بعد أن أنتهى الجميع منها (*)
أحتفل الجميع بيوم المرأة العالمي، يومها وليس عيدها، في الثامن من آذار ما بين كلمات وشعارات ومؤتمرات ومهرجانات، وكل حسبّ ما يراه مناسبا للاحتفال أو الإحتفاء.. وفضلتُ الصمت لحين إنقضاء المناسبة.
لأني شعرت بالخجل من نفسي أولا ومنها ثانيا.
سنون طويلة ونحن نحتفي.. ثم ماذا؟
عراقيا: منذ 2003، ونحن نؤشر على هذا اليوم، ونحتفي به.. ثم ماذا؟
دعوني أخبركم ببعض ما تعاني منه النساء في بلدي المتعب الغارق بالوجع ونحن في 2018، والعالم ينادي بأهداف تنمية مستدامة يطمح لتحقيقها عند 2030.. (هذا الحلم الطوباوي)، لست متشائمة، ولكني اتحدث من معطيات الواقع من حولي، وما ترافقه من إرهاصات وحمى.
هذه الحكايا، من مختلف مدن العراق، فأن النزوح الذي حدث بسبب إحتلال داعش، أفرز لنا الآف الحكايا والقصص التي لم نكن لنسمعها لولا هذا الحدث الرهيب.. كأنما كُشف لنا الغطاء.. وبات اليقين بأن للمرأة وجعا صامتا ينزف برعونة دون أن يلتفت إليه أحد، بل يبرر في غالبية أحيانه ويعدّ وضعا عرفيا طبيعيا سائدا..
الحكايا كثيرة، ولكني سأسرد هنا غريبها، بعضٌ من غريبها، فحكايا الضرب والاهانة النفسية والحرمان من التعليم والعمل والعنف الاقتصادي، أصبح مألوفا جدا لدينا، ألفنا وجعه وأنينه وحارت بنا طرق التفكير بمعالجته.
أبّ لديه اربع فتيات، يقوم بتزويجهن صغارا، لأجل الاستفادة من مهورهن، بالمهر الأول اشترى سيارة، وبالمهر الثاني رمم بيته، وبالمهرين الأخيرين تزوج أمرأتين!!
رجال يهجرون زوجاتهم ويتركهن في المخيمات مع الأولاد بلا رحمة، ليتزوج هو باخرى دون أن يفكر بها أو بأولاده…
فتاة تم تزويجها وهي في الخامسة عشر من عمرها، تبلغ الآن الثامنة عشر ولم تنجب، زوجها يسيء معاملتها لانها لا تنجب!!
مئات الالآف من الفتيات الصغيرات لا حلم لهن، سوى التعليم..
مئات من النساء يتعرضن يوميا للتحرش والعنف الجنسي والإساءة والاستغلال دون أن يجدن مناصرا لهن أو حاميا..
والعشرات من مدافعي حقوق الانسان والمرأة تحديدا، يتعرضون للتهديد والتضيق في عملهم لأنهم يدافعون عنهن، ويطالبون بحماية كافية لهن..
فما جدوى ان يقوم رجالات في الدولة بحضور مؤتمرات للاحتفال بهذه المناسبة، ويعجزون عن مساءلة مرتكبي الانتهاكات لحقوقهن.. يشاركون في خطب رنانة ولا يفعلون شيئا لها على أرض الواقع، يكرمون بضع نساء أمام عدسات الكاميرا الإعلامية ويتغافلون عن مئات أخريات يتعرضن لمختلف الانتهاكات التي تمسّ كرامتهن وأمنهن النفسي والجسدي.. وقد يصل الأمر الى الدفاع عن مرتكبي تلك الانتهاكات وحمايتهم.
قبل فترة قصيرة، أستقبل مسؤولون في الدولة ورجال دين وشيوخ عشائر، المندوبة الأممية الخاصة بالعنف الجنسي، وأخبروها بأنهم مع حماية النساء وضد مرتكبي الانتهاكات بحقها، أيضا أمام عدسات الكاميرا الإعلامية… ولكنهم عجزوا عن فتح تحقيق واحد حقيقي وجاد لمعرفة حجم الرعب الذي تعيشه أولئك النساء، وأن صادف وتم فتح ذلك التحقيق، فسيتم تغيير مسار النتيجة، ويكتب: (لم نجد شيئا)، كما كانوا فيما مضى يكتبون: (قيدت ضد مجهول).
وللأسف فان المندوبة الأممية الفاضلة لم نسمع أن في جدول أعمالها كان هناك لقاءات مع نساء نازحات في أماكن تواجدهن أو لقاءات مع ضحايا العنف الجنسي سواء أمام كاميرا الأعلام أم بدونها، أو أنها زارت المخيمات لتتطلع عن كثب على تلك الأوضاع البائسة التي تعيشها النساء، كان المسؤول هو سيد اللقاءات.
لذلك ما تحتاجه المرأة العراقية والفتاة، هو تشريعات وقوانين للحماية، خطط عملية صادقة وجادة لحفظ امنهن النفسي والجسدي وكرامتهن، مساءلة ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وخاصة فيما يتعلق بالعنف الجنسي.
بحاجة الى رجال حقيقيين قادرين على حمايتها وحفظ كرامتها…
بحاجة الى تدابير حماية واضحة وصارمة، بحاجة الى ضمير إنساني يتحكم في مسارات الاحداث من حولنا.
لذلك لن أقول: (كل عام والمرأة العراقية بخير)، سأستعيض عنها بعبارة: (كل عام ونحن نلملم أشلائها المبعثرة… لعلنا نجد من يصورها بكاميرا الحقيقة).
(*) منها: من مناسبة اليوم العالمي للمرأة.