23 ديسمبر، 2024 7:47 م

بعد إفلاس العراق … مخطط لبيع أراضيه

بعد إفلاس العراق … مخطط لبيع أراضيه

لا يشك أحد في أن الاقتصاد العراقي وصل إلى مرحلة حرجة ليس فقط بسبب انخفاض أسعار النفط  و إنما بسبب السياسات الفاشلة و الفساد الكبير الذي ينخر في جسد الدولة العراقية بكل مؤسساتها بالإضافة للحرب على الإرهاب.

و بالرغم من إجراءات التقشف التي راح ضحيتها المواطن العراقي فإن إسراف المسؤولين ما يزال مستمراً إما بصيغة  إيفادات أو ترميم منازل و مكاتب و حتى إقامة حمامات سباحة و غيرها من أوجه هدر و فساد هنا و هناك.

و يبدو واضحاُ أن عجز موازنة 2016 البالغ قرابة 20.6 مليار دولار و الذي يعادل إلى حد ما النفقات الاستثمارية هو لتمويل أحزاب السلطة و جنود المرتزقة التابعين لها.

و هذا ليس غريباً في بلد أنفق على الموازنات الاستثمارية  منذ العام 2003 قرابة 293 مليار دولار من أصل موازنات بلغت حتى هذا العام 2015 اكثر من 850 مليار دولار ، فكانت النتيجة بلداً بدون خدمات و بنى تحتية متهالكة و أكثر من 9 آلاف مشروع متلكىء أو وهمي و ثمانية ملايين فقير و 7 ملايين أمي.

و يبدو أن مفهوم الاستثمار في العراق ما يزال غير واضح أو هكذا أريد له على الرغم من التعديل الثاني لقانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 بتاريخ 27 تشرين الثاني من هذا العام 2015 حيث نسجل عليه هذه الملاحظات:

أولاً- الاستثمار يعني أن يتم جذب الأموال أو إنفاقها من قبل الدولة أو القطاع الخاص لتحقيق منتجات و خدمات معينة أو استحصال إيرادات مستقبلية. إلا أن قانون الاستثمار المعدل لم يتطرق لهذه القضية و إنما تم ترفيع رئيس الهيئة لمرتبة وزير و تمديد ولايته و كأنه تكريم للفشل و الفساد الذي جرى في السنوات السابقة.

ثانياً- إن أكبر دليل على فشل الاستثمار في العراق هو عجز هيئة الاستثمار عن جذب أموال من الخارج في المحافظات الآمنة و إنما تم تخصيص أموال للاستثمار لم تكن نتيجتها إلا جزر نخيل ميتة أو مدارس بهياكل حديدية صدئة أو مشاريع كهرباء لم ير منها النور.

ثالثاً- في الوقت الذي يثار فيه الحديث عن وجود فرص استثمارية فإنه من الواجب أن لا يشمل ذلك المعامل و المصانع الحكومية القائمة و التي كانت عاملة و منتجة قبل 2003 ، إذ من غير المعقول أن تتحول تلك المعامل بين ليلة و ضحاها إلى مؤسسات غير منتجة و عبء على الدولة. و لماذا لم تتمكن وزارة الصناعة التي خصص لها مليارات الدولارات من تأهيل تلك المعامل بدلاً من إيصالها لهذا الحال؟

المفارقة أن نفس هذه المعامل و المصانع التي يدعي البعض أنها غير منتجة تتحول فجأة إلى فرص استثمارية رابحة بحسب الوزارات و يتم عرضها للمستثمرين.  إذاً فهذا يشير بشكل واضح إلى أن هناك من تسبب في توقف هذه المعامل و تحويلها إلى عبء و ذلك بعد أن سمحت نفس الوزارات للمنتج الاجنبي بالمنافسة و الدخول إلى السوق العراقية في حين توقف الانتاج المحلي.

رابعاً-  يتطرق تعديل قانون الاستثمار إلى اللامركزية في منح الموافقات لمحالس المحافظات و ذلك في وقت ينخر الفساد تلك المجالس التي تقول الحكومة العراقية عنها أنها غير مؤهلة لإدارة ملفات أقل من الاستثمار كتوزيع البطاقة التموينية.

خامساً- في المادة 5 ثامنا يتطرق قانون الاستثمار المعدل إلى تشجيع المستثمرين العراقيين والاجانب من خلال توفير قروض ميسرة لكن السؤال هل هذا استثمار؟ و لماذا يتم منح قروض لمستثمر لا يمتلك مبالغ يضخها في الاقتصاد العراقي ، بدلاً من مستثمرين مفلسين لا يمتلكون حتى إنجاز المراحل الأولى من مشاريعهم ثم يفرون بأموال العراق للخارج. 

سادساً- تطرقت المادة 1 تاسعاً من قانون الاستثمار المعدل إلى تعريف المستثمر الأجنبي على أنه الشخص الحاصل على اجازة الاستثمار والذي  لايحمل الجنسية العراقية اذا كان شخصاً طبيعياً او شخصاً معنوياً مسجلاً في بلد اجنبي.  و كذلك في الفقرة عاشراً عرف المستثمر العراقي بأنه الشخص الحاصل على اجازة الاستثمار والذي يحمل الجنسية العراقيـة اذا كان شخصاً طبيعياً او شخصاً معنوياً مسجلاً في العراق.

إلا ان كلا الفقرتين أغفلتا أن تعرفا المستثمر من حيث أنه سيقدم أموالاً و خبرة لإنجاز مشاريع معينة  و تحقيق أرباح أي أنه عرف بمفهوم روتيني تمثله إجازة الاستثمار و لم يعرف بالمفهوم العملي. إذا فموجب هذه الفقرة يحصل المستثمر على الضمانة بالحصول على الأموال العراقية بمجرد أن يحصل على إجازة الاستثمار في حين أنه كان يجب أن تكون هناك خطابات ضمان من المصارف المحلية أو الأجنبية لضمان جدية هذا المستثمر.

سابعاً- لم يتضمن قانون الاستثمار المعدل فقرة (من أين لك هذا) أو التعرف على المستثمر و مصادر أمواله و اكتفى بإجازة الاستثمار كوثيقة حسن نية و بالتالي يمكن للسياسيين الفاسدين على سبيل المثال و الذين هربوا أموال العراق للخارج إنشاء شركات خارج العراق من أموال العراق المهربة ثم إعادتها بصيغة قانونية إلى العراق تماماً كما هو غسيل الأموال.

و عن هذا يقول أحد المشاركين في تعديل قانون الاستثمار في إحدى الندوات التلفزيونية الخاصة بذلك “أن من يهرب بأموال العراق و يودعها في الخارج يحصل على فوائد قليلة فلماذا لا يأتون بها إلى العراق لاستثمارها فيه”. و كأن هذه الاموال هي من حقوق هؤلاء الفاسدين أصلاً و ليست من حقوق الدولة العراقية. بهذا المنطق يتكلم بعض السياسيين ما يدل على أن الموازنة الاستثمارية في العراق هي لتمويل الفساد في الكتل و الأحزاب السياسية و ليست لغرض الاستثمار.

ثامناً-  يمنح التعديل الثاني لقانون الاستثمار المستثمر الأجنبي حق تملك الأرض بنسبة 100% للأجنبي من دون دفع البدل إذا كانت لغرض مشاريع سكنية و ذلك دون ضمانات بأن من سيتملك الأراضي العراقية لا ينتمي لدول معادية للعراق أو تخطط للسيطرة على أجزاء مهمة في البلد.

و عن هذا يقول أحد المشاركين في صياغة التعديل الثاني للقانون في نفس الندوة التلفزيونية الخاصة بذلك “أن العديد من السفارات تتصل به و تسأله عن تعديل قانون الاستثمار”. و هذا يعني أن تلك الدول تخطط لشراء مساحات واسعة من الأراضي العراقية. و كان حرياً أن يتضمن القانون تأجير الأرض أو منح المستثمر حق ملكية البناء مع الحفاظ على الأرض لصالح العراق في الحسابات القومية.

تاسعاً- أغفل التعديل الثاني لقانون الاستثمار أن يمنح أولويات الفرص الاستثمارية للمستثمر العراقي قبل الأجنبي خاصة في قطاعات حساسة كالاتصالات و هي قطاعات أساسية لها مساس بالأمن و الاقتصاد ، إذ من غير المعقول أن تسيطر شركات أجنبية على هذا القطاع و بالتالي فإن بيانات مهمة تصبح في أيدي دول أخرى.

و أخيراً فقد أصبح جلياً ، أن من أفرغ خزينة العراق من احتياطها النقدي ، ما زال يعمل بجد لإفراغ الاحتياطي الفيدرالي و يبحث عن مصادر أخرى لتمويل فساده حتى لو باع كل العراق لأي كان و بأي ثمن.