قسم الصحافة، ومما شجعني اكثر وزاد من حماسي للتوغل في القراءة والاطلاع هو طلب زهير ايضا بتقديم مقترحات عناوين لتحقيقات صحفية في مختلف المجالات ، كان زهير الدجيلي بحق مدرسة صحفية مكتملة، ومن بين كل الاخيار المحررين، كان ثمة انسان يرتكن زاوية من غرفة التحرير ، وينظر لي بين الحين والاخر ، هو لايضحك مع ضحكات الاخرين وقليل التحدث معهم ، وغالبا ماكان يكتب باستمرار ، لكنني احسست من خلال نضراته المليئة بالود واللطف انه يمتلك روحا باسمة ويحتويه قلب شفاف ، شدني حضوره الهاديء ووسامته البريئة.
مدرسة صحفية
حين اعطيت ورقة اقترحت فيها عناوين لتحقيقات صحفية لرئيس التحرير كان قد طلبها مني كأختبار لقدراتي قال على الفور : سلمها الى رياض احترت ماذا يقصد !! وفهم الامر بأن اسمي رياض واضاف .. رياض شابا ، كان زهير الدجيلي بحق مدرسة صحفية قائمة بذاتها ، يمتلك عقلا مهنيا متوهجا ، وقدرة هائلة في الكتابة وصياغة العناوين وابتكار الافكار الفاعلة والمؤثرة .
وبدأت رحلة صداقتي برياض شابا ، كان زهير الدجيلي يعتمد على رياض شابا كثيرا فلديه اسلوبا سلسا وممتعا في سرد القصة الصحفية ويجيد ببراعة كتابة التحقيقات ويتمتع بخبرة مهنية واسعة تمكنه من اعطاء مادة دسمة وممتعة للقاريء ويحسن ايضا صياغة العناوين بالشكل الذي يلفت انتباه القاريء ويشده لقراءة الموضوع ، ولعل براعته في الكتابة واسلوبه المتميز قد تحققا من تجربته الصحفية في عدة صحف يومية كانت تصدر في بغداد ولعدة سنوات قبل مجيئه لمجلة الاذاعة والتلفزيون ، ومن ابداعاته الصحفية ، كان يحرر ويكتب صفحة في المجلة بأسم مستعار هو( وسن سلمان ) وعنوان الصفحة اشياء امرأة صغيرة ، ولرومانسية كلمات الصفحة ورقتها العذبة كانت تحصد عشرات الرسائل من القراء اسبوعيا لملاطفة وسن ودغدغة عواطفها ، وغالبا ماكنا نقرأ الرسائل سوية ويستغرقنا الضحك طويلا ، هذا ماعرفته عن رياض بعد ان زاملته في العمل وبعد ان تعلمت منه الكثير من اساليب الكتابة وتنوعاتها مابين التحقيق والحوار والتقرير والخبر ، كان قريبا جدا مني يقرأ ما اكتبه ويصحح لي ويطلب مني اعادة كتابة الموضوع وقد يتكرر ذلك اكثر من مرة دون ان يجعلني وبأسلوبه الدافيء الممتع ان اشعر بالضجر او الملل.
تمرين ميداني
قال لي ذات مساء ستأتي معي الى معرض بغداد ، لم اسأله لماذا ، لان صحبته تمتعني وتزيدني قربا منه وحبا له ، حين وصلنا وجدت نفسي امام فرقة ثلاثي اضواء المسرح ، سمير غانم وصفاء ابو سعود وجورج سيدهم ، اثناء مشاركتهم بحفلة خلال ايام المعرض ، كان رياض قد اخذ منهم موعدا لاجراء تحقيق صحفي ، التفت نحوي رياض وقال انتبه لكيفية اجراء التحقيق وتابع طبيعة الاسئلة ، كان ذلك بمثابة تمرين ميداني للعمل الصحفي.
تطورت علاقتي برياض واصبحنا اصدقاء من نمط خاص لاننا تشابهنا في كثير من الصفات والرغبات والافكار ، هو مسيحي وانا مسلم ، كنا غالبا نحضر اعيادنا سوية باستمرار ، نخرج سوية ، نسهر معا ، نشاهد الافلام ، ونزور المعارض ، ونقضي اوقاتا طويلة في في سرد قصص وحكايات عن عالم الصحافة وهموها ، ولأنني ادرس في الجامعة اقترح علي زهير ان احرر صفحة بأسم مواهب في الطريق ، تعتمد على اللقاء واجراء تحقيقات مع الطلبة والطالبات ممن لديهم مواهب متميزة تستحق النشروتقديمهم كشباب موهبين ، وكلف رياض ان يكون مسؤولا عن تحرير الصفحة بعد ان انجز كتابتها ، وكان كما اعتدت عليه دقيقا في ملاحظاته سلسا في المناقشة تدفعه روحه الطيبة لأن يجعل مني صحفيا ناجحا ، وهكذا استمرت العلاقة وتطورت قدراتي نسبيا خلال السنة الاولى من العمل وكلفت بتغطية كل نشاطات الاذاعة والتلفزيون من الداخل ، وايضا على منضدة رياض تجري النقاشات واستمع لملاحظاته وينتقي مايشاء للنشر،
وبحكم علاقاتي التي تكونت في الاذاعة والتفزيون تمكنت من الحصول على فرصة اعداد وتقديم برنامج تلفزيوني من تلفزيون العراق بأسم تحقيقات تلفزيونية ، اقترحت ان نتشارك انا ورياض في البرنامج ، وحصل ذلك ، لكن البرنامج لم يستمر طويلا ، ولا اذكر الاسباب .
خلال تلك الفترة ولزيادة توغلي في هذا العالم الذي استهوتني كل تفاصيل عمله وهمومه ، كنت اتنقل مابين غرفة التحرير وغرفة التصميم الذي كان يقوم به المرحوم عارف علوان وهو كاتب روائي معروف ، مستمزجا بعض الافكار التي تكونت عندي من خلال متابعة العديد من المجلات ، وتصاميم عارف علوان الذي غادر المجلة فجأة دون اشعار احد وعرفنا فيما بعد انه غادر العراق ، الامر الذي اصاب زهير بحيرة من امره في كيفية تدارك الامر ، لكن رأي رياض شابا قد خفف من حيرة زهير عندما قال اعتقد ان رياض عبد الكريم قادر على انجاز المهمة لانه رافق عارف لعدة شهور وتكونت لديه افكار قابلة للتطور ، وهكذا كان فقد توليت مهمة التصميم وايضا كان لرياض وكذلك الاخ العزيز سهيل سامي نادر الاثر الكبير في تواصلي واستمراري بهذه المهمة من خلال ملاحظاتهما وافكارهما ، ونجحت.

بداية النهاية
ثمة ظروف بعضها استياء من نجاح المجلة ورغبة البعض من تولي ادارتها وتغيير اتجاهاتها من كونها مجلة مهنية تمارس العمل الصحفي وفق معايير مهنية وتوجهات مجتمعية ، الى مجلة تخضع لاحكام واشتراطات النظام السابق وسيطرته على الصحافة والاعلام ، والبعض الاخر سياسية، لأن اغلب العاملين فيها من الشيوعيين ، مما ادى كل ذلك الى تدمير هذا النجاح ونقل العاملين بما فيهم انا وانهاء خدمات من هم يعملون على القطعة ، وتفرقنا ، وطال الفراق مدة طويلة بسبب الحروب والحصار.
ذات ليلة وبعد عام 2003 ، لا اذكر السنة بالضبط ، اتصل بي رياض واخبرني انه سيغادر العراق غدا ، وانقطع الاتصال ، علمت بعد مدة انه وصل الى كندا .

بعد مضي اكثر من ثلاثين عاما ، وقبل اسبوع فوجئت برسالة تحية وسلام وردتني على صفحتي في الفيس بوك بأسم رياض شابا، لم اتمالك سعادتي لحظتها وخفت ان لايكون ذلك وهما فكتبت له مباشرة ، هل انت وسن ، جاءني الجواب نعم انا وسن وضحكنا طويلا كما كنا نضحك عندما نقرأ الرسائل التي تأتي الى وسن وكاتبها رياض شابا.
كاتب ومتابع للشأن السياسي
[email protected]

انا ورياض شابا

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب