بدءاً وبإيجازٍ مكثّف , فالنَّص الأصلي لهذا المثل هو < بعد خراب البصرة ما تفيد الحسرة > , ويعود اصل المثل الى القرن التاسع الميلادي < القرن الثالث الهجري > بعد القضاء على حركة الزنج , التي كانت تخلو من ايّ اهدافٍ ايديولوجية وفكرية , وهي مجرد حركة مسلحة ضد النظام السياسي آنذاك واستطاعت عبر اساليب البطش والغلوّ والتهوّر من السيطرة على مدينة البصرة اثناء انشغال الجيش العباسي في معركةٍ لصدّ التمرد في ايران . وكان قائد الحركة علي بن محمد قد اطلق العنان لأتباعه وجنده للإستيلاء على ما يشاؤون من املاك وممتلكات ونساء في المدينة التي كادت تتحول الى شبه اطلال . ولمّا قام القائد العبّاسي الخليفة الموفق بتحرير البصرة والقضاء على حركة الزنج بالكامل , فالإنتصار لم يكن متكاملاً ولم تكن الناس سعيدة بما يكفي , حيث الزنج قضوا على الأخضر واليابس , وقالوا بحزنٍ وتأثّر ” بعد خراب البصرة ” !
لكنّه من المفارقات – المقارِبات وبشكلٍ مغاير , فالمَثَل الأقرب لخراب البصرة , هو مايجري تداوله في مصر وبعض الأقطار العربية في شمال افريقيا , منذ عقودٍ وعهود وهو : < بعد خراب مالطا > .! , وحيث معروف انّ مالطا جزيرة في البحر المتوسط ولا علاقة لها بالعرب والعروبة , وقد جاء استخدام وتداول هذا المثل في مصر الى غاية اليوم , إثرَ احتلال نابليون لجزيرة مالطا في عام 1798 , ورغم قُصر فترة ذلك الإحتلال الفرنسي التي استمرت سنتين , لكنهم تركوها خراباً X خراب واحدثوا فيها دماراً شاملاً ومروّعاً بعد عملياتِ نهبٍ وسلب كبرى , رافقها تدمير الكنائس والمنازل واجبروا سكانها على الهرب بحياتهم الى جزيرة صقلية .. وعاد سكّان مالطا اليها بعد تحريرها من قبل الجيش البريطاني ولكن بعدَ ان حدثَ ما حدثْ من خرابٍ حتى بالحراب ! وتداولت الألسن للجملة الشهيرة ” بعد خراب مالطا ” حتى غدت مثلاً شهيراً متداولاً حتى وقتنا الحاضر.
وبالصددِ هذا فمن الصعوبة معرفة لماذا اختار المصريون هذا المثل ” غير العربي ” للتداول والأستمرار فيه , بينما هنالك مدنٌ اخرى عربية وغير عربية نالت ما نالت من الخراب والدمار اكثر من مالطا
الى ذلك فليس بمستبعدٍ على الإطلاق ان يتداول الجيل القادم ولربما الذي بعده مثلاً جديداً : < بعد خراب العراق > ! وهو خرابٌ طال أمده ومجهولةٌ نهايته .! والأمر موصولٌ الى بعض اقطارٍ عربيةٍ مضطربة اخرى , من ناحية هذا الصنف من الأمثال .