من حق الحكومة ان تستغرب لماذا “الامة مكلوبة” والمواطنون الكرام منزعجون من قرارها التاريخي القاضي بالغاء نظام البطاقة التموينية واستبدالها بالبدل النقدي. ولكن في المقابل فان من حق الامة المكلومة والمكلوبة معا هي ومواطنيها الانزعاج من قرار الحكومة. ولاننا نعيش ذروة عصر الديمقراطية ومن مستلزماتها الشفافية فان الحكومة بررت قرارها التاريخي الشجاع الذي دونه قرار تاميم قناة السويس بان نظام العمل بالبطاقة التموينية تشوبه منذ سنوات شبهات فساد. ولان الحكومة وبحسب اعترافها الديمقراطي والشفافي لاتستطيع ولاتتمكن وليست قادرة على محاربة الفساد فانها لم تجد “حايط انصيص” تتكئ عليه سوى “البطاقة التموينية” التي لها ولشدة اعتزاز الناس بها تسميات عدة في الشارع العراقي. فهناك من يسميها “الحصة” ومنهم من يسرف في تدليعها كما لو كانت معشوقته المفضلة فيطلق عليها اسما بالغ الرومانسية وهو “الكمية”.
اما في الدوائر والوزارات وعند الاخوة العرضحالجية فهي احدى المستمسكات الاربع الخالدات التي لايستطيع حتى فيليكس لو كان عراقيا ان يقفز من علو مترين وليس من 40 كيلو مترا ويخرق حاجز الصوت ويحطم اربعة ارقام قياسية لو كانت بطاقته التموينية مستنسخة وليست اصلية. المواطنون الكرام وبخاصة الفقراء منهم الذين كانوا الاكثر حماسا في التوجه الى صناديق الانتخاب وغمس اصابعهم في الحبر البنفسجي ذهلوا من هذا القرار. اما الاخوة “الفايخين” فانه لا مشكلة لهم سواء الغيت الحصة او الكمية او البطاقة او بقيت طالما ان حصصهم وكمياتهم وبطاقاتهم جاهزة ومتوفرة وباي نظام يريدون وعلى اي بنك او دولة.
القصة الان دخلت في اكثر من “حيص بيص”. فالوزراء الذين يمثلون كتلا ومكونات صوتوا بالالغاء عندما قيل لهم ان الفساد لايمكن القضاء عليه الا وفقا للمثل القائل “الباب اللي تجيك منه ريح سدة واستريح”. اعضاء البرلمان الذين يمثلون ذات الكتل والمكونات التي يمثلها الوزراء انفسهم استشاطوا عضبا لقرار الحكومة التي هي حكومتهم بوصفها حكومة “شراكة وطنية”. لم يتوقف “الحيص بيص” عند هذا الحد. فرئيس الحكومة الذي شرح القصة وما فيها بالتلفزيون ودافع عن القرار لاسباب عدها منطقية اصدر هو نفسه بيانا بوصفه امينا عاما لحزب الدعوة ادان فيه قرار الغاء البطاقة التموينية.
الحكومة خالجها الظن ـ دون ان تضع في بالها ان بعض الظن اثم ـ ان القضية يمكن ان “تفض” بالمفاوضات مع الاخوة المواطنين الذين رفعوا سقوف مطالبهم وهو ماجعلها ترفع مبلغ التعويض من 12 الف دينار الى 15 الف دينار. وعندما وجدت ان الحديدة بدات تسخن والانتخابات على الابواب وعدت برفع المبلغ الى 25 الف دينار.
لكن المرجعية الدينية ومجلس النواب والمواطنون الكرام اصحاب الاصابع البنفسجية جلسوا لها “ركبة ونص” ولسان حالهم يقول من يضمن السيطرة على فساد التعويضية هذه المرة؟ وكيف يمكن ضمان السيطرة على كتلة نقدية من 5 مليارات دولار في السوق؟ اسئلة لم تجب عنها الحكومة بعد. وعلى الارجح انها لن تجيب عنها طالما ان النية تتجه للابقاء على التموينية واعادتها الينا مستمسكا رابعا .. شاء من ابى وابى من شاء.
[email protected]