البصرة سلة خيرات العراق وثغره الباسم وميناؤه اليتيم ونخيله السامق باتت اليوم محرومة من ابسط الخدمات , فهي محرومة من الماء الصالح للشرب والسقي رغم انها تمتلك شط العرب وفيها تلتقي دجلة والفرات , وهي محرومة من الهواء النقي , فهواؤها ملوث بأبخرة ودخان حقول النفط والمصافي والمصانع، كهرباؤها متقطع في درجة حرارة وصلت الى الخمسين في بعض الاحيان . ورغم أنها تضم محطات توليد الكهرباء الكبرى في البلد، وهي محطات الهارثة والرميلة والنجيبية، فهي محرومة من التيار الكهربائي المستمر.كما انها تحتوي على ابار النفط والموانئ و فوق كل ذلك فهي تعاني منذ سنوات من اهمال حكومي واضح حيث لاشوارع حديثة ولا تبليط ولامدارس ولامستشفيات كافية ولامؤسسات حكومية تتماشى والتمدد البشري في المحافظة ولاتخطيط ميداني ينسجم واهمية هذه المحافظة ناهيك عن العمل الروتيني للمؤسسات الحكومية التي تهين المواطن كل ساعة وتتركه في صفوف طويلة وتحت اشعة الشمس المحرقة ولا تنجز معاملاته الا بالواسطات او بالرشاوى , كما انها تفتقر الى وسائل نقل حكومية لتترك المواطن تحت رحمة سيارات الاجرة ،كما ان شركات النفط تشغل العمالة الوافدة ولا تشغل البصريين , بينما ظلت الزراعة والصناعة فيها مهملة حتى ان اجزاءا من اراضيها اقتطعت منها لمرضاة هذه الجارة او تلك رغم اعتراض البصريين ورغم شعورهم بالمهانة , لو تحدثنا عن معاناة هذه المحافظة بل وبقية محافظات الجنوب والوسط لخرجنا بنتيجة خطيرة تسمح بانفجار شعبي كبير لايمكن السيطرة عليه .
ان مشكلة البصرة واهمالها وادارة الظهر لها لم تكن وليدة اليوم بل ان المشكلة كانت في صميم وواقع الحركة الاسلامية العراقية ذاتها فرغم التضحيات الجسام لاهالي البصرة وكواكب الشهداء في مواجهة النظام وفي العمل الحركي الا انها لم تحصل على جزء من استحقاقاتها او مكانتها مما ادى الى انقسام حزب الدعوة انذاك وخروج الشهيد عز الدين سليم ورفاقه من التنظيم وانشائه لتنظيم حركة الدعوة الاسلامية , حيث ان منتسبي حزب الدعوة من اهالي البصرة كانوا يشعرون بالغبن لدرجة انهم لم يحصلوا على اية عضوية او موقع في اللجنة المركزية للحزب وكرست المناصب المهمة فقط لمحافظة واحدة ولشخصيات معينة مازالت تتربع نفس المواقع وتحكم العراق , مما اثار تساؤلات في ذلك الوقت حول هذا النهج واثر بالمحصلة على وحدة ومصداقية الحزب منذ ذلك الوقت , ولم يكن الشهيد عز الدين سليم ( الحاج ابو ياسين ) الشخص الذي خرج على الحزب انذاك بل ان المرحوم السيد هاشم الموسوي (ابو عقيل ) تبعه في انشقاق اخر تحت عنوان حزب الدعوة – تنظيم العراق , وكان معه الدكتور خضير الخزاعي وكل هؤلاء كانوا محسوبين على ما سمي بخط البصرة مما يعني بان اهمال البصرة لم يكن وليد اللحظة او فترة ما بعد سقوط النظام الصدامي بل كانت حالة مستشرية في عقول قادة الحركة الاسلامية منذ ذلك الوقت . وينقل عن الشهيد عارف البصري انه كان يقول في احد مجالسه ان المرجع المرحوم السيد محسن الحكيم قال له ذات يوم عندما اشتكى له من محاربة البعض له في النجف , بما انك من البصرة فلا تتوقع ان يقبلوا بك .
لو دققتم بالمسؤولين والوزراء والنواب لم تجدوا بصريا يشار له بالبنان حتى ان الدكتور وائل عبداللطيف عانى الكثير خلال وجوده في مجلس النواب ولديه من الذكريات المريرة الكثير الكثير حتى ان مسؤوليها والمحافظين فيها لم يكونوا في الغالب من ابنائها .
كما ان البصرة لم تاخذ حقها في كونها العاصمة الاقتصادية للبلاد بل على العكس من ذلك ظلت المدينة المهملة مع انها تمثل البقرة الحلوب للطبقة الحاكمة , كما انها لم تحصل على اي نوع من المكانة الادارية رغم مطالبة اهاليها بان تصنف اقليما من اجل ان تحصل على مكاسب اقتصادية متميزة لصالح التنمية والرقي والازدهار ووصفت هذه المطالبة المشروعة بانها محاولة للانفصال ونزلت عليها صاعقة الاتهامات والتخرصات من كل حدب وصوب .
البصرة التي كانت ولاية عامرة ومزدهرة ولها تاريخ جهادي ناصع وشاركت بتضحيات ابنائها لدفع الارهاب والقضاء على الدواعش لم تكافئ الا بالاهمال والتنكب لها , فيما ان المحافظات التي انتجت الارهاب وقتلت شباب العراق تتمتع الان بالاعمار والاهتمام وتكافئ على حضانتها للارهاب لدرجة ان متقاعديها حصلوا مؤخرا على زيادات في الرواتب دون ابناء (الملحة ) في الجنوب والوسط .
البصرة المنتفضة اليوم لاتطلب اكثر من حقها ولاترجو من المسؤولين الا اقامة الحق والعدل والانصاف مما يضع الساسة العراقيين امام المحك وامام امتحان كبير , واذا ما تخلفوا او فشلوا في معالجة الوضع اليوم فستكون العواقب خطيرة وخطيرة في القادم من الايام .