لم يجد بعثيو المحابس وهم يتحكمون بمفاصل الدولة والمجتمع الا في ارث بعثيي
الشوارب، نهجاً ثابتاً في ادارة الدولة والمجتمع وهذا ما عكس خواءهم
الفكري والسياسي وبطلان ما كانوا يدعونه من برامج ونظريات ورؤى. بعثيو
الشوارب هم اول من اسس ميليشيات الحرس القومي وسن له قانون رسمي ( قانون
الحرس القومي رقم 35 لسنة 1963 ). شكل هذا الامر، أول ممارسة حقيقية في
تاريخ العراق الحديث، لممارسة العنف المنفلت وبكل اشكاله الفاشية تحت اطار
القانون وحماية الدولة ورعايتها، وارتبط ذلك بتنفيذ اجندة سياسية لحزب معين
او قوى سياسية معينة ( تحالف قومي- ديني) عملت على تهميش دور الدولة واخضاع
واذلال المجتمع عن طريق استخدام العنف باقسى طرقه ومدياته، قاد بالنهاية
الى الكارثة التي نعيشها اليوم. عاد البعث في 1970 ليشكل الجيش الشعبي بعد
ان تمرغ اسم الحرس القومي وللأبد بالجريمة والعار وليتولي المقبور صدام
حسين قيادته ومن ثم تولى على قيادتة اكثر الاسماء دموية وانحطاط في البعث.
إن نزوع الاحزاب الشمولية الى التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية يهدف
لابتلاع الدولة كمؤسسة والاستيلاء على السياسية بشكل كامل بحيث تسعى هذه
القوى لفرض نفسها بعيداً عما يتناسب مع ثقلهم في المجتمع، خاصة في الوضع
العراقي الحالي حين اتضح فشل المشروع الاسلامي.
ان ميليشيات الحشد الشعبي والتي تشكل قوى عسكرية ضاربة لقوى سياسية ذات
طابع شمولي، لا ديمقراطية ولا يجمعها اي رابط مع حقوق الانسان وهي قوى لا
وطنية في الكثير من مفاصلها وهي قوى الاسلام السياسي الشيعي والتي لا تخلتف
في هذا المجال عن قوى الاسلام السياسي السني وما كانت داعش وقبلها
تنظيمات اخرى الا أبشع الصور الدموية لها واكثرها جرماً وخزياً.
فاذا كان نهج داعش هو تدمير الدولة كهدف ثابت لها من اجل تثبيت قواعدها
على الارض، فان الحشد يسعى بكل اشكال نشاطه الى تهميش دور الدولة وتحويلها
الى راعية لنشاطه وادارة تكاليفه دون النظر الى طبيعة هذا النشاط واهدافه.
ان الموقف من ميليشيات الحشد الشعبي يتجسد في الموقف من بناء الدولة على
اسس دستورية ومن الموقف من تطوير ما يسمى بالعملية السياسية والموقف من
الارهاب والتطرف وفي بلورة مجتمع مدني ودولة مواطنة وخلق حياة ديمقراطية
تؤمن التداول السلمي للسلطة وغيرها من الاهداف التى تؤمن تطوير الدولة
والمجتمع.
لا ينكر الدور الذي قامت به بعض فصائل الحشد للتصدي لداعش ولا التضحيات
التي قدمها العديد من افراده لاسباب وطنية او دينية او طائفية وغيرها، لكن
ان يبقى تقييم دور الحشد كمؤسسة ضمن اطار عملية كاملة وما هو مخطط له من
دور وما هو مناط به او ما سيلعبه في لاحق الايام. قسم كبير من فصائل الحشد
كان في حقيقتة أمتداد لميليشيات معروفة ولها ادوار غير مشرفة سواء في
صراعها مع المجتمع واخضاعه او في صراعاتها الداخلية او في صراعاتها مع
القوى الاخرى على مراكز السلطة والمال والقوة، لكن فتوى السيستاني في 2014
اكسبته اسماً يبدو اكثر براغماتيا واعطته طابعاً وطيناً. عمليا نُسفت دعوة
السيستاني وافرغت من مضمونها واتخذ مسار الحشد طريقاً اخر.
جاء تأسيس الحشد ردا على داعش، التي عبرتشكيلها عن نقطة التقاء المصالح
الامريكية والايرانية وبرعاية المالكي وقوى الاسلام السياسي الشيعي. فقد
كان المالكي وحكومته وقادة حزبه وغيرهم على علم مسبق وتام بهروب المئات من
عناصر القاعدة وقوى التطرف الاكثر اجرماً ودموية في2013 من سجن ابي غريب
ودون اتخاذ اي اجراء مسبق ضد هذا الهروب. هؤلاء كانوا هم القاعدة الاساسية
لتشكيل داعش.
شكل تسليم الموصل من قبل المالكي ووهم تحرريها لاحقا من قبله ولاغراض
سياسية خاصة به وبحزبه وتسيد نهج طائفي معين في ادارة الدولة والمجتمع، شكل
العتلة التي حولت الميلشيات الشيعية الى الحشد الشعبي، ولا يخفي المالكي
دوره الحقيقي في تاسيس وتمويل الحشد واعتبار نفسه قائده الحقيقي.
يُثبت الان اسم ل 67 فصيل في الحشد الشعبي. تمثل هذه الفصائل وبالذات
الكبيرة والفعالة منها عدداً وتسليحاً، تمثل البيوتات المالية (
الاوليغارشية المالية ) المتحكمة في السلطة عبر اشكال واحزاب سياسية وهى
ممولة منها وبالتالي مرتبطة بها وبحماية مصالحها حين يتطلب الامر او
تعزيزها لاحقأً في الصراع على مركز النفوذ والسلطة.
تتوازي قوى الحشد كما تشير الكثير من المعلومات مع قوات الجيش عدداً
وتسلحاً. بالتالي هي قوى موازية للجيش. اما فيما يعلن بانها تخضع لرئيس
الوزراء فهو اعلان لا يمكن اثبات مصداقيته في الواقع الا في تحمل رواتب
وتكاليف الحشد على الدولة. ترتبط هذه الميليشيات على المتسوى الديني –
الفقهي بايدلوجية قامعة استبداية ودموية، ترقض وجود الاخر المخلتف عنها.
على مستوى الفتوى والممارسة اليومية والسياسية يرتبط ما يقارب ثلثيها
بمرجعية غير عراقية، لها مشروعها القومي – الطائفي الخاص والذي لا يجمعة اي
جامع مع المشروع الوطني العراقي، ولم يعد قادة بعض هذه الميليشيات يخجل من
مواقفه وتصريحاته للارتباط بايران ومشروعها، بل هناك مطالبة بتوسيع دور
الحشد في سوريا ومده لمناطق اخرى بما يخدم الصراعات الاقليمية.
رغم كل الهالة والقداسة ( الحشد المقدس، الحشد الهي وغيرها) التي يسعى
لاضفائها الاعلام المرتزق او المُبتز او المتملق على وجود الحشد وممارساته
وتغييب دور الجيش العراقي وسرقة انجازته في الحرب ضد داعش الا انه تترتبط
باسم العديد من فصائل الحشد الكثير من عمليات النهب والسرقة والاعتداء،
سواء لممتلكات الدولة او المواطنين. مازال كذلك مصير الالاف من المحتجزين
والمخطوفين والمغيبين من المناطق الغربية بالذات او من بغداد وغيرها من
المناطق الاخرى ومنذ فترة طويلة، مجهول ودون ان يعرف عن مصيرهم أي شيء. لا
تستطيع الدولة اتخاذ اي اجراء بهذا الصدد رغم معرفتها بهذه الجهات واماكن
الاحتجاز. عند التفكير في صياغة موقف سليم من الحشد هناك جرائم حقيقية يصعب
التغافل عنها ضد المدنيين بما فيها القتل والتمثيل، اضافة لارتبط اسمة
بعمليات التهجير الواسعة والقتل على الهوية وغيرها. الى جانب ذلك تحول
الحشد الى بؤرة من بؤر الفساد، اقلها في حدود المعلومة التي اثارها رئيس
الوزراء على وجود الالاف الفضائيين بين صفوف الحشد.
لحد الان لا يوجد احصاء دقيق لقوى هذا الحشد وتسليحه بما فيها السلاح
الثقيل ومصادر تمويله ومناطق عمله وطبيعة نشاطه بما فيها زجه في مناطق خارج
العراق وابعد من سوريا. حتى عدد الشهداء والضحايا غير معروف. قبل بضعة
سنوات اشار الاعلامي محمد الطائي بوجود 30 الف ضحية او قتيل من عناصر الحشد
في البصرة فقط. مما يثير التساؤل عن فائدة زج الشباب العراقي المحاصر
بالبطالة وضيق العيش والتهميش في محارق الموت وفي مشاريع لا يجمعها اي جامع
مع المشروع الوطني العراقي، ويبقى التساؤل مشروع عن ماهية تشكيلات الحشد في
محافظات العراق وبالذات البعيدة عن مناطق القتال وتصاعد الاصوات لاستلام
الملف الامني في بغداد في ظل التهم المتبادلة بين اطراف التحالف الشيعي عن
مسؤولية بعض اطرافه في هذه التفجيرات وبالذات الخروقات الكبيرة وانعكاساً
لطريقتة في إدارة صراعاته الداخلية.
يكشف الحشد وبالذات احد وجوهه الدموية في احد خطاباته العلنية عن دور الحشد
في خطف الصحفية العراقية افراح شوقي وسبعا من ناشطي ساحة التحرير والمخفي
اعظم من ذلك بكثير، ليعلن بكل صراحة عن الدور القادم للحشد في التصدي للقوى
المعارضة لدولة المحاصصة والفساد والبيوت المالية، دون ان تتجرأ الدولة
باتخاذ اي اجراء ضده وبصمت مطبق من القوى المدنية التي علقت امالها على ان
تتهم الدولة او تدين من قام بهذا الامر، اكتفى البعض بتسميتها ميليشيات
وقحة او منفلتة مما يعكس موقف التردد وحجم الخوف من قدرة هذه الميليشات في
سحق الاخر المخلتف حتى لو كان حاملاً لمشروع وطني ويعكس في الوقت نفسه،
موقفاً ملتبساً من هذه الميليشيات،. إن سلوك قيس الخزعلي أمين عصائب أهل
الحق وحليف المالكي ونهجه، يشكل نوعاً من البلطجة والسعي لتمرغ ما بقى من
هيبة الدولة وايصال رسالة القوى المتنفذة في السلطة ومن يقف وراءها وبشكل
علني للتيار المدني وللمجتمع العراقي بانهم سائرون في فرض نهج المحاصصة
وحماية الفساد وتحويل العراق ساحة متقدمة في الدفاع عن المشروع القومي
الطائفي الايراني، خاصة في ظل النتائج التي سترتبط بزيارة ترامب الاخيرة
للمنطقة.
ان ميليشيات الحشد الشعبي او غيرها مهما اكتسبت من طابع ديني او طائفي او
قومي أو حزبي لا تعدو كونها سوى ، مشروع اللاوطنية وتفليش الدولة والمجتمع
العراقي واسكات اي صوت وطني.
لا يعدو بعثيو المحابس اليوم الا وجهاً اخر لبعثيي الشوراب.